(958) - (وبإسناده عن ابن عمر أنه: " كان إذا رأى الناس وما يعدونه لرجب كرهه وقال: صوموا منه وأفطروا " (ص 230) .
صحيح.
أخرجه ابن أبى شبة (2/182/2) : وكيع عن عاصم بن محمد عن أبيه قال: فذكره دون قوله: " صوموا منه وأفطروا ".
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
ولم أقف الآن على سند أحمد لنعرف منه صحة هذه الزيادة " صوموا وأفطروا " وإن كان يغلب على الظن صحتها , وهى نص على أن نهى عمر رضى الله عنه عن صوم رجب المفهوم من ضربه للمترجبين كما فى الأثر المتقدم ليس نهيا لذاته بل لكى لا يلتزموا صيامه ويتموه كما يفعلون برمضان , وهذا ما صرح به بعض الصحابة , فقد أورد ابن قدامة فى " المغنى " (3/167) عقب أثر ابن عمر هذا من رواية أحمد عن أبى بكرة: " أنه دخل على أهله , وعندهم سلال جدد وكيزان , فقال: ما هذا؟ فقالوا: رجب نصومه , فقال: أجعلتم رجب رمضان؟ ! فأكفأ السلال وكسر الكيزان ".
ثم قال ابن قدامة عقبه: " قال أحمد: من كان يصوم السنة صامه , وإلا فلا يصومه متواليا , يفطر فيه , ولا يشبه برمضان ".
ويظهر أن رأى ابن عمر فى كراهة صوم رجب كله كان شائعا عنه فى زمانه وأن بعض الناس أساء فهما عنه فنسب إليه أنه يقول بتحريم هذا الصوم , فقد قال عبد الله مولى أسماء بنت أبى بكر: " أرسلتنى أسماء إلى عبد الله بن عمر فقالت: بلغنى أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم فى الثوب , وميثرة الأرجون , وصوم رجب كله! فقال لى عبد الله: أما ما ذكرت من رجب فكيف بمن يصوم الأبد ... ".
أخرجه مسلم (6/139) وأحمد (1/26) .
وعليه يشكل قوله فى هذه الرواية: " فكيف بمن يصوم الأبد " , فقد فسروه بأنه إنكار منه لما بلغ أسماء من تحريمه , وأخبار منه أنه يصوم رجبا كله , وأنه يصوم الأبد. كما فى شرح مسلم للنووى , و" السراج الوهاج " لصديق حسن خان (2/285) .
فلعل التوفيق بين صومه لرجب , وكراهته لذلك , أن تحمل الكراهة على إفراد رجب بالصوم كما يفرد رمضان به , فأما صيامه فى جملة ما يصوم
فليس مكروها عنده. والله أعلم.
لكننا نرى أن صوم الدهر لا يشرع , ولو لم يكن فيها أيام العيد المنهى عن صيامها لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صام ولا أفطر ".
رواه مسلم وغيره كما تقدم فى الحديث (952) . وراجع لهذا " السراج الوهاج " (1/387 ـ 388) .
ومن الغريب أن المؤلف رحمه الله لم يتعرض لصوم الدهر بذكر البتة , وإن كان صنيعه يشعر بجوازه عنده لأنه ذكر ما يكره وما يحرم من الصوم ولم يذكر فيه صوم الدهر. واختار ابن قدامة رحمه الله أنه مكروه فراجع كتابه " المغنى " (3/167) .

الكتاب : إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل
المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني