"المذهب"
في اصطلاح الفقهاء عامة
وفي اصطلاح المالكية خاصة
د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
يقول د. محمد إبراهيم أحمد علي في كتابه "اصطلاح المذهب عند المالمكية"([1]):
المذهب:
المذهب في اصطلاح الفقهاء:
"حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية"([2]).
وبهذا التعريف يكون مذهب مالك:
"ما ذهب إليه الإمام من الأحكام معتمدة كانت أو لا"([3])
وبتعبير أوضح:
"ما اختص به من الأحكام الشرعية الفروعية الاجتهادية وما اختص به من أسباب الأحكام والشروط والموانع والحجاج المثبتة لها"([4])
وهذا التفسير يضيق دائرة الأقوال والآراء الفقهية التي تندرج تحت مظلة المذهب إذا تخرج به الآراء الفقهية المعزوة إلى تلاميذ مالك، ومن جاء بعدهم من أئمة المذهب.
ومن ثم فقد حرر المتأخرون من العلماء تعريف المذهب بأن:
"المراد بمذهبه: ما قاله هو وأصحابه على طريقته، ونسب إليه مذهبا؛ لكونه يجري على قواعده وأصله الذي بنى عليه مذهبه، وليس المراد ما ذهب إليه وحده دون غيره من أهل مذهبه."([5])........
وحينما سئل أحد علماء المالكية المتأخرين:
"عن اختيارات أصحابنا المتأخرين من الفقهاء كاللخمي وابن بشير وغيرهما هل تحكى أقوالا عن المذهب؟........
فقال:نعم يحكى قول اللخمي وغيره قولا في المذهب كما يحكى قول من تقدم من الفقهاء قولا في المذهب"([6])
وهذا الرأي:
"مبني على سبيل النظر؛ لأنه رأى أن كل جواب بني على أصول مذهب مالك وطريقته فإنه من مذهبه، والمفتي به إنما أفتى على مذهبه، فيصح أن تضاف هذه الأقوال إلى المذهب، وتعد منه"([7])
وإذا كان هذا التعريف يجعل "المذهب" خضما من آراء المالكية وعلمائهم، فإن المتأخرين من أئمة المذهب حصروا "المذهب" على"ما به الفتوى، من إطلاق الشيء على جزئه الأهم، كالحج عرفة، لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه المقلد"([8])
([1]) ص22-25
([2]) مواهب الجليل 1/24
([3]) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 1/23
([4]) الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام للقرافي ص200
([5]) حاشية العدوي على الخرشي ص1/35
([6]) عنوان الدراية ص100 للغبريني.
([7]) عنوان الدراية ص100 للغبريني.
([8]) مواهب الجليل 1/24، حاشية العدوي على الخرشي 1/34، الفواكه الدواني 1/23
*********************
وعقد محمد إبراهيم أحمد علي مبحثا بعنوان:
منهج المالكية في تمحيص الكتب المذهبية:
ونقل فيه عن القرافى في "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام" قوله:
"كان الأصل يقتضي أن لا تجوز الفتيا إلا بما يرويه العدل عن العدل عن المجتهد الذي يقلده المفتي؛ حتى يصح ذلك عند المفتي، كما تصح الأحاديث عند المجتهد، لأنه نقل لدين الله في الوصفين، وغير هذا كان ينبغي أن يحرم، غير أن الناس توسعوا في هذا العصر فصاروا يفتون من كتب يطالعونها من غير رواية، وهو خطر عظيم في الدين، وخروج عن القواعد".([1])
ثم قال د. محمد إبراهيم:
وقف علماء المالكية موقفا صارما من هذا التساهلل في اعتماد الآراء والكتب التي يؤخذ منها "المذهب" وصرحوا بأنه:
"ينبغي أن يحذر بما وقع في زماننا من تشاغل بعض الفقهاء بالفتوى من الكتب الغريبة التي ليست فيها رواية المفتي عن المجتهد بالسند الصحيح، ولا قام مقام ذلك شهرة عظيمة تمنع من التصحيف والتحريف وبلغ بعضهم في التساهل حتى صار إذا وجد حاشية في كتاب أفتى بها، وهذا عدم الدين، وبعد شديد عن القواعد."
هذا هو المنهج المالكي في تمحيص الكتب واعتمادها، أما الكتب التي بعدت عن هذا المنهج فيصرح المالكية فيها بأنه:
"تحرم الفتوى التي بعدت عن هذا المنهج فيصرح المالكية فيها بأنه:
"تحرم الفتوى من الكتب الغريبة التي لم تشتهر، حتى تتظافر عليها الخواطر، ويعلم صحة ما فيها، وكذلك الحديثة التصنيف إذا لم يشتهر عزو ما فيها من النقول إلى الكتب المشهورة، أو يعلم أن مصنفها كان يعتمد هذا النوع من الصحة، وهو موثوق بعدالته."
وباختصار:
لا تنهل الآراء الفقهية
إلا من الكتب المعتمدة
عند علماء المذهب صحة
ووثوقا بمؤلفيها،
وبنسبتها إلى ذلك المؤلف.
بل بلغ من حرص علماء المالكية على الاعتماد على الكتب الصحيحة الموثوق بها أن الإمام الشاطبي "كان لا يأخذ الفقه إلا من كتب الأقدمين ولا يرى لأحد أن ينظر في الكتب المتأخرة.