تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: بيت المقدس نموذج

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي بيت المقدس نموذج

    بيت المقدس نموذج (1) تسامح الإسلام مع النصارى



    سطر التاريخ مواقف خالدة من تسامُح الإسلام مع نصارى القدس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ففيما يسمى بـ (العهدة العمرية) التركيز على حقوق النصارى، وواجباتهم في بنودها، وتسامُح الإسلام فيها، والحفاظ على كنائسهم وأديرتهم، بل وحمايتهم من أي اعتداء في ظل دولة الإسلام.
    وقد وضع الدين الإسلامي مجموعة من القوانين؛ لضبط العلاقات بين المسلمين وأهل الكتاب، فلم يقبل من مسلم أن يتجاوز تلك القوانين التي خطها القرآن الكريم، وحددت السنة النبوية معالمها الدقيقة، فأدلة القرآن الكريم على التعايش عديدة، {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (سورة الممتحنة 8)؛ فالتعايش ينطلق من الثقة والاحترام المتبادلين، ومن الرغبة في التعاون لخير الإنسانية، وفيما يمس حياة الإنسان، وفق مبادئ كرامة الإنسان، والعدل ورفع الظلم، والحرية الدينية.
    العهدة العمرية
    فالعهدة العمرية كفلت لنصارى القدس حقوقهم الشخصية، من حفظ النفس والمال، وحقوقهم الدينية، من عدم إكراههم على الدخول في الإسلام، والحفاظ على أماكن عبادتهم، وحقوقهم الاقتصادية، ومن حقهم في التملك والكسب، وهذا دليل قاطع على سماحة الإسلام مع النصارى في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه.
    زيارة كنيسة القيامة في القدس
    كما أنّ المسلمين سمحوا للنصارى بزيارة كنيسة القيامة في القدس، وكنيسة المهد في بيت لحم، وكان ذلك بعد عقد صلح الرملة سنة 588هـ/ 1192م بين صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد (ملك إنجلترا)، ونصّت هذه المعاهدة على أن يكون للفرنج والحجّاج النصارى حرّية الحجّ إلى بيت المقدس دون دفع أيّ ضريبة.
    وأعلن صلاح الدين «أنّ الصلح قد تمّ فمن شاء من بلادهم أن يدخل في بلادنا فليفعل، ومن شاء من بلادنا أن يدخل في بلادهم فليفعل» وذكر المؤرّخ أبو شامة أنّ الحجّاج النصارى أقبلوا على بيت المقدس، فدبّ النشاط التجاري في البلاد.
    تعيين رجال الدين الكاسوليك
    كما سمح صلاح الدين بتعيين اثنين من رجال الدين الكاثوليك في كلّ من: كنيسة القيامة وكنيسة بيت لحم وكنيسة الناصرة، إلى جانب ما كان في تلك الكنائس من رجال الدين الأرثوذكس والسريان واليعاقبة. (ابن منقذ، الاعتبار، ص 119).
    أعظم دليل على التسامح
    ولعل أعظم دليل على التسامح، هو وجود (70) كنسية في البلدة القديمة مقابل (13) مسجداً، ثم إن الأحياء الإسلامية والمسيحية ليست مقصورة على أتباعها، بل إن هناك اختلاطا بين السكان المسلمين والمسيحيين، ولكن سُمي كل حي بما غلب عليه من السكان.

    تفاهم تام
    وفي أواخر العصر العباسي زار القدس العالم المعروف (برنارد الحكيم)، ووصفها وصفاً دقيقاً، فقال: «إن المسلمين والمسيحيين فيها على تفاهم تام، وإنَّ الأمن العام مستتب للغاية حتى إنّ المسافر ليلا يفرض عليه أن تكون بيده وثيقة تثبت هويته، وإلاّ زج في السجن حتى يحقق في أمره، وإذا سافرت من بلد إلى بلد ونهق جملي أو حماري وتركت أمتعتي مكانها وذهبت لاكتراء دابة من البلدة المجاورة عدت فوجدت كل شيء على حاله لم تمسه يد».
    وظلّ هذا التسامح الديني ساريًا في عصر دولة المماليك الأولى (البحرية)، فالسلطان قلاوون سمح بأن تكون كنيسة الناصرة وأربعة بيوت من أقرب البيوت للكنيسة مخصّصة للزائرين النصارى وغيرهم من الزائرين ومن جميع الجنسيات الأوروبية، وأن يتمتّع القساوسة والرهبان بحرّية العبادة في هذه الكنيسة، وأن يكونوا آمنين على أرواحهم سواء في توجّههم إليها أم عند مغادرتهم لها، وألا يتعرّض القساوسة والرهبان لأي مكروه، وارتضى المسلمون والنصارى أن تكون مفاتيح كنيسة القيامة، مؤتمنة منذ أجيال عديدة بيد عائلتين مسلمتين هما: نسيبة وجودة، وذلك بناء على طلب جميع الطوائف المسيحية.
    معاملة النصارى والفرنج معاملة حسنة
    وتطوّر هذا التسامح الديني فيما بعد في عصر دولة المماليك الأولى والثانية، فأصدروا المراسيم التي تنصّ على ضرورة معاملة النصارى والفرنج والزائرين معاملة حسنة، وألغوا الرسوم التي كانت تفرض عليهم في أثناء زيارتهم للمقدّسات المسيحية، وأمروا بعدم التعرّض للرهبان برًّا وبحرًا بأيّ سوء.
    بل سمح السلطان برقوق لهم سنة 813هـ /1410م ببناء كنيسة في بيت لحم، وأصبح للنصارى في بلاد الشام بطركان اثنان، الأوّل في أنطاكية والثاني في القدس، وكانت بطريركية بيت المقدس تحكم نصارى فلسطين وشرق الأردن. (ابن منقذ، الاعتبار، ص181).
    العلاقات الإنسانية
    وكانت العلاقات الإنسانية على مستوى الملوك والسلاطين، فعندما مرض ريتشارد قلب الأسد (ملك إنجلترا)، أرسل إلى صلاح الدين الأيّوبي يطلب منه إرسال أحد الأطبّاء لمعالجته، فأرسل صلاح الدين أحد أطبّائه فظلّ إلى جانبه يعالجه حتّى شفي، وأوصى الطبيب أن يتناول الملك ريتشارد بعض الفاكهة ويكثر منها، فأمر صلاح الدين بأن يزوّد الملك بالفاكهة المطلوبة من غوطة دمشق وأنحاء أخرى من الشام.
    التأثر بالحضارة العربية الإسلامية
    لقد طالت إقامة الآخر الفرنجي في بلاد الشام وبلغت 200 سنة، فاختلط هؤلاء بالسكان الأصليين ونشأ جيل على الأرض الفلسطينية والساحل الشامي متأثّر بالحضارة العربية الإسلامية، فتحدّثوا اللغة العربية، وارتدوا الألبسة العربية، وتذوّقوا بالذوق العربي مأكلاً ومشربًا وعادات وتقاليد.
    وأصبح هؤلاء بعد أجيال جزءًا مهما من سكّان فلسطين والساحل الشامي، فخفّت لديهم روح التعصب والبغضاء التي كانت لدى الأجداد الأوائل عندما قدموا إلى بلاد الشام في أواخر القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي. لقد تعايش هؤلاء مع السكّان الأصليين لبلاد الشام، وتزاوج الطرفان النصرانيان «السوريون والفرنج»، وقسم كبير منهم أصبح نتاج هذا الاختلاط، ومع الزمن لم يعرفوا غير فلسطين والساحل الشامي وطنًا لهم، فاحتضنهم المجتمع الشامي واستوعبهم وهضمهم فأصبحوا جزءًا منه.
    وباعتراف الباحثين كانت الحضارة العربية الإسلامية أعظم حضارة شهدها العالم أجمع خلال فترة العصور الوسطى، والسِّرَّ في ازدهارها إنما يرجع إلى روح التسامح التي عرف بها الإسلام والمسلمون.


    عيسى القدومي


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: بيت المقدس نموذج

    بيت المقدس نموذج (2)
    تسامح الإسلام مع النصارى






    ما زال حديثنا مستمرا عن تسامح الإسلام مع النصارى في بيت المقدس؛ حيث ذكرنا في المقال السابق أنَّ التاريخ سطر مواقف خالدة في هذا الجانب ولا سيما في زمن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وذكرنا ما ورد في العهدة العمرية التي حفظت للنصارى حقوقهم، وحددت واجباتهم، وذكرنا نماذج مختلفة لهذا التسامح، واليوم نتكلم عن المقارنة بين ما فعله الصليبيون عندما دخلوا بيت المقدس، وما فعله المسلمون لنتعرف على سماحة الإسلام الحقيقية، وسماحة غيرهم.
    عندما احتل الصليبيون بيت المقدس في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان 492 هـ، قتلوا نحو سبعين ألفاً من المسلمين، وكثير من القتلى كانوا أئمةً وعلماء وعباداً ممن فارق الأوطان، وجاوروا بذلك المسجد الأقصى، وظل الصليبيون محتلين لبيت المقدس واحدا وتسعين عاماً، هتكوا خلالها الحرمات، وأزالوا الأمن والأمان، وسنكتفي بوصف المجزرة في بيت المقدس بنقولات عن مؤرخيهم الذين شاهدوا وعايشوا ذلك الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم.
    مذبحة رهيبة
    يذكر (وليم الصوري) المؤرخ الصليبي، أنه حدثت مذبحة رهيبة، وأصبحت مدينة بيت المقدس مخاضة واسعة من دماء المسلمين أثارت خوف الغزاة واشمئزازهم.
    معاملة الصليبيين للمسلمين
    أوضح (غوستاف لوبون) في كتابه حضارة العرب كيف عامل الصليبيون المسلمين في القدس، ووثق ذلك بشهادة (ريمون أجيل) الذي وصف بشاعتها بالآتي: لقد حدث ما هو عجيب عندما استولى قومنا الصليبيون على أسوار القدس وبروجها؛ فقد قطعت رؤوس بعض العرب، وبقرت بطون بعضهم، وقذف بعضهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم؛ فأفنوهم عن بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولداً ولا شيخاً.
    ويذهب مؤرخ صليبي آخر إلى أنه لم يستطع غداة المذبحة الرهيبة «أن يشق طريقه وسط أشلاء المسلمين إلا في صعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت رُكبتيه».
    ويصفه المؤرخ مل: «كان المسلمون القتلى في الشوارع والبيوت، ولم يكن للقدس من ملجأ يلجأ إليه، فقد فر بعض القوم من الذبح؛ فألقى بنفسه من أعلى الأسوار، وانزوى بعضهم في القصور والأبراج وحتى في المساجد، غير أن هذا كله لم يخفهم عن أعين النصارى الذين كانوا يتبعونهم أينما ساروا، ومشى أولئك المنتصرون فوق أكوام من الجثث الهامدة وراء أولئك الذين يبحثون عن ملجأ أو مأوى».
    ويقول (ميشود): «أما أولئك الذين أبقاهم الفرنج أحياء أملاً بأموالهم فقد ذُبحوا بلا مبالاة ولا شفقة، حتى اضطر المسلمون إلى أن يلقوا بأنفسهم من فوق المنازل، وقد أحرق بعضهم وهم أحياء، وسُحب آخرون إلى الساحات العمومية، وقُتلوا على جثث القتلى هناك، وما كانت مياه عيون النساء ولا صياح الأطفال لتسكن من ثورة أولئك المنتصرين».
    معاملة المسلمين للنصارى
    حينما حرر القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- بيت المقدس ضرب مثلاً عظيمًا في سماحة الإسلام وقوته وعزته؛ فحين تَسَلَّم المسلمون بيت المقدس في يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب، استقر رأي صلاح الدين في مجلس الشورى الذي عقده أن يُؤخذ من الرجل عشرة دنانير يستوي فيه الغني والفقير والطفل من الذكور والبنات ديناران، والمرأة خمسة دنانير؛ فمن أدى ذلك إلى أربعين يوماً فقد نجا، ومن انقضت الأربعون يوماً عنه ولم يؤد ما عليه فقد صار مملوكاً. وسنكتفي كذلك بوصف سماحة الإسلام وعدالته بما شهد به الصليبيون أنفسهم:
    يقول (استيفن سن): «إن السلطان قد سمح لعدد كبير بالرحيل دون فدية».
    ويروي (استانلي لين بول): «إن السلطان قد قضى يومًا من أول بزوغ الشمس إلى غروبها وهو فاتح الباب للعجزة والفقراء يخرجون من غير أن تدفع الجزية».
    ويقول المؤرخ الإنجليزي (مل): «ذهب عدد من المسيحين الذين غادروا القدس إلى أنطاكية المسيحية؛ فلم يكن نصيبهم من أميرها إلا أن أبى عليهم أن يضيفهم، فطردهم فساروا على وجوههم في بلاد المسلمين، فقوبلوا بكل ترحاب».
    ولقد خرج البطرك (ستانلي) بأمواله وذخائره الكثيرة دون أن يصرف منها شيئاً في فداء الفقراء والمساكين، فقيل لصلاح الدين «لم لا تصادر هذا فيما يحمل، وتستعمله فيما تقوي به أمر المسلمين؟ «فقال: «لا آخذ منه غير العشرة دنانير ولا أغدر به «، وفي ذلك يقول (ستانلي لين بول): قد وصل الأمر إلى أن سلطاناً مسلماً يلقي على راهب مسيحي درساً في معنى البر والإحسان».
    عدل الإسلام مع غير المسلمين
    ولقد سجلت صفحات التاريخ بأحرف من نور صور العدل الذي قام به المسلمون مع غير المسلمين، فالإسلام يحفظ للإنسان الحقوق الأساسية في الحياة التي لا غنى له عنها، ولم يحظ الإنسان -أيا كان جنسه أو مكانه أو مكانته أو زمان عيشه -بمنزلة أرفع من تلك التي ينالها في ظلال الدين الحنيف «الإسلام»، وما ذلك إلا لأن الإسلام دين عالمي ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أرسل للعالمين كافة.
    سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم
    ودراسة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - تنبئ عن صفحات مشرقه في حسن تعامله -عليه أفضل الصلاة والسلام -مع غير المسلمين، فقد كان له جيرانٌ منهم، وكان يداوم على برهم، ويعود مرضاهم، ويهدى لهم، ويقبل هداياهم، حتى إن امرأة يهودية وضعت له السم في ذراع شاة أهدته إياها. روى البخاري في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم، فمرت به يوماً جنازة، فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً؟».
    شواهد التاريخ
    وقد راعى الخلفاء الراشدون كرامة غير المسلمين، وشواهد التاريخ ملأى بتلك الحوادث التي يشهد لها المنصفون، وثقت بمعاهدات، نذكر صورة منها وهي العهدة العمرية التي أعطاها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لسكان القدس من النصارى عند فتحها، وقد جاء فيها:
    «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى عبد الله (عمر أمير المؤمنين) أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم: أمانًا لأنفسهم، وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها، وبريئها، وسائر ملتها، ألا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صلبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود...».
    بقاء غير المسلمين على دينهم
    وبقاء غير المسلمين على دينهم قرونًا متتالية في الشام ومصر والأندلس دليل على سماحة الإسلام، فهاهم أولاء يهود السامرة ويطلق عليهم السامريون، كانوا وما زالوا يسكنون مدينة نابلس، وقد حفظ المسلمون منذ الفتح العمري إلى اليوم حقوقهم وخصوصيتهم، ماداموا في عهد المسلمين، وها هي ذي كنائس النصارى في فلسطين وغيرها من الأوطان يدل وجودها إلى الآن وهي برعاية المسلمين، وما زالت مفاتيح كنيسة القيامة في القدس بيد أسرة مسلمة من أسر القدس، تتوارثها جيلاً بعد جيل، وهذا مطلب نصارى القدس؛ حتى لا تحدث الشحناء بينهم على من يمتلك المفاتيح؟

    عيسى القدومي

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: بيت المقدس نموذج

    بيت المقدس نموذج (3)

    تسامح الإسلام مع النصارى






    ما زال حديثنا مستمرا عن تسامح الإسلام مع النصارى في بيت المقدس؛ حيث ذكرنا أنَّ التاريخ سطر مواقف خالدة في هذا الجانب، ومن هذه الأمور المشرقة من تسامح الإسلام مع غير المسلمين، أنه لم يلزمهم دفع الزكاة، ولم يفرض عليهم الجهاد مع المسلمين، كما سمح الإسلام لغير المسلمين بإقامة حياتهم الاجتماعية (الأحوال الشخصية) على تشريعاتهم الخاصة كالزواج والطلاق ونحو ذلك.
    يقول (غوستاف لوبون) -في كتابه (حضارة العرب)-: «كان يمكن أن تُعمي فتوح العرب الأولى أبصارهم، وأن يقترفوا من المظالم ما يقترفه الفاتحون عادةً، ويسيئوا معاملة المغلوبين، ويكرهوهم على اعتناق دينهم الذي كانوا يرغبون في نشره في العالم، ولكن العرب اجتنبوا ذلك، فقد أدرك الخلفاء السابقون الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجوده في دعاة الديانات الجديدة، أن النظم والأديان ليست مما يفرضُ قسراً، فعاملوا كما رأينا أهل سوريا ومصر وإسبانيا وكل قطر استولوا عليه بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب إذا ما قيست بما كانوا يدفعونه سابقاً، في مقابل حفظ الأمن بينهم؛ فالحقّ أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا ديناً مثل دينهم».
    موقف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله
    ومن الأمور المشرقة لحماية غير المسلمين موقف شيخ الإسلام «ابن تيمية» -رحمه الله- حينما تغلب التتار على الشام، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين، وأبي أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: لا نرضى إلا بإطلاق سراح جميع الأسارى من اليهود والنصارى؛ فهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً لا من أهل الذمة ولا من أهل الملة، فلما رأى إصراره وتشدده أطلقهم له.
    سرعة انتشار الإسلام
    بل عزا الدكتور غوستاف لوبون سرعة انتشار الإسلام بين الشعوب الأخرى إلى هذه المعاملة الحسنة من قِبَلِ المسلمين لغيرهم، فقال: «ساعد وضوح الإسلام البالغ، وما أمر به من العدل والإحسان، كل المساعدة على انتشاره في العالم، ونفسر بهذه المزايا سبب اعتناق كثير من الشعوب النصرانية للإسلام، كالمصريين الذين كانوا نصارى أيام حكم قياصرة القسطنطينية، فأصبحوا مسلمين حين عرفوا أصول الإسلام، كما نفسر السبب في عدم تنصر أية أمة بعد أن رضيت بالإسلام ديناً، سواء أكانت هذه الأمة غالبة أم مغلوبة».
    قدر عظيم من التسامح
    وتشير مصادر التاريخ الأيوبي إلى أن القدس في عصر صلاح الدين قد شهدت قدراً عظيماً من التسامح، أتاح لساكنيها من غير المسلمين الفرصة لممارسة أنشطتهم اليومية بحرية مطلقة، مما أتاح الفرصة لصلاح الدين لكي يعنى بالخدمات العامة.
    وعموماً فقد عاش أهل الذمة في القدس كما في غيرها من الأمصار الإسلاميـة في مناخ اتّسم بالتسامح والحرية وفق تعاليم الشريعة الإسلامية، حتى إنّ الرحالة اليهودي إسحاق بن يوسـف (1333) يعترف صراحة بأنّ اليهود في القدس يعيشون في طمأنينة وسعادة، وأرجع ذلك إلى عدل الحكومات الإسلامية في القدس.
    أهل الذمة في بيت المقدس
    فأهل الذمة من سكان بيت المقدس لم ينغلقوا على أنفسهم ولم يعيشوا على حافة المجتمع خلال العصور الإسلامية المختلفة؛ حيث أتاحت لهم الدولة الإسلامية جوا من الحرية العلمية لم تتح لنظرائهم في أوربا، فبينما كان العمل بالطب في روما أو باريس أو لندن خلال العصور الوسطى يعدّ هرطقة تسوغ للكنيسة حق إراقة دم من يعمل بتلك المهن بحجة أنّ ذلك يدخل في أخص خصوصيات الرّبّ، وبموجب هذا الفهم العقيم قتل مئات من كبار العلماء في كل مجالات العالم، حيث أُعدموا حرقاً بعد أن اتهمتهم الكنيسة بالهرطقة. وهذا ما يوضح سبب وجود أطباء نصارى في القدس كانوا يقومون بممارسة مهنة الطب وبعضهم كان ينقطع لمعالجة أبناء طائفته.


    عيسى القدومي



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •