كن مصدر أمان ... لبني الإنسان
ياسر مصطفى يوسف
كان من بين الصحابيات اللواتي حفرن أسماءهن في ذاكرة التاريخ بأحرف من نور تماضر بنت عمرو المشهورة بالخنساء رضي الله عنها ... كانت مشهورة في الجاهلية والإسلام ... أما في الإسلام فلأنها قدمت أربعة من الولد في معركة واحدة هي معركة القادسية ، ولما بلغها نبأ استشهادهم لم تُوَلْوِل ، ولم تُعْوِل ، بل قالت: الحمد لله الذى شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته، فكان عمر رضي الله عنه يعطي الخنساء بعد ذلك أرزاق أولادها الأربعة، لكل واحد مائتي درهم، حتى قُبِض رضي الله عنه.
وأما في الجاهلية فببكائها في شعرها ... بكائها أخاها صخراً يوم مات ... فرثته بشعر جزْل ما سبقت إليه من قبل ... وذاك أنها افتقرت ذات دهْر ... فشاطرها ماله مرتين رغم اعتراض زوجته ...
فبكته لأنه كان بالنسبة لها مصدر أمان ... وكهفاً ضد نائبات الزمان ... وخير إنسان ذاك الذي يأمنه ويأمن به بنو الإنسان ... يفزعون إليه إن حزبهم أمر ... ويلجؤون لديه إن نابتهم نائبة ... فيواسيهم بماله أو بمقاله ... فيرضون بشكل أو بآخر .
ظل هذا المثل قائماً يضرب ويساق للناس ... حتى جاء خير الناس صلى الله عليه وسلم؛ فضرب أروع الأمثلة في الأمان ... لكل من حوله من البشر ... فقد كان المحور ... لكل من نزلت به نازلة ... زوجاَ كان أو صديقاً أو ولداً أو جاراً أو أياً كان موقعه من المجتمع .
قال البراء بن عازب رضي الله عنه : كُنَّا وَاللَّهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا الَّذِي يُحَاذَى بِه. رواه أحمد.
كان مصدر أمان لأزواجه:
تقول السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها وعن أبيها: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إِبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ، فَرَجَعْتُ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: " يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ ظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ خَاسَ بِكِ؟ - خاس : أي غدر بك - "، قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُولِ سُجُودِكَ. رواه البيهقي في شعب الإيمان.
كان مصدر أمان لجيرانه :
أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ» (رواه مسلم).
كان مصدر أمان للأطفال الصغار :
روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه قال: (ما رَأَيْتُ أَحَدًا كانَ أَرْحَمَ بالعِيَالِ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ).
كان مصدر أمان للحيوان :
روى أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ ، فَدَخَلَ يَوْمًا حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الأَنْصَارِ ، فَإِذَا جَمَلٌ قَدِ أتَاهُ فَجَرْجَرَ ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ - فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ ، فَسَكَنَ ، فَقَالَ : مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ : هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ : أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَهَا اللَّهُ ، إِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ.
يتبع