اختلاف العلماء في تفسير قوله تعالى: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}[البقرة:27]،
جاء في تفسير(الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية) : الجزء الأول، للمؤلف: عبدالله خضر حمد

واختلفوا في تفسير قوله : {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}[البقرة:27]، على وجوه:
أحدها: أنَّه الرحمُ والقرابةُ ، وهو قول قتادة([1])، والسدي([2]).
قال الواحدي:" يعني الأرحام، وذلك أنّ قريشاً قطعوا رحم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمعاداة معه"([3]).
قال أبو حيان:" وهذا يدل على أنه أراد كفار قريش ومن أشبههم"([4]).
عن قتادة -من طريق سعيد- في قوله: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل}، قال:" فقطع والله ما أمر الله به أن يوصل بقطيعة الرحم والقرابة"([5]). وفي رواية:"الرَّحِم، والقَرابَة"([6]).
عن السُّدِّيّ -من طريق أسباط-: {ويقطعون ما أمر الله به أن يُوصَل} من الأرحام"([7]).
وقد رحجه االطبري قائلا: " والذي رَغب اللهُ في وَصْله وذمّ على قطعه في هذه الآية: الرحم. وقد بين ذلك في كتابه، فقال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}[سورة محمد : 22]، وإنما عَنى بالرّحم، أهل الرّحم الذين جمعتهم وإياه رَحِمُ والدة واحدة، وقطعُ ذلك: ظلمه في ترك أداء ما ألزم الله من حقوقها، وأوجبَ من بِرِّها، وَوَصْلُها: أداءُ الواجب لها إليها من حقوق الله التي أوجبَ لها، والتعطفُ عليها بما يحقُّ التعطف به عليها"([8]).
الثاني: أمر الله أن يوصل بالعمل فقطعوا بينهما، قالوا: ولم يعملوا، يشير إلى أنها نزلت في المنافقين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. حكاه أبو حيان([9]).
الثالث: حكي أنه كانت بين اليهود والعرب قرابة من وجه، لأن العرب كانت من أولاد إسماعيل واليهود من أولاد إسحاق، فإذا لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد قطعوا ذلك الرحم الذي كان بينهم. حكاه أبو الليث السمرقندي([10]).
الرابع: أنه التصديق بالأنبياء، أمروا بوصله فقطعوه بتكذيب بعض وتصديق بعض، لأنهم قالوا: {نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَنَكفُرُ بِبَعضٍ} [النساء: 150]، فقطعوا رسوله بالتكذيب والعصيان، وهذا قول ابن عباس([11])، والحسن([12])، ومقاتل بن حيان([13])، ومقاتل بن سليمان([14]). وبه قال البغوي([15]).
روى الضحاك وعطاء، عن ابن عباس، أنه قال: "إنهم أمروا أن يؤمنوا بجميع الأنبياء فآمنوا ببعضهم ولم يؤمنوا ببعضهم، فهذا معنى قوله: *{وَيَقْطَعُونَ *مَا *أَمَرَ *اللَّهُ *بِهِ *أَنْ *يُوصَلَ}"([16]).
عن الحسن :" أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطعوه بالتكذيب والعصيان"([17]).
عن مقاتل بن حَيّان -من طريق بُكَيْر بن معروف- قوله: "{ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} في محمد - صلى الله عليه وسلم -، والنبيين والمرسلين من قبله، أن يؤمنوا جميعًا، ولا يُفَرِّقوا بين أحد منهم"([18]).
قال مقاتل بن سليمان:"{الَّذِي َ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ ويَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ} من إيمانٍ بمحمد - صلى الله عليه وسلم –"([19]).
الخامس: أنه على العموم في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل. به قال القرطبي([20])، وأبو حيان([21])، والألوسي([22]).
قال القرطبي:" وقيل: الإشارة إلى دين الله وعبادته في الأرض، وإقامة شرائعه وحفظ حدوده. فهي عامة في كل ما أمر الله تعالى به أن يوصل. *هذا *قول *الجمهور، *و(الرحم) *جزء *من *هذا "([23]).
والظاهر أن الأمر شامل لجميع ما ذكر، أي: يقطعون كل ما أمر الله به أن يوصل، كالأرحام، ونصرة الرسل، ونصرة الحق، والدفاع عن الحق..([24])، *لأن *فيه *حمل *اللفظ *على *مدلوله *من *العموم، ولا دليل واضح على الخصوص([25]).


([1]) انظر: تفسير الطبري(574):ص1/416.

([2]) انظر: تفسير ابن أبي حاتم(293):ص1/72.

([3]) التفسير البسيط: 2/287.

([4]) البحر المحيط: 1/206.

([5]) أخرجه الطبري(574):ص1/416.

([6])عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.

([7]) أخرجه ابن أبي حاتم(293):ص1/72.

([8]) تفسير الطبري: 1/415.

([9]) انظر: البحر المحيط: 1/206.

([10]) انظر: بحر العلوم: 1/38.

([11]) بحر العلوم"تفسير السمرقندي":1/38، والتفسير البسيط للواحدي: 2/287.

([12]) انظر: النكت والعيون: 1/90، وتفسير البحر المحيط: 1/206، وروح المعاني: 1/213.

([13]) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم(294):ص1/72.

([14])تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 95.

([15]) انظر: تفسير البغوي:1/77، و4/314.

([16]) بحر العلوم"تفسير السمرقندي":1/38. ، والتفسير البسيط للواحدي: 2/287.
وعلق عليه الواحدي، قائلا:" وهذا الوجه هو قول ابن عباس ذكره في الآية التي في (الرعد)، وقال: المؤمن لا يفرق [بين أحد من رسله فوصلوا".
قوله:" الآية التي في (الرعد)، ":هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ *وَيَقْطَعُونَ *مَا *أَمَرَ *اللَّهُ *بِهِ *أَنْ *يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
ولم أجد أحدًا - فيما عندي من المصادر- ذكرها في سورة الرعد، الظر: "الطبري" 13/ 139 - 140، وقد ذكر الثعلبي:3/191، والبغوي 1/ 77، كلام ابن عباس بمعناه ولم ينسباه.

([17])النكت والعيون: 1/90، وتفسير البحر المحيط: 1/206.
قال أبو حيان:" وفيه ضعف، إذ لو كان كما قال لكان (من) مكان {ما}".

([18])أخرجه ابن أبي حاتم(294):ص1/72.

([19])تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 95.

([20]) انظر: تفسير القرطبس: 1/247.

([21]) انظر: البحر المحيط: 1/206.

([22]) انظر: روح المعاني: 1/213. حيث قال: " ولعل هذا هو الأوجه *لأن *فيه *حمل *اللفظ *على *مدلوله *من *العموم ولا دليل واضح على الخصوص. ورجح بعضهم ما قبله بأن الظاهر- أن هذا توصيف للفاسقين بأنهم يضيعون حق الخلق بعد وصفهم بتضييع حق الحق سبحانه، وتضييع حقه بنقض عهده وحق خلقه بتقطيع أرحامهم- وليس بالقوي".

([23]) انظر: تفسير القرطبس: 1/247.

([24]) انظر: تفسير العثيمين، الفاتحة والبقرة:102.

([25]) انظر: البحر المحيط: 1/206.


------------
المصدر:(الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية) : الجزء الأول، للمؤلف: عبدالله خضر حمد