الفروق الدلالية (مفهومها)
د. عصام فاروق



أورد الإمام ابنُ فارس في معجمه الماتع (مقاييس اللغة) أن الفاء والراء والقاف أُصَيل صحيحٌ يدل على تمييزٍ وتزييل بين شيئين، مِن ذلك الفَرْق: فرق الشَّعر، يقال: فَرَقته فَرْقًا[2].

وللفروق في علوم اللغة مفهوم معينٌ؛ حيث يتشكَّل من وصف هذه الكلمة بـ(اللغوية)، فهناك العديد من عناوين الكتب التي تعالج هذه الظاهرة تحت اسم (الفروق اللغوية)، أو وصفها بـ(الدلالية)، وإن كنتُ أُؤْثِر هذه التسميةَ الأخيرة؛ لكون النصيب الأكبر من هذه الفروق ينصبُّ على الجانب الدلالي.

وأعني بالفروق الدلالية المعانيَ الدقيقة التي تُميِّز لفظةً عن أخرى، مع اشتراكهما في معنى عام يجمعهما.
ويدخل تحت هذا الإطار أيضًا ما أطلَق كثيرٌ من القدماء عليه اسم (الفَرْق)، كما يدخل ضمنه ما أطلق عليه بعض المحدَثين (شبه الترادفnear synonymy)[3]، و(التقارب الدلالي semantic relation)[4].

وتَنبُعُ فكرة الفروق الدلالية من رفضِ الترادف التام في اللغة، فالألفاظُ المفرَّق بينها وإن كانت قريبة في المعنى العام الذي يشمَلها، فإن في كلٍّ منها معنًى خاصًّا يميزها عن غيرها، وإغفال هذا المعنى عند الاستعمال لا يَنفي وجودَه عند الخبير بدقائق الألفاظ ودلالاتها.


[1] د. عصام فاروق/ أستاذ مساعد (مشارك) ورئيس قسم أصول اللغة بكلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان - جامعة الأزهر.

[2] مقاييس اللغة مادة (ف. ر.ق)، وينظر: تاج اللغة وصحاح العربية، ولسان العرب وغيرهما من المعاجم المادة نفسها.

[3] يُقصد به أن: يتقارب اللفظان تقاربًا شديدًا لدرجة يصعُب معها - بالنسبة لغير المتخصص- التفريق بينهما، ولذا يستعملهما الكثيرون دون تحفُّظ، مع إغفال هذا الفرق، ويمكن التمثيل لهذا النوع في العربية بكلمات؛ مثل: عام- سنة- حول، وقد وردت ثلاثتها في القرآن الكريم، بما هو قمة الفصاحة العربية.

[4] ويتحقق ذلك حين تتقارب المعاني، لكن يختلف كل لفظ عن الآخر بملمح مهم واحدٍ على الأقل، ويمكن التمثيل له في العربية بكلمتي (حلم) و(رؤيا)، وهما من الكلمات القرآنية؛ حيث اقتصر استعمال الأولى على معنى الأضغاث المشوشة، والهواجس المختلطة، والثانية على معنى الرؤيا الصادقة؛ ينظر: علم الدلالة (220، 221)؛ د.أحمد مختار عمر، عالم الكتب، ط خامسة 1998م.