بسم الله الرحمن الرحيم


وقفة تدبر:


من المعلوم أن حواء خلقت من آدم عليه السلام([1])، كما قال جل في علاه وتعالى في سماه:"وخلق منها زوجها"، وأمر عليه السلام أن يدخل الجنة بصحبة زوجه كما قال عز شأنه وعظم سلطانه:" وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا".
ولا ريب أن من حكم خلق حواء استئناس آدم عليه السلام بها وسكونه إليها والتمتع به تمتع الرجل بزوجه، ومن أعلى صور التمتع الجماع.
فحياة آدم وحواء عليهما السلام في الجنة كانت حياة نعيم كما قال تعالى:" { إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى }، ومن تنعم الرجل بزوجه جماعها.


لكن الملاحظ أن القرآن الكريم لم يذكر هذا الجماع حتى أخرج آدم عليه السلام وزوجه من الجنة.
قال تعالى:"هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)"-الأعراف-.

ويكفى للاستدلال على أن هذا الخبر من الله سبحانه إنما هو في حياتهما في دار البلاء لا دار الهناء، أنهما أنزلا من الجنة دون أي ولد كما هو معلوم، فدل على أن هذا الجماع الذي نتج عنه الحمل والولد إنما كان في دار الدنيا وليس في الجنة.


والسؤال الذي يرد:
هل يمكن اعتبار هذا الأمر من أدلة القائلين بأن جنة الخلد هي نفسها الجنة التي أهبط منها آدم عليه السلام([2])، حيث يكون الجماع دون حمل ولا ولد([3])؟
أم أن أمر الجماع([4]) في الجنة دلت عليه النصوص عن طريق الكناية وأن إرادة الله تعالى ألا يكون لهما ولد في الجنة كان لحكم، وأنها جنة أخرى غير جنة الخلد التي وعد الله بها عباده المتقين.

([1] ) المشهور أن حواء خلقت من ضلع آدم عليها السلام، لكن لا دليل ثابت في ذلك. جاء في السلسلة الضعيفة للعلامة الالباني رحمه الله تعالى:" استوصوا بالنساء [خيراً ] ، فان المرأة خلقت من ضلع ..." "قيل : فيه إشارة إلى أن (حواء) خلقت من ضلع آدم الأيسر ... "
قال الشيخ القاري في "شرح المشكاة" (3/460) :
"أي خلقن خلقاً فيه اعوجاج ، فكأنهن خلقن من الأضلاع ، وهو عظم معوج ، واستعير للمعوج صورة ، أو معنى ونظيره في قوله تعالى : {خلق الإنسان من عجل} ".
قلت : وهذا هو الراجح عندي أنه استعارة وتشبيه لا حقيقة ، وذلك لأمرين :
الأول : أنه لم يثبت حديث في خلق حواء من ضلع آدم كما تقدم .
والآخر : أنه جاء الحديث بصيغة التشبيه في رواية عن أبي هريرة بلفظ : "إن
المرأة كالضلع ... "." -اهـــ بتصرف يسير-.


([2] ) في هذا المسألة نقاش طويل بين العلماء ولكل طائفة أدلتها.

([3] ) عدم الحمل والولادة في الجنة قول طائفة من أهل العلم ولهم أدلتهم وقابلهم آخرين بأدلة مضادة.

([4] ) أقصد جماع آدم وحواء عليهما السلام.