المعجم والقاموس
أ.د. عبدالحميد النوري عبدالواحد




المعجَم، والجمع: معاجِم أو مُعجمات، مصطلح شائعٌ عند الباحثين والطلاب وعند القُرَّاء عمومًا، ويُفهَم منه هذا السِّفْر الذي يتضمَّن بين دفَّتَيه عددًا هائلًا من الكلمات أو المفردات مرتَّبةً ترتيبًا مُعيَّنًا، وكُلُّ مفردة منتقاة يتبَعُها شرحٌ أو توضيح لمعناها، فضلًا عن كثير من الاستشهادات من آيات قُرآنيَّة وشِعْر وأمثال لُغويَّة؛ لتأكيد ذاك المعنى.

ويُعرِّف بعض المحدَثين المعجم بأنَّه الكتاب الذي يحتوي على شرح الألفاظ اللُّغويَّة وتوضيح معانيها، والمعجم يتفاوت حَجمُه تبعًا للمادَّة المعجميَّة التي يشتمل عليها، وهو أصناف عِدَّة منها القديم، ومنها الحديث، وذلك من نحو العين للخليل، والمقاييس لابن فارس، وتهذيب اللغة للأزهريِّ، وتاج اللغة للجوهريِّ، ولسان العرب لابن منظور، ومنها الوسيط لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، والغنيِّ للغني، ومعجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد مختار عمر ونحوها.

وما نَوَدُّ أن نلفت الانتباه إليه في هذا المضمار أنَّ هذا الاستعمال الدارج في اللغة لا يستجيب لمتطلَّبات البحث العلميِّ؛ ذلك أنَّ اللسانيَّات أو علم اللغة الحديث يفصل بين مفهومين، ألا وهما المعجم باعتباره علمًا قائمًا بذاته، وفرعًا من فروع اللسانيَّات، والمعجم باعتباره الكتاب الذي نلجأ إليه عندما نريد الكشف عن معنى من المعاني.

هذان العِلْمان أو الاختصاصان في اللسانيَّات الحديثة نعبِّر عن الأوَّل منهما بمصطلح lexicon أو lexique ، ونُعبِّر عن الثاني بمصطلح dictionary أو dictionnaire، والفرق بينهما أنَّ الأوَّل يتعلَّق بالجانب النظريِّ للمعجم، في حين يتَعَلَّق الثاني بالجانب التطبيقيِّ له، وبِناءً عليه تَرجَم بعض اللُّغويِّين المحدثين، وبكثير من الوجاهة، المصطلح الأوَّل بالمعجم، وترجم الثاني بالقاموس أو الصناعة المعجميَّة.

والدليل على مدى صدق هذين المصطلحين في اللسانيَّات الحديثة، انتماء الأوَّل إلى مصطلح آخر شائع هو lexiogy أو lexiogie، وانتماء الثاني إلى lexicography أو lexicographie الأمر الذي دعا إلى ترجمة هذين المصطلحين في العربيَّة، مثلما أشرنا إلى هذا بالمعجمية والقاموسيَّة.

ويتعلَّق مصطلح المعجميَّة بالمعالجة النظريَّة للمعجم وللوحدات المعجميَّة في تعبيرها عن الدلالات المختلفة، والتعدُّد الدلالي، والتطوُّر الدلالي والانزياح الدلالي، والدلالة الحقيقية والمجازية، ودِقَّة التعبير عن الدلالات والالتباس الدلالي، والمشترك اللفظي، والترادُف، والأضداد، وعلاقة الدلالة بالسياق وغيرها، وكُلُّها مباحث تصُبُّ في مجال الدلالة للكلمات المفردة أو للكلمات في ائتلافها فيما بينها.

وأمَّا بشأن مصطلح القاموسية، فهو يتعلَّق بالجوانب التطبيقية التي تهمُّ القاموس، سواء فيما يتعلق بانتقاء وحداته المعجميَّة أو ترتيبها، وترتيب المداخل المعجميَّة، أو فيما يتعلَّق بقضيَّة الشرح، والنظر إلى ما يمكن أن يتضمَّنَه القاموس وما لا يتضمَّنه، هذا فضلًا عن شكل القاموس وهيئته التجارية وطباعته ونشره، وانتقاء الورق لصناعته، وشكل طباعته، وحجمه، وتحديد سعره، وكل ما يتعَلَّق ببيعه وترويجه.

لهذا كان لزامًا، ومن باب التدقيق، ضبط المفاهيم وضبط المصطلحات، بغضِّ النظر عن مصير هذين المصطلحين المشار إليهما، واللذين اجتهد الأستاذ عبدالقادر الفاسي الفهري في ضبطهما، والمهمُّ ليس قبول هذين المصطلحين أو رفضهما، ولكنَّ المهمَّ التمييز بشكل واضح بين المفهومين، وبين العِلْمين الذين ينتميان إليهما.

إنَّ ما شاع في القديم وفي كثير من الحديث بشأن المعاجم وتأليف القواميس، وجمع العدد الهائل من المفردات، وتعريف أو شرح هذه المفردات، واعتماد هذه القواميس على أن يأخذ اللاحق منها عن السابق، أو أن يأخذ الأخير عن الأوَّل، ما يجعل المادة المعجمية في هذه القواميس لا تأخذ بعين الاعتبار لغة العصر، ولا الْمُحدث ولا التغيُّرات أو الانزياحات التي تشهدها الوحدات المعجمية ودلالاتها، وتصبح القواميس يحاكي بعضُها بعضًا، وتجترُّ المادة المعجمية نفسها تقريبًا، مع بعض التغييرات والتعديلات الطفيفة.

إن القواميس العربية القديمة منها والحديثة لم تخرج ولا تخرج عن دائرة ما عُرِف بالتأليف المعجمي عن جمع أكبر عدد ممكن من الألفاظ، بما فيها الحوشي والغريب وقليل الاستعمال، وأهملت في المقابل الدرس المعجمي النظري الذي لا نجد له إلَّا بعض الإشارات القليلة العابرة التي ترد في غضون مُقدِّمات هذه القواميس.

والملاحظ أنَّ من المسائل النظرية المعجمية الهامَّة التي غابت عن مُعجميينا الكبار - تحديد طبيعة المادة المعجمية وتوصيفها، ومعالجة كيفية ترتيبها وتنظيمها الداخلي والخارجي، وكيفية الشرح أو طريقته لجعل القاموس أداة عملية طيِّعَة في يد الباحثين وطلبة العلم والقُرَّاء عمومًا.