تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: منهج القرآن الكريم في تربية الشباب المسلم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي منهج القرآن الكريم في تربية الشباب المسلم

    منهج القرآن الكريم في تربية الشباب المسلم (1)

    الفرقان


    إن الشباب في الإسلام هو العطاء وهو الخير وهو البناء، وبغير الإسلام تعاسة وبلاء، فالشباب طاقة يسخرها الإسلام في عمارة الكون، وقد يسخرها الآخرون في إهلاك البشرية، وشباب الإسلام هم عماد الحضارة الحقيقية التي انبثقت من أم القرى، تلك الحضارة التي خرجت للناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
    ولقد أدرك أعداء الإسلام هذا الأثر لشباب الأمة الإسلامية، وأدركوا معه السبب الذين يبلغون به هذا الأثر؛ فوضعوا مخططاتهم، وبذلوا مجهوداتهم للحيلولة دون الشباب؛ فأصبح شباب الإسلام يواجه فتنا متنوعة، تستهدف إضعاف إيمانهم، وإذابة شخصياتهم، فشباب اليوم يواجه تحديات شتى من بينها: مشكلة الانحراف في الدين والخلق والعمل، والتيارات الفكرية الخطيرة، وسيطرة ثقافة الحضارة الغربية العلمانية، وإفشاء الجهل، فضلا عن ذلك خلو المناهج التربوية في أ كثر الدول الإسلامية.
    منهج كامل لتربية الشباب
    لقد وضع الإسلام منهجا متكاملا لتربية الشباب، ولا شك أن أفضل المناهج وأكمل الطرائق في تربية الشباب هو منهج القرآن، وللمساهمة في حل المشكلات التي يواجهها الشباب اليوم وتشخيصا لمرض من أمراض شباب الأمة الإسلامية، ووقوفا على علة من عللها المهلكة الدائمة، ولمعالجة مشكلاتهم، وتلبية حاجاتهم وصونهم من كل انحراف، وإعدادهم إعدادًا سليمًا قويًا في الدين والخلق والسلوك، وتحقيقا عن العلاج الناجح والشفاء العاجل لذلك الداء الخطير، جاء هذا البحث.
    مرادفات التربية ومعانيها في القرآن
    ١- الإصلاح: وهو ضد الفساد قال -تعالى-: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
    ٢- التربية: وهى التطهير قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} أى طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب.
    ٣- التعليم: قال -تعالى-: {وَيعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.
    ٤- التنشئة: قال -تعالى-: {أَوَمَن ينَشَّأُ فِي الحِليَةِ وَهُوَ فِي الخِْصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.
    ثانيًا: أهمية التربية وأهدافها
    لا ريب أن مسؤولية التربية من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الوالدين والمربين في حياتهم التي رسمها لهم الإسلام؛ فالقرآن جاء لإنشاء أمة متكاملة تستهدي بنوره، وتنطلق لتنظيم شؤونها وإصلاح أوضاعها، لتتربّى الأفكار والعواطف والمواقف على أساس القواعد الكلية التي حدّدها الشارع الحكيم؛ لتكون الروابط إسلامية والأخلاق سامية؛ فإن حاجة الإنسان إلى التربية القرآنية لا تقل عن حاجته إلى الطعام والشراب.
    التربية ليست مجرد أوامر ونواهٍ
    والتربية ليست مجرد أوامر ونواهٍ تلقّن أو تصدر للإنسان فيستجيب لها، وإنما هي عملية تغيير للمحتوى الداخلي للإنسان، وصياغة جديدة لأفكاره وعواطفه وممارساته، لذا يجب أن يكون القرآن هو المصدر الأساسي للتربية الذي يستمد منه المجتمع فكره التربوي، وأهدافه التربوية قال -تعالى-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَاتَتَّبِعُو ا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
    أهمية التربية الإسلامية وقيمتها
    من هنا تتجلى أهمية التربية الإسلامية وقيمتها ويظهر ذلك من خلال النقاط الآتية:
    ١- إن التربية الإسلامية تنظم حياة الإنسان مع الله -عز وجل.
    2- إنها تحقق السعادة للإنسان في الدارين.
    ٣- التربية الإسلامية تنظم حياة المسلم مع مجتمعه الذي يعيش فيه.
    ٤- التربية الإسلامية تعمل على تقوية الروابط بين المسلمين ودعم قضاياهم والتضامن معهم.
    ٥- التربية الإسلامية تهتم بمقومات الإنسان الجسمية والعقلية والنفسية والوجدانية، وتسعى إلى تحقيق التوازن التام بين كل هذه المقومات.
    ٦- التربية الإسلامية تقوم على جانبين المادي والروحي للإنسان دون الاقتصار على جانب واحد منها فقط.
    أهداف التربية الإسلامية
    للتربية الإسلامية أهداف سامية تدور على نوعين:
    ١- الهدف الخاص للتربية.
    ٢- الهدف العام للتربية.
    (1) الهدف الخاص للتربية الإسلامية
    هو التقرب لله -سبحانه وتعالى- والاستعداد للحياة الأخروية؛ فهو يتمثل في تحقيق معنى العبودية لله -تعالى- وهي اسم جامع لكل ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهى لا تقتصر على مجرد أداء مناسك وشعائر خاصة؛ فالهدف الأساسي لوجود الإنسان في الأرض هو عبادة الله، والخضوع له، والتزام بأوامر الله وكفه عن نواهيه، وهذا هو الهدف الخاص الذي تعمل التربية الإسلامية على تحقيقه.
    (2) الهدف العام للتربية الإسلامية
    أما الهدف العام للتربية الإسلامية فيتطلب تحقيق أهداف كثيرة منها:
    - غرس العقيدة الصحيحة في أفراد المجتمع المسلم؛ لإعداد الفرد الصالح الذي يعبد الله -سبحانه وتعالى- على بصيرة وهدى.
    - تحلية المجتمع المسلم بالأخلاق الحميدة؛ للقيام بمهمة الدعوة إلى الله -تعالى-، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    - تنمية روابط الأُخوَّة الإيمانية الصادقة والشعور الجماعي بين أبناء الأمة المسلمة؛ حتى يرتبط الأخ بإخوانه ويهتم بقضاياهم وهمومهم؛ وذلك يرسخ لدى الفرد الشعور بالانتماء إلى مجتمعه.
    - جعْل الفرد عضوا نافعا للمجتمع، وذلك بحسن التوجيه وحسن الحوار مع أفراد الأمة المسلمة، ومعالجة مشكلاتهم النفسية والعاطفيًّة.
    - تكوين الفرد السليم عقليًّا وجسميًّا، لكى يستطيع القيام بدوره وواجبه في عمارة الأرض واستثمار بركاتها وخيراتها، وذلك بالقيام بأعباء الاستخلاف في الأرض ومهامه، التي جعله الله خليفته فيها.
    ثالثًا: ميزات التربية القرآنية وسماتها
    تمتاز التربية القرآنية بالميزات والسمات التالية:
    ١- ربانية المصدر
    تمتازالتربية القرآنية عن غيرها؛ فهي ربانية المصدر، تستمد من القرآن الكريم؛ فجميع ما يوجه ويضبط السلوك الإنسانى، ويحدد التعاملات والعلاقات فيما بينهم ومعايير القبول والرفض مصدره الرب -سبحانه وتعالى-، وهذه الميزة تتميز بها التربية القرآنية عن التربيات الأخرى التي مصدرها بشري.
    ٢- تربية تكاملية شاملة
    اهتمت التربية القرآنية بالإنسان؛ من حيث أصل خلقته ومشاعره واتجاهاته؛ فهي تهتم بالجسد والعقل كما عنت الجانب الروحي عناية خاصة؛ فهى لا تقتصر على جانب واحد منهما؛ فالتربية القرآنية تدعو إلى الاهتمام بالجسد ونظافته والعناية به، وتأمر العقل بالتفكر والتدبر؛ فقد ركز القرآن الكريم على ذلك فعلق الفلاح على تزكيتها وعلق الخسران على تركها قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، بينما قد أغفلته التربيات الأخرى.
    ٣- تربية عملية
    تؤكد التربية القرآنية على التوازن بين النواحي النظرية والعملية وحث القرآن على الجانب العملي في حياة الفرد والمجتمع وشجع عليه وبين أن الإيمان مرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل، وبين أن الإنسان يجزى بما عمل قال -تعالى-: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرَُى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَْزَاءَ الْأَوْفَى}.
    ٤- تربية فردية وجماعية معا
    تدعو التربية الإسلامية إلى إعداد الفرد إعدادا إيجابيا، وتعده مسؤولا عن حياته وتصرفاته، وتمنحه الحرية الكاملة في كل الأمور، وهي مع ذلك تدعو الفرد ليكون اجتماعيا متفاعلا ومؤثرا في المجتمع الذي يعيش فيه؛ فكما أن الإنسان مسؤول عن نفسه، فهو مطالب بالانتماء إلى الجماعة والتفاعل معها تفاعلا إيجابيا.
    ٥- تربية مستمرة وأبدية
    التربية القرآنية ليست محدودة بفترة زمنية، ولا تنتهي بمراحل دراسية معينة؛ لأن القرآن صالح لكل زمان ومكان؛ فالإنسان مهما تعلَّم وتطوَّر ووصل إلى مراتب علمية عالية، يظل محتاجا إليها في كل مراحل حياته، ومن ثم فالتربية القرآنية مستمرة ومتتابعة لا يستغنى عنها.
    ٦- تربية متدرجة
    أنزل القرآن الكريم بحسب الأحداث والوقائع، ولم ينزل دفعة واحدة، ليضع الحلول المناسبة، ويعالج المشكلات كلما حدثت ووقعت، وتدرجت تربية القرآن الكريم للأمة؛ فلم تطالب الناس بالأحكام الشرعية دفعة واحدة، بل راعت فيها التدرج بحسب قدرات الإنسان.
    ٧- الرقابة الذاتية على عمل الإنسان
    التربية الإسلامية تنمي في الإنسان الرقابة الذاتية على عمله، فتجعله يشعر برقابة الله -عزوجل- شعورا يمنعه من الانحراف في السر والعلن، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنعَْلَمُ مَا توَسْوِسُ بِهِ نفَْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، فالمسلم الذي يربَّى تربية إسلامية ملتزم سلوكيا وأخلاقيا في كل حين؛ لأنه يعلم أن الله يراقبه ومطلع على أعماله.
    ٨- تربية متطورة
    التربية القرآنية تقوم على قيم عالية ومبادئ سامية وثابتة، ولكنها في الوقت نفسه ليست جامدة، بل متطورة ومتجددة؛ فهى مبنية على قول: «الحكمة ضالة المؤمن»، وهو أحق الناس بها، والتربية الإسلامية قادرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة المعاصرة؛ فهي تدعو إلى الاستفادة من كل ما يخدم هذا الدين ويفيد المسلمين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: منهج القرآن الكريم في تربية الشباب المسلم

    منهج القرآن الكريم في تربية الشباب المسلم (2)
    لماذا اهتم القرآن الكريم بالشباب؟


    الفرقان

    ما زال حديثنا مستمرا عن منهج القرآن في تربية الشباب، وكنا قد ذكرنا في الحلقة الماضية أن الإسلام وضع منهجًا متكاملا لتربية الشباب، وقلنا: إنَّ أفضل المناهج وأكمل الطرائق في تربيتهم هو منهج القرآن، ثم ذكرنا أهمية التربية الإسلامية وقيمتها وأهدافها، وميزات التربية القرآنية وسماتها، وذكرنا من تلك السمات أنها ربانية المصدر، وأنها تربية تكاملية شاملة، وأنها تربية عملية، وأنها تربية فردية وجماعية معا، وتربية مستمرة وأبدية ومتدرجة، وأنها تربية متطورة، واليوم نكمل ما بدأناه بالحديث عن أهمية الشباب في المجتمع.
    أهمية الشباب في المجتمع ومكانته
    في الحقيقة إن الشباب هو سن الهمم المتوثبة والدماء الفائرة والآمال العريضة، وسن العطاء والبذل والفداء، وسن التلقي والتأثر والانفعال؛ فالشباب رمز للقوة والبأس والحيوية والنشاط، ومن حقائق الحياة الثابتة أن فترة الشباب تعد الفترة التي تبلغ فيها ملكات الإنسان وطاقاته الجسدية والعقلية والفكرية والمعنوية أقصى مستوى لها من النمو والاستعمال؛ فهي الفترة التي يغرز فيها العقل إمكاناته الإبداعية في أحسن صورها؛ فالشباب هو القطاع المعتمد لدى كل الاتجاهات ذات الإستراتيجية التغييرية، ومن هنا نجد القرآن الكريم اهتم بهذه الفترة التي تبلغ فيها قدرات الإنسان أقصاها، ويصبح فيه مؤهلا لتولي أقصى المسؤوليات، وتلقي أشد الواجبات، وكثير من الأنبياء نزلت عليهم الرسالة عندما بلغوا أشدهم.
    ماء للإسلام وا

    والإسلام حين يحرص على الشباب في تحقيق أهدافه فليس لكونه الجيل الذي لديه الصفات والمواصفات التجريدية فحسب وإنما يفرض -فوق ذلك- أن تتحقق في ذلك الجيل صفة الانتماء للإسلام، والالتزام بمبادئه، أي أن يكون جيلا مسلما؛ لأن الشباب الحق هو الملتزم بالإسلام.
    الشريحة الأكثر أهمية وتأثيرًا
    الشباب هم الشريحة الأكثر أهمية وتأثيرا في أي مجتمع؛ فإنهم عماد المستقبل ووسيلة التنمية وغايتها، وفي صلاح الشباب صلاح للأمة، وفي فسادهم فساد لها إلا ما شاء الله -تعالى-؛ لأنهم هم القوة المتحركة في المجتمع، فالشباب يسهمون بدور فاعل في تشكيل ملامح الحاضر واستشراف آفاق المستقبل، والمجتمع لا يكون قويا إلا بشبابه؛ ولذلك فإن الأمم والشعوب تراهن على الشباب في بناء المستقبل؛ لإدراكها بأن الشباب هم العنصر الأساسي في تحويل الأمة وترقيتها، وعندما يكون الشباب معدا إعدادا سليما وواعياً ومسلحاً بالعلم والمعرفة فإنه سوف يصبح أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحاضر وأكثر استعدادا لخوض غمار المستقبل.
    تقدير النبي - صلى الله عليه وسلم - للشباب
    وقد قدر الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب حق قدره، وأبرز قيمته، وأعلى شأنه، كنصيحته- صلى الله عليه وسلم - للمسلم: «أن يغتنم المسلم من شبابه قبل شيخوخته». وأنه ذكر من بين سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شابا نشأ في طاعة الله.
    الدور الأكبر والحاسم
    وخلال تاريخ رسالات الله للبشر منذ عهد آدم حتى عهد محمد - صلى الله عليه وسلم - كان الشباب هو الذي اضطلع بالدور الأكبر والحاسم في إعلاء كلمة الله وشريعته، فذكر الله -عزوجل- في القرآن الكريم قصصا كثيرة تخص الشباب وذلك لأهميتهم، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعتمد على الشباب فى نشر الدعوة فى بدايتها بمكة؛ حيث أقام الدعوة فى دار أحد الشباب وهو ابن الأرقم، ولا شك أن الدعوة تعتمد على العلم ونقل الوحي، فكان الشباب في ذاك الوقت هم نقلة هذا العلم إلى الناس.
    وكان - صلى الله عليه وسلم - يوجه إرشاداته وتعليماته للشباب كما يعتمد - صلى الله عليه وسلم - على الشباب ويسند إليهم المناصب والمسؤوليات الكبيرة،وهذا دليل على أن الشباب لهم الدور الأساسي في مسيره الرسالة الخالدة.
    قيمة ومكانة لا يستهان بها
    فالشباب في الإسلام له قيمة ومكانة لا يستهان بها؛ لأن الشباب طاقة الأمة، إذا ضيعت فقدت مقوماتها، وإذا حفظت بقيت للأمة مقوماتها وقوتها ومكانتها ومهابتها، ومن هنا يجب العناية بالشباب، سواء من ناحية آبائهم، أم من ناحية المسؤولين، أم من ناحية عموم المجتمع، فيجب أن يتعاون المجتمع على توجيه الشباب نحو الخير، كل على حسب مسؤوليته.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: منهج القرآن الكريم في تربية الشباب المسلم

    منهج القرآن الكريم في تربية الشباب المسلم (3)
    أساليب التربية القرآنية


    الفرقان

    ما زال حديثنا مستمرا مع منهج القرآن في تربية الشباب، وكنا قد ذكرنا أن الإسلام وضع منهجًا متكاملا لتربية الشباب، وقلنا: إنَّ أفضل المناهج وأكمل الطرائق في تربيتهم هو منهج القرآن، ثم ذكرنا في الحلقة الماضية لماذا اهتم القرآن الكريم بالشباب؟ وكيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقدر الشباب، واليوم نتكلم عن أساليب التربية القرآنية.
    عندما نمعن النظر في القرآن الكريم نجد الأساليب التربوية كثيرة ومتعددة الأنماط، وتراعي أحوال الفئات المستهدفة وإمكانياتهم وقدراتهم العلمية والاستيعابية، ولها تأثير كبير في تربية الشباب وهي: (التربية بالقدوة، والتربية بالموعظة، والتربية بالقصة الواقعية الهادفة، والتربية بالملاحظة، والتربية بالعقوبة).
    (1) التربية بالقدوة
    لا شك أن القدوة هي أفضل الوسائل المؤثرة في تربية الشباب، وقد جعل الله -تعالى- المنهج السليم القويم في الاقتداء بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليسير الشباب على هدى؛ حيث قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يرَجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، وكان - صلى الله عليه وسلم - مربياً وهادياً وأكبر قدوة للبشرية في العالم، فينبغي أن نقدم قدوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أمام الشباب ليسيروا على نهجه في جميع أمور حياته.
    (2) التربية بالموعظة
    الموعظة البليغة لها أثر تربوي في نفوس الشباب، وهي وسيلة مؤثرة في تكوين شخصية الشاب المسلم؛ لأن الهدف من الموعظة أن يصل المربي بمن يعظه إلى الخشية الحقيقية من الله -تعالى-، وأن يتذكر أمور الآخرة كأنها رأى العين، وهكذا كانت موعظة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم .
    لاريب أن الموعظة الحسنة والنصيحة المؤثرة، إذا وجدت لها نفساً صافية، وعقلاً سليما وقلباً متفتحاً، فإنها أبلغ في التأثير وأسرع للاستجابة. والقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تتخذ أسلوب الوعظ أساساً لمنهج الدعوة، وطريقاً للوصول لإصلاح الناس وهدايتهم؛ فالقرآن كله مواعظ للمتقين، كما قال -تعالى-: {هَذَا بيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}.
    (3) التربية بالقصة
    وللقصة دور كبير في تحريك العقول للتفكر، والوصول إلى الحقيقة وتجسيدها في ممارسات ومواقف عملية، فمن وسائل التربية المؤثرة في تكوين شخصيه الشاب، تربيته بالقصص الهادفة، وهي من أهم وسائل التربية؛ لأن النفس البشرية تميل إلى الأسلوب القصصي، والقرآن يستخدم القصة لجميع أنواع التربية والتوجيه، التي يشملها منهجه التربوي، أى تربية العقل والجسم والروح، ولترسيخ المعاني الإيمانية وغرس الفضائل في نفوس الشباب ذكر الله -تعالى- كثيراً من القصص في القرآن الكريم من أجل تربية الناس.قال الله -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
    (4) التربية بالمراقبة
    القرآن الكريم حث الوالدين والمربين علي مراقبة أبنائهم من جميع الجوانب، والمقصود بالمراقبة ملاحظة تصرفاتهم، قال -سبحانه-: {يَا أَيها الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيفعَلُونَ مَا يؤمَرُونَ}.
    ولا يمكن أن يقي الوالدان أولادهم جهنم، إذا لم يأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، فمن واجبات الوالدين والمربين إذا رأوا من أبنائهم منكراً نهوهم عنه، وإذا فعلوا معروفاً شكروهم عليه، وإذا أهملوا حقا من حقوق الله، أرشدوهم إليه، وإذا قصروا في واجب نصحوهم.لا شك أن هذه الوسيلة من التربية تعد من أقوي الأسس في إعداد الشاب المتوازن، الذي يستطيع أن يقوم بمسؤولياته نحو مجتمعة علي الوجه التام.
    (5) التربية بالعقوبة
    حين لا تفلح التربية بالقدوة ولا بالموعظة، فلا بد من علاج حاسم يضع الأمور في وضعها الصحيح، والعلاج الحاسم هو العقوبة، إن العقوبة ليست ضرورة لكل شخص، فقد يستغني شخص بالقدوة، وبالموعظة، فلا يحتاج في حياته كلها إلى عقاب، ولكن الناس ليسوا سواء في ذلك، ففيهم من يحتاج إلى العقاب مرة، أو مرات عديدة، وليست العقوبة هي أول ما يأتي على عقل المربي ولكن الموعظة هي الأصل مع الصبر الجميل، لعل هذا الشاب يعود إلى صوابه.
    الإسلام يستخدم التخويف والترهيب بدرجاته، من أول التهديد إلى التنفيذ. فإذا رأى الوالد أن ولده قد صلح حاله بعد العقوبة، واستقام سلوكه، فعليه أن يتلطف معه ويوضح له أنه ما قصد من العقوبة إلا مصلحته في الدنيا والآخرة.
    جوانب التربية الإسلامية في القرآن
    لقد ذكر الله -تعالى- في كتابه الحكيم أمثلة الشباب الذين تربوا على منهج القرآن؛ فكانوا مشاعل ضياء في مجتمعاتهم، والقدوة الكريمة التي يقتدى بها، ويعطينا القرآن الكريم أمثله عملية في تربية الشباب؛ فنرى عرض القرآن الكريم البليغ الممتلئ بالإشارات والتوجيهات من هذه القصص الرائعة.
    1- قصة سيدنا لقمان الحكيم
    يعرض علينا القرآن صورة جذابة رائعة موقف الأب وهو لقمان الذي ينصح ابنه ويرشده ويهديه، قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} إلى قوله: {.... وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، فهذه وصية جامعة اشتملت على العقيدة والسلوك والعمل، فيها التنزه عن الإشراك بالله والثقة بكمال قدرته وعلمه. والأمر بإقامة الصلاة تحقيقا للصلة بين العبد وربه، والشكر لله وللوالدين والإحسان لهم، وفيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يصيب الإنسان في ماله أو نفسه أو ولده، والقصد في المشي؛ بحيث يكون الإنسان معتدلا في سيره وسلوكه، وعدم التعنت في معاملة الناس، وعدم الكبر والخيلاء، وعدم رفع الصوت وإزعاج الناس، وهذه صورة جامعة من التأديب والتهذيب يعرضها القرآن ليحث الشباب على الاقتداء بها، ولتكون للآباء نموذجا ومثالا يحتذونه.
    ٢- قصة يوسف بن يعقوب عليهما السلام
    إن شخصية الصديق يوسف -عليه السلام- تُعد مثلاً تربويا وأنموذجًا رائعًا للشاب المسلم الصابر أمام الشهوات، والمترفع عن إغراءات الشيطان في مختلف شؤون حياته، تربى يوسف نبى الله -عليه السلام- في بيت عزيز مصر، حتى إذا أصبح شاباً يافعاً ابتلاه الله -تعالى- بامرأة العزيز في مجتمع اعتاد على الرذيلة، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً؛ فاستعان بالله عليها، ورد الله كيدها، وعصم الله -تعالى- يوسف الصديق من الفتن. يقول الله -تعالى- عن يوسف -عليه السلام-: {وَلَمَّا بلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ومن خلال هذه القصة التربوية الرائعة -التي وصفها القرآن الكريم بأنها أحسن القصص- نستنبط العديد من الدروس والعبر والعظات، كما نرى جوانب إيجابية وأُخرى سلبية في حياة الإنسان وأخلاقه وتصرفاته.
    ٣- قصة إبراهيم عليه السلام
    صورة أخرى يتغير فيها موقف الأب والابن، فيكون الابن هو الذي ينصح أباه، ونرى فيها مناشدة قوية مهذبة رائعة؛ فنبي الله إبراهيم -عليه السلام- فتى في ريعان الشباب، يحطم الأصنام ويجادل من يعبدونها، ومن بينهم أبوه ءازَرَ بأسلوب حكيم، قال -تعالى-: {وَاذكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا، إلى قوله يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}، إن هذه المناشدة تقوم على أساس متين من الإيمان العميق والأدب العالي ومن القوة الخلقية، وكل جملة من جملها تحمل توجيها قويا ومعاني شريفة، وهذا مثال رائع وأسلوب حكيم في الدعوة إلى الله.
    ٤- قصة فتية أهل الكهف
    إنها صورة فتية الكهف، الذين ذكرهم الله -تعالى- في محكم تنزيله، وربط على قلوبهم بالعزيمة الصادقة التي لا تتزلزل ولا يضعف أصحابها، بل جعلهم الله قدوة ونبراساً لمن يعيش في مجتمعٍ يموجُ بالعقيدة الباطلة والمعاصي والذنوب. يقول -سبحانه-: {نَحْنُ نقَصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُمْ بِالحَقِّ إِنهَمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبهمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، الذين آمنوا بربهم واعتزلوا أهل الباطل، وتركوا بيوتهم وفضلوا عليها سكنى الجبال والكهوف، تلك أوصاف فتية الكهف الذين صور الله لنا أمرهم بهذه الصورة الرائعة، من اعتناق القيم والإيمان بالمثل، فهذه القصص هي اللبنة القوية الصالحة التى يقوم عليها المجتمع الصالح، وبهم تكون قوة الأمة وعزيمتها، ويكون صلاح أمر الإسلام.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •