ما حكم من فَقد "صلاة العشاء"؟!



محمد أحمد حماده


من حاشية بن عابدين


مطلب في فاقد وقت العشاء كأهل بلغار قوله ( كبلغار ) بضم الباء الموحدة فسكون اللام وألف بين الغين المعجمة والراء لكن ضبطه في القاموس بلا ألف
وقال والعامة تقول بلغار وهي مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال شديدة البرد ا ه
قوله ( فإن فيها يطلع الفجر قبل غروب الشفق ) مقتضاه أنه فقد وقت العشاء والوتر فقط وليس كذلك بل فقد وقت الفجر أيضا لأن ابتداء وقت الصبح طلوع الفجر وطلوع الفجر يستدعي سبق الظلام ولا ظلام مع بقاء الشفق أفاده ح
أقول الخلاف المنقول بين مشايخ المذهب إنما هو في وجوب العشاء والوتر فقط ولم نر أحدا منهم تعرض لقضاء الفجر في هذه الصورة وإنما الواقع في كلامهم تسميته فجرا لأن الفجر عندهم اسم للبياض المنتشر في الأفق موافقا للحديث الصحيح كما مر بلا تقييد بسبق ظلام
على أنا لا نسلم عدم الظلام هنا ثم رأيت ط ذكر نحوه
قوله ( في أربعينية الشتاء ) صوابه في أربعينة الصيف كما في الباقاني وعبارة البحر وغيره في أقصر ليالي السنة وإتمامه في ح
وقول النهر في أقصر أيام السنة سبق قلم وهو الذي أوقع الشارح
قوله ( فيقدر لهما ) هذا موجود في نسخ المتن المجردة ساقط من المنح ولم أر من سبقه إليه سوى صاحب الفيض حيث قال ولو كانوا في بلدة يطلع فيها الفجر قبل غيبوبة الشفق لا يجب عليهم صلاة العشاء لعدم السبب وقيل يجب ويقدر الوقت ا ه
بقي الكلام في معنى التقدير والذي يظهر من عبارة الفيض أن المراد أنه يجب قضاء العشاء بأن يقدر أن الوقت أعني سبب الوجوب قد وجد كما يقدر وجوده في أيام الدجال على ما يأتي لأنه لا يجب بدون السبب فيكون قوله ويقدر الوقت جوابا عن قوله في الأول لعدم السبب
وحاصله أنا لا نسلم لزوم وجود السبب حقيقة بل يكفي تقديره كما في أيام الدجال
ويحتمل أن المراد بالتقدير المذكور هو ما قاله الشافعية من أنه يكون وقت العشاء في حقهم بقدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم والمعنى الأول أظهر كما يظهر لك من كلام الفتح الآتي حيث ألحق هذه المسألة بمسألة أيام الدجال ولأن هذه المسألة نقلوا فيها الاختلاف بين ثلاثة من مشايخنا وهم البقالي والحلواني والبرهان الكبير فأفتى البقالي بعدم الوجوب وكان الحلواني يفتي بوجوب القضاء ثم وافق البقالي لما أرسل إليه الحلواني من يسأله عمن أسقط صلاة من الخمس أيكفر فأجاب السائل بقوله من قطعت يداه أو رجلاه كم فروض وضوئه فقال له ثلاث لفوات المحل قال فكذلك الصلاة فبلغ الحلواني ذلك فاستحسنه ورجع إلى قول البقالي بعدم الوجوب
وأما البرهان الكبير فقال بالوجوب لكن قال في الظهيرية غيرها لا ينوي القضاء في الصحيح لفقد وقت الأداء
واعترضه الزيلعي بأن الوجوب بدون السبب لا يعقل وبأنه إذا لم ينو القضاء يكون أداء ضرورة وهوأي الأداء فرض الوقت ولم يقل به أحد إذ لا يبقى وقت العشاء بعد طلوع الفجر إجماعا ا ه وأيضا فإن من جملة بلادهم ما يطلع فيها الفجر كما غربت الشمس كما في الزيلعي وغيره فلم يوجد وقت قبل الفجر يمكن فيه الأداء
إذا علمت ذلك ظهر لك أن من قال بالوجوب يقول به على سبيل القضاء لا الأداء ولو كان الاعتبار بأقرب البلاد إليهم لزم أن يكون الوقت الذي اعتبرناه لهم وقت للعشاء حقيقة بحيث تكون العشاء فيه أداء مع أن القائلين عندنا بالوجوب صرحوا بأنها قضاء وبفقد وقت الأداء وأيضا لو فرض أن فجرهم يطلع بقدر ما يغيب الشفق في أقرب البلاد إليهم لزم اتحاد وقتي العشاء والصبح في حقهم أو أن الصبح لا يدخل بطلوع الفجر
إن قلنا إن الوقت للعشاء فقط ولزم أن تكون العشاء نهارية لا يدخل وقتها إلا بعد طلوع الفجر وقد يؤدي أيضا إلى أن الصبح إنما يدخل وقته بعد طلوع شمسهم وكل ذلك لا يعقل فتعين ما قلنا في معنى التقدير ما لم يوجد نقل صريح بخلافه
وأما مذهب الشافعية فلا يقضي على مذهبنا ثم رأيت في الحلية ذكر ما ذكره الشافعية ثم اعترضه بأن ظاهر حديث الدجال يفيد التقدير في خصوص ذلك البلد لأن الوقت يختلف باختلاف كثير من الأقطار وهذا مؤيد لما قلنا ولله الحمد فافهم
قوله ( ولا ينوي القضاء الخ ) قد علمت ما أورده الزيلعي عليه من أنه يلزم من عدم نية القضاء أن يكون أداء ضرورة الخ فيتعين أن يحمل كلام البرهان الكبير على وجوب القضاء كما كان يقول به الحلواني
وقد يقال لا مانع من كونها لا أداء ولا قضاء كما سمى بعضهم ما وقع بعضها في الوقت أداء وقضاء لكن المنقول عن المحيط وغيره أن الصلاة الواقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه يسمى ما وقع منها الوقت أداء وما وقع خارجه يسمى قضاء اعتبارا لكل جزء بزمانه فافهم
قوله ( فزعم المصنف الخ ) أي حيث جزم به وعبر عن مقابله بقيل ولذا نسبه في الإمداد إلى الوهم
قوله ( وأوسعا المقال ) أي كل من الشرنبلالي والبرهان الحلبي لكن الشرنبلالي نقل كلام البرهان الحلبي برمته فلذا نسب إليه الإيساع
قوله ( ومنعا ما ذكره الكمال ) أما الذي ذكره الكمال فهو قوله ومن لا يوجد عندهم وقت العشاء أفتى البقالي بعدم الوجوب عليهم لعدم السبب كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الفرض وبين عدم سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر وجواز تعداد المعرفات للشيء فانتفاء الوقت انتفاء المعرف وانتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه لجواز دليل آخر وقد وجد وهو ما تواطأت عليه أخبار الإسراء من فرض الله تعالى الصلوات خمسا بعد ما أمر أولا بخمسين ثم استقر الأمر على الخمس شرعا عاما لأهل الآفاق لا تفصيل بين قطر وقطر وما روي أنه ذكر الدجال قلنا ما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال لا قدروا له رواه مسلم فقد أوجب أكثر من ثلاثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلا أو مثلين وقس عليه فاستفدنا أن الواجب في نفس الأمر خمس على العموم غير أن توزيعها على تلك الأوقات عند وجودها ولا يسقط بعدمها الوجوب وكذا قال خمس صلوات كتبهن الله على العباد ا ه
وأما الذي ذكره البرهان الحلبي في شرح المنية فهو قوله والجواب أن يقال كما استقر الأمر على أن الصلوات خمس فكذا استقر الأمر على أن للوجوب أسبابا وشروطا لا يوجد بدونها وقولك شرعا عاما الخ إن أردت أنه عام على كل من وجد في حقه شروط الوجوب وأسبابه سلمناه ولا يفيدك لعدم بعض ذلك في حق من ذكر وإن أردت أنه عام لكل فرد من أفراد المكلفين في كل فرد من أفراد الأيام مطلقا فهو ظاهر البطلان فإن الحائض لو طهرت بعد طلوع الشمس لم يكن الواجب عليها في ذلك اليوم إلا أربع صلوات وبعد خروج وقت الظهر لم يجب عليها في ذلك اليوم إلا ثلاث صلوات وهكذا ولم يقل أحد إنه إذا طهرت في بعض اليوم أو في أكثره مثلا يجب عليها تمام صلوات اليوم والليلة لأجل أن الصلوات فرضت على كل مكلف
فإن قلت تخلف الوجوب في حقها لفقد شرطه وهو الطهارة من الحيض
قلنا لك كذلك تخلف الوجوب في حق هؤلاء لفقد شرطه وسببه وهو الوقت وأظهر من ذلك الكافر إذا أسلم بعد فوات وقت أو أكثر من اليوم مع أن عدم الشرط وهو الإسلام في حقه مضاف إليه لتقصيره بخلاف هؤلاء ولم يقل أحد يجب عليه تمام صلوات ذلك اليوم لافتراض الصلوات خمسا على كل مكلف في كل يوم وليلة والقياس على ما في حديث الدجال غير صحيح لأنه لا مدخل للقياس في وضع الأسباب ولئن سلم فإنما هو فيما لا يكون على خلاف القياس والحديث ورد على خلاف القياس فقد نقل الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عن القاضي عياض أنه قال هذا حكم مخصوص بذلك الزمان شرعه لنا صاحب الشرع ولو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عند الأوقات المعروفة واكتفينا بالصلوات الخمس ا ه
ولئن سلم القياس فلا بد من المساواة ولا مساواة فإن ما نحن فيه لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص
والمفاد من الحديث أنه يقدر لكل صلاة وقت خاص بها ليس هو وقتا لصلاة أخرى بل لا يدخل وقت ما بعدها قبل مضي وقتها المقدر لها وإذا مضى صارت قضاء كما في سائر الأيام فكأن الزوال وصيرورة الظل مثلا أو مثلين وغروب الشمس وغيبوبة الشفق وطلوع الفجر موجودة في أجزاء ذلك الزمان تقديرا بحكم الشرع ولا كذلك هنا إذ الزمان الموجود إما وقت للمغرب في حقهم أو وقت للفجر بالإجماع فكيف يصح القياس وعلم بما ذكرنا عدم الفرق بين من قطعت يداه أو رجلاه من المرفقين والكعبين وبين هذه المسألة كما ذكره البقالي ولذا سلمه الإمام الحلواني ورجع إليه مع أنه الخصم فيه إنصافا منه وذلك لأن الغسل سقط ثم لعدم شرطه لأن المحال شروط فكذا هنا سقطت الصلاة لعدم شرطها بل وسببها أيضا وكما لم يقم هناك دليل بجعل ما وراء المرفق إلى الإبط وما فوق الكعب بمقدار القدم خلفا عنه في وجوب الغسل كذلك لم يرد دليل يجعل جزءا من وقت المغرب أو من وقت الفجر أو منهما خلفا عن وقت العشاء وكما أن الصلوات خمس بالإجماع على المكلفين كذا فرائض الوضوء على المكلفين لا تنقص عن أربع بالإجماع لكن لا بد من وجود جميع أسباب الوجوب وشرائطه في جميع ذلك
من حاشية بن عابدين


مطلب في فاقد وقت العشاء

قوله ( فإن فيها يطلع الفجر قبل غروب الشفق ) مقتضاه أنه فقد وقت العشاء والوتر فقط وليس كذلك بل فقد وقت الفجر أيضا لأن ابتداء وقت الصبح طلوع الفجر وطلوع الفجر يستدعي سبق الظلام ولا ظلام مع بقاء الشفق أفاده ح
أقول الخلاف المنقول بين مشايخ المذهب إنما هو في وجوب العشاء والوتر فقط ولم نر أحدا منهم تعرض لقضاء الفجر في هذه الصورة وإنما الواقع في كلامهم تسميته فجرا لأن الفجر عندهم اسم للبياض المنتشر في الأفق موافقا للحديث الصحيح كما مر بلا تقييد بسبق ظلام
على أنا لا نسلم عدم الظلام هنا ثم رأيت ط ذكر نحوه
قوله ( في أربعينية الشتاء ) صوابه في أربعينة الصيف كما في الباقاني وعبارة البحر وغيره في أقصر ليالي السنة وإتمامه في ح
وقول النهر في أقصر أيام السنة سبق قلم وهو الذي أوقع الشارح
قوله ( فيقدر لهما ) هذا موجود في نسخ المتن المجردة ساقط من المنح ولم أر من سبقه إليه سوى صاحب الفيض حيث قال ولو كانوا في بلدة يطلع فيها الفجر قبل غيبوبة الشفق لا يجب عليهم صلاة العشاء لعدم السبب وقيل يجب ويقدر الوقت ا ه
بقي الكلام في معنى التقدير والذي يظهر من عبارة الفيض أن المراد أنه يجب قضاء العشاء بأن يقدر أن الوقت أعني سبب الوجوب قد وجد كما يقدر وجوده في أيام الدجال على ما يأتي لأنه لا يجب بدون السبب فيكون قوله ويقدر الوقت جوابا عن قوله في الأول لعدم السبب
وحاصله أنا لا نسلم لزوم وجود السبب حقيقة بل يكفي تقديره كما في أيام الدجال
ويحتمل أن المراد بالتقدير المذكور هو ما قاله الشافعية من أنه يكون وقت العشاء في حقهم بقدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم والمعنى الأول أظهر كما يظهر لك من كلام الفتح الآتي حيث ألحق هذه المسألة بمسألة أيام الدجال ولأن هذه المسألة نقلوا فيها الاختلاف بين ثلاثة من مشايخنا وهم البقالي والحلواني والبرهان الكبير فأفتى البقالي بعدم الوجوب وكان الحلواني يفتي بوجوب القضاء ثم وافق البقالي لما أرسل إليه الحلواني من يسأله عمن أسقط صلاة من الخمس أيكفر فأجاب السائل بقوله من قطعت يداه أو رجلاه كم فروض وضوئه فقال له ثلاث لفوات المحل قال فكذلك الصلاة فبلغ الحلواني ذلك فاستحسنه ورجع إلى قول البقالي بعدم الوجوب
وأما البرهان الكبير فقال بالوجوب لكن قال في الظهيرية غيرها لا ينوي القضاء في الصحيح لفقد وقت الأداء
واعترضه الزيلعي بأن الوجوب بدون السبب لا يعقل وبأنه إذا لم ينو القضاء يكون أداء ضرورة وهوأي الأداء فرض الوقت ولم يقل به أحد إذ لا يبقى وقت العشاء بعد طلوع الفجر إجماعا ا ه وأيضا فإن من جملة بلادهم ما يطلع فيها الفجر كما غربت الشمس كما في الزيلعي وغيره فلم يوجد وقت قبل الفجر يمكن فيه الأداء
إذا علمت ذلك ظهر لك أن من قال بالوجوب يقول به على سبيل القضاء لا الأداء ولو كان الاعتبار بأقرب البلاد إليهم لزم أن يكون الوقت الذي اعتبرناه لهم وقت للعشاء حقيقة بحيث تكون العشاء فيه أداء مع أن القائلين عندنا بالوجوب صرحوا بأنها قضاء وبفقد وقت الأداء وأيضا لو فرض أن فجرهم يطلع بقدر ما يغيب الشفق في أقرب البلاد إليهم لزم اتحاد وقتي العشاء والصبح في حقهم أو أن الصبح لا يدخل بطلوع الفجر
إن قلنا إن الوقت للعشاء فقط ولزم أن تكون العشاء نهارية لا يدخل وقتها إلا بعد طلوع الفجر وقد يؤدي أيضا إلى أن الصبح إنما يدخل وقته بعد طلوع شمسهم وكل ذلك لا يعقل فتعين ما قلنا في معنى التقدير ما لم يوجد نقل صريح بخلافه
وأما مذهب الشافعية فلا يقضي على مذهبنا ثم رأيت في الحلية ذكر ما ذكره الشافعية ثم اعترضه بأن ظاهر حديث الدجال يفيد التقدير في خصوص ذلك البلد لأن الوقت يختلف باختلاف كثير من الأقطار وهذا مؤيد لما قلنا ولله الحمد فافهم
قوله ( ولا ينوي القضاء الخ ) قد علمت ما أورده الزيلعي عليه من أنه يلزم من عدم نية القضاء أن يكون أداء ضرورة الخ فيتعين أن يحمل كلام البرهان الكبير على وجوب القضاء كما كان يقول به الحلواني
وقد يقال لا مانع من كونها لا أداء ولا قضاء كما سمى بعضهم ما وقع بعضها في الوقت أداء وقضاء لكن المنقول عن المحيط وغيره أن الصلاة الواقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه يسمى ما وقع منها الوقت أداء وما وقع خارجه يسمى قضاء اعتبارا لكل جزء بزمانه فافهم
قوله ( فزعم المصنف الخ ) أي حيث جزم به وعبر عن مقابله بقيل ولذا نسبه في الإمداد إلى الوهم
قوله ( وأوسعا المقال ) أي كل من الشرنبلالي والبرهان الحلبي لكن الشرنبلالي نقل كلام البرهان الحلبي برمته فلذا نسب إليه الإيساع
قوله ( ومنعا ما ذكره الكمال ) أما الذي ذكره الكمال فهو قوله ومن لا يوجد عندهم وقت العشاء أفتى البقالي بعدم الوجوب عليهم لعدم السبب كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الفرض وبين عدم سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر وجواز تعداد المعرفات للشيء فانتفاء الوقت انتفاء المعرف وانتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه لجواز دليل آخر وقد وجد وهو ما تواطأت عليه أخبار الإسراء من فرض الله تعالى الصلوات خمسا بعد ما أمر أولا بخمسين ثم استقر الأمر على الخمس شرعا عاما لأهل الآفاق لا تفصيل بين قطر وقطر وما روي أنه ذكر الدجال قلنا ما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال لا قدروا له رواه مسلم فقد أوجب أكثر من ثلاثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلا أو مثلين وقس عليه فاستفدنا أن الواجب في نفس الأمر خمس على العموم غير أن توزيعها على تلك الأوقات عند وجودها ولا يسقط بعدمها الوجوب وكذا قال خمس صلوات كتبهن الله على العباد ا ه
وأما الذي ذكره البرهان الحلبي في شرح المنية فهو قوله والجواب أن يقال كما استقر الأمر على أن الصلوات خمس فكذا استقر الأمر على أن للوجوب أسبابا وشروطا لا يوجد بدونها وقولك شرعا عاما الخ إن أردت أنه عام على كل من وجد في حقه شروط الوجوب وأسبابه سلمناه ولا يفيدك لعدم بعض ذلك في حق من ذكر وإن أردت أنه عام لكل فرد من أفراد المكلفين في كل فرد من أفراد الأيام مطلقا فهو ظاهر البطلان فإن الحائض لو طهرت بعد طلوع الشمس لم يكن الواجب عليها في ذلك اليوم إلا أربع صلوات وبعد خروج وقت الظهر لم يجب عليها في ذلك اليوم إلا ثلاث صلوات وهكذا ولم يقل أحد إنه إذا طهرت في بعض اليوم أو في أكثره مثلا يجب عليها تمام صلوات اليوم والليلة لأجل أن الصلوات فرضت على كل مكلف
فإن قلت تخلف الوجوب في حقها لفقد شرطه وهو الطهارة من الحيض
قلنا لك كذلك تخلف الوجوب في حق هؤلاء لفقد شرطه وسببه وهو الوقت وأظهر من ذلك الكافر إذا أسلم بعد فوات وقت أو أكثر من اليوم مع أن عدم الشرط وهو الإسلام في حقه مضاف إليه لتقصيره بخلاف هؤلاء ولم يقل أحد يجب عليه تمام صلوات ذلك اليوم لافتراض الصلوات خمسا على كل مكلف في كل يوم وليلة والقياس على ما في حديث الدجال غير صحيح لأنه لا مدخل للقياس في وضع الأسباب ولئن سلم فإنما هو فيما لا يكون على خلاف القياس والحديث ورد على خلاف القياس فقد نقل الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عن القاضي عياض أنه قال هذا حكم مخصوص بذلك الزمان شرعه لنا صاحب الشرع ولو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عند الأوقات المعروفة واكتفينا بالصلوات الخمس ا ه
ولئن سلم القياس فلا بد من المساواة ولا مساواة فإن ما نحن فيه لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص
والمفاد من الحديث أنه يقدر لكل صلاة وقت خاص بها ليس هو وقتا لصلاة أخرى بل لا يدخل وقت ما بعدها قبل مضي وقتها المقدر لها وإذا مضى صارت قضاء كما في سائر الأيام فكأن الزوال وصيرورة الظل مثلا أو مثلين وغروب الشمس وغيبوبة الشفق وطلوع الفجر موجودة في أجزاء ذلك الزمان تقديرا بحكم الشرع ولا كذلك هنا إذ الزمان الموجود إما وقت للمغرب في حقهم أو وقت للفجر بالإجماع فكيف يصح القياس وعلم بما ذكرنا عدم الفرق بين من قطعت يداه أو رجلاه من المرفقين والكعبين وبين هذه المسألة كما ذكره البقالي ولذا سلمه الإمام الحلواني ورجع إليه مع أنه الخصم فيه إنصافا منه وذلك لأن الغسل سقط ثم لعدم شرطه لأن المحال شروط فكذا هنا سقطت الصلاة لعدم شرطها بل وسببها أيضا وكما لم يقم هناك دليل بجعل ما وراء المرفق إلى الإبط وما فوق الكعب بمقدار القدم خلفا عنه في وجوب الغسل كذلك لم يرد دليل يجعل جزءا من وقت المغرب أو من وقت الفجر أو منهما خلفا عن وقت العشاء وكما أن الصلوات خمس بالإجماع على المكلفين كذا فرائض الوضوء على المكلفين لا تنقص عن أربع بالإجماع لكن لا بد من وجود جميع أسباب الوجوب وشرائطه في جميع ذلك