بحث مختصر في حرمة المعاملات المصرفية من قرض أو إقراض بمنفعة



د / ربيع أحمد ( طب )


الأدلة الجلية على حرمة المعاملات المصرفية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد : فإن الباعث على كتابة هذه الكلمة هوإعلام عامة المسلمين بحرمة استثمار أموالهم في البنوك الربويةأو في صندوق التوفير ،وحرمة شهادات الاستثمار فإن هذا الموضوع من الأهمية بمكان فالله المستعان ،وعليه التكلان .
فصل1 : مفهوم الربا : الربا في اللغة : الزيادة ،وربا الشيء يربو رُبُواً و رِباء : زاد ونما ، و أربيته نميته[1] ،وقال ابن الأثير : الربا : الأصل فيه الزيادة . ربا المال يربوا ربوا إذا زاد وارتفع[2] .
الربا اصطلاحاً : كل زيادة لم يقابلها عوض[3] أو الزيادة في أشياء مخصوصة[4] أو كل زيادة مشروطة في العقد خالية عن عوض مشروع[5] .
فصل 2 : نوعا الربا : الربا نوعان النوع الأول : ربا قروض أو ربا النسيئة ، و هو الزيادة المشروطة مقابل الأجل ، فالنسيئة هي التأجيل والتأخير ،وأصل الربا في الجاهلية هو ربا النسيئة فهم كانوا يتعاملون به ، فكان الرجل إذا أقرض آخر على أجل محدد ، فإذا جاء الأجل ولم يستطع الأداء قال له : تدفع أو ترابي فيزيده في نظير زيادة الأجل والنوع الثاني من الربا : ربا الفضل أو ربا البيوع ، وهو بيع شيء من الأموال الربوية بجنسه متفاضلاً ، وهذه الأموال هي الذهب والفضة والبُر والشعير والتمر والملح ، والربا يقع في أمرين الأول : بأن تبيع ذهباً بذهب أو فضة بفضة أو بُراً ببر أو شعيراً بشعير أو تمراً بتمر أو ملحاً بملح بزيادة أي حين يباع الجنس بجنسه فلا زيادة ولا نقصان فإذا حدث زيادة أو نقصان كان ربا ،وإذا لم يحدث تقابض بأن يغيب أحدهما كان ربا . الأمر الثاني : بيع مال من الأموال الربوية بغيره من الأموال الربوية دون التقابض في المجلس أي يكون أحدهما غائبا فإذا باع شخص تمراً بشعير دون تقابض في المجلس كان ربا ،ويمكن تعريف ربا الفضل بأنه بيع مع زيادة أحد العوضين المتفقي الجنس على الآخر.
فصل 3 : حكم الربا : الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع فمن الكتاب قوله تعالى : ﴿ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾[6] أخبر الله أن الربا حرام ،وهذا من أصرح الأدلة على تحريمه ،ومن السنة أن النبي r : « لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه »[7] ولعن الشيء يدل على تحريمه وعلى أنه كبيرة من الكبائر ،وأما الإجماع فقد قال النووي : ( أجمع المسلمون على تحريم الربا وعلى أنه من الكبائر)[8] . فصل 4 : مفاسد التعامل بالربا : التعامل بالربا سبب في العديد من المفاسد منها : الربا سبب لحرب من الله ورسوله r فيصير عدواً لله ورسوله r قال تعالى : ﴿ فَإِن لَّمْ تفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ﴾[9] ،والربا سبب في جلب لعنة الله فالنبي r : « لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه »[10] والربا سبب لمحق البركة من الأموال والأرزاق قال تعالى : ﴿ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾[11]
فالبركة تنزع من الأموال الربوية والربا سبب لإهلاك القرى ونزول مقت الله قال r: « إذاظهرالزناوالر بافيقريةفقدأحلو ابأنفسهمعذابالل ه »[12]
فصل 5 : الفروع التي تتعامل بالقروض الربوية :من المعلوم عند أساتذة الاقتصاد أن البنك مؤسسة تقترض من المودعين لكي تقرض المقترضين ، ويدفع للمودعين ثمناً محدداً هو الفائدة على الودائع ( قروض إنتاجية ) ، ويتقاضى من المقترضين ثمناً أعلى هو فائدة الإقراض ( قروض استهلاكية ) ، والفرق بين الفائدتين هو إيرادات البنك ،فالبنك يتعامل مع الأفراد في حالتي الأخذ والإعطاء للمال بفائدة مشروطة ،وبنسبة في المائة معلومة نظير إقراض المال للأفراد أو استقراض المال من الأفراد وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بلا خلاف[13] ،وما يسمى بودائع البنوك ما هي إلا قروض فالقرض ينقل الملكية للمقترض ،وله أن يستهلك العين ،ويتعهد برد المثل لا العين ،والمقترض ضامن للقرض إذا تلف أو هلك أو ضاع سواء كان التلف أو الهلاك أو الضياع بسبب إهماله أو ليس بسبب إهماله ،والوديعة أمانة تحفظ عند المستودع ،وليس للمستودع الانتفاع بها ،وهو غير ضامن لها إذا تلفت أو ضاعت إلا إذا كان التلف والضياع بتفريط منه أما ما يسمى بودائع البنك فالبنك ينتفع بها ،ويلتزم برد المثل أي ضامن للوديعة ؛ لذلك ودائع البنوك ما هي إلا قروض وهناك ما يسمى بالحساب الجاري ،وهو كما يقولون وديعة تحت الطلب ،ومن وحق المودع أن يأخذ رصيده دون قيود على السحب أو الإيداع أو ارتباط بمدة معينة لكن الحساب الجاري ليس وديعة فالبنك ينتفع به ،والوديعة ليس للمستودع أن ينتفع بها ، والبنك يضمن المال ،ويلتزم برد المثل لا العين وإذا ضاعت أو تلفت يلتزم بردها فرط أو لم يفرط لذلك ما الحساب الجاري إلا قرض لكن قرض ليس عليه فائدة أي قرض حسن ، و البنك يستخدم هذا المال في أعمال ربوية لذلك فهو إعانة على حرام ،وقد قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾[14]، وما يسمى بدفتر التوفير ما هو إلا قروض بمنفعة تؤخذ القروض من الأفراد نظير فائدة مشروطة تعطيها لهم المؤسسة على القروض ،وهذه الفائدة المعلومة الثابتة تزداد قيمتها كلما طال أجل القرض ،وبالنظر لشهادات الاستثمار نجدها ما هي إلا صورة من صور ودائع البنوك فهي وديعة أذن صاحبها باستثمار قيمتها ،والبنك يستثمرها بعد التملك ،ويضمن رد المثل وزيادة أيضاً ،و الوصف القانوني لشهادات الاستثمار أنها قرض بفائدة ،وبالنظر إلى ما يسمى بالسندات نجدها عبارة عن وثائق تثبت حق صاحب المال الذي دفعه ( المقرض ) إلى من يصدر السند ( المقترض ) نظير فائدة مشروطة ،ونسبة معلومة سنوية فما السندات إلا وسيلة من وسائل الاقتراض التي تلجأ إليها البنوك ،وتتعهد بدفع فائدة سنوية مقدرة بنسبة في المائة من القيمة الاسمية أي السندات قروض ربوية مصدرها المقترض ،ومشتري السند هو المقرض ،و القيمة الاسمية المدفوعة هي القرض ، والفائدة هي الزيادة الربوية .
فصل 6 : حرمة المعاملات المصرفية : الذي يتعامل مع البنك ( العميل ) يقوم بإعطاء مبلغ من المال إلى البنك بغرض استثماره فى مشروعات البنك مع موافقته على نسبة الأرباح التى يحددها البنك مقدماً وعلى كافة الشروط والقيود بالعقد ،أي أن البنك يدفع لمعطي المال ثمناً محدداً هو الفائدة على هذا المال ، وهذا عين الربا المحرم فهذا التعامل ما هو إلا قرض بفائدة ، وهو عين ربا الجاهلية قال الجصاص : الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به[15] ،وقال الفخر الرازي : ربا النسيئة هو الأمر الذي كان مشهوراً متعارفاً في الجاهلية ،وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدراً معيناً ويكون رأس المال باقياً ثم إذا حل الدين طالبوا المدين برأس المال فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به[16] .، وكل قرض اشترط فيه الزيادة فهو حرام قال الإمام مالك : كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا[17] ،وقال ابن تيمية : وليس له أن يشترط الزيادة على جميع الأموال باتفاق العلماء[18] وحكى ابن قدامة الإجماع على تحريم الزيادة المشروطة ، فقال : وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف". وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، إن أخذ الزيادة على ذلك ربا[19]وقال الباجي : ولا خلاف أن الزيادة ربا[20] ، وقال الشوكاني : وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقاً[21] وهذا الإجماع يدل على أن اشتراط المقرض على المقترض زيادة على رأس المال في مدة معينة قدرها كذا من الأيام أو السنوات بنسبة كذا ، وهذا هو عين الربا المحرم شرعاً ، تعاملات البنوك مع العملاء تندرج تحت ربا الجاهلية ( ربا النسيئة) وهو القرض بفائدة مشروطة ، وهذا محرم بالكتاب والسنة والإجماع . فصل 7: شبه مجيزي التعاملات المصرفية والرد عليها : على الرغم من وضوح أدلة تحريم تعاملات البنوك الربوية وضوح الشمس في ضحاها ،والإجماع على حرمتها إلا أن بعض من ينتسب للعلم الشرعي قال بحله ، ولا عبرة بقوله فالإجماع حجة ملزمة واجب الاتباع ،ولا تجوز مخالفته ،وليس لأهل أي عصر تالٍ أن ينقضوه ، والمسألة المجمع عليها لا تصلح بعد ذلك أن تكون محلاً للنزاع كما قرر علماء الأصول[22]
لذلك مسألة حكم تعاملات البنوك الربوية أصبحت قطعية الحكم لا يجوز الاجتهاد فيها مرة أخرى لكن دحضاً للباطل سنقوم بعرض شبههم والرد عليها ، قال محلو فوائد البنوك : إذا كانت نية العميل استثمار أمواله بالبنك فهو ليس قرضاً ، وإنما هو من المعاملات المباحة ، وتحديد الربح مقدماً ليس من العقائد أو العبادات التى لا يجوز التغيير فيها ، وهى من المعاملات التى تتوقف على تراضى الطرفين فى حدود الشريعة لرعاية مصالح الناس ، وقالوا لم يرد نص قطعي الدلالة على تحريم تحديد الأرباح مقدماً بموافقة طرفي التعاقد ، وقالوا :المعاملات المصرفية تختلف تماماً عن الأعمال الربوية التي حذر منها القرآن الكريم ؛ لأنها معاملات جديدة لا تخضع في حكمها للنصوص القطعية التي وردت في القرآن الكريم بشأن حرمة الربا ، والجواب عن ذلك إذا كنتم تقصدون بتحديد الربح التحديد الذي يتم في عقد المضاربة أو القراض ؛ بمعنى أن يحدد له من الربح مثلاً النصف أو الثلث أو على ما يتراضون به دون اشتراط ضمان رأس المال فنعم فشرط المضاربة المشروعة أن يكون الربح لصاحب المال جزءاً شائعاً كالنصف أو الثلث أو أقل أو أكثر ،وهذا الشرط مجمع عليه أي لا تجوز مخالفته قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا اشترط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة ، وممن حفظنا عنه مالك و الأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي[23] ، وقال ابن رشد : أجمعوا على أن صفته ( قلت القراض ) أن يعطي الرجل المال على أن يتجر به على جزء معلوم يأخذه العامل من ربح المال أي جزء كان مما يتفقان عليه ثلثاً أو ربعاً أو نصفا[24]ً ، هذه هي المضاربة المشروعة أما تحديد الربح مع اشتراط ضمان رأس المال فمضاربة فاسدة ، ويمكن أن يسمى قرضا إنتاجيا ربويا أو قرضا استثماريا ربويا فاستخدام القرض فى التجارة من أجل الاستثمار ( التنمية والربح ) مع تحديد فائدة ثابتة لرأس المال ربا ، والفرق بين المضاربة الجائزة ، وهذا القرض الإنتاجي الربوي أن فى المضاربة الربح الفعلي يقسم بين صاحب رأس المال والمضارب (المستثمر) بنسبة متفق عليها ،والخسارة من رأس المال وحده أي الذى يتحمل الخسارة صاحب رأس المال أي لاضمان على المضارب ، ولا يأخذ العامل شيئاً فى حالة الخسارة ، ولا فى حالة عدم وجود الربح أي يتحمل العامل ضياع جهده وعمله فإذن المضاربة شركة فيها المغنم للاثنين معاً فالمضارب لا يملك المال الذى بيده ،وإنما يتصرف فيه ****ل والكسب مهما قل أو كثر يقسم بينهما بالنسبة المتفق عليها أما القرض الإنتاجي الربوى فصاحب رأس المال ( المُقرِض أو صاحب القرض) تحدد له فائدة ربوية لرأس ماله (المبلغ المقترض) والزمن الذى يستغرقه القرض ،وهى نسبه ثابتة مثل 5% بغض النظر عما ينتج هذا القرض من كسب كثير أو قليل أو خسارة ،والعلاقة بين صاحب القرض وآخذه ليست من باب الشركة فصاحب القرض له مبلغ معين محدد ، ولا شأن له بعمل من أخذ القرض ،ومن أخذ القرض يستثمره لنفسه فقط حيث يملك المال ، و يضمن رد مثله مع الزيادة الربوية ، فإن كسب كثيراً فلنفسه ، وإن خسر تحمل وحده الخسارة ، فعقد القرض الربوى ينقل الملكية للمقترض ،وله أن يستهلك العين ،ويتعهد برد المثل لا العين ،والمقترض ضامن للقرض إذا تلف أو هلك أو ضاع يستوي فى ذلك تفريطه وعدم تفريطه وأيضاً فعلى المقترض أن يدفع الفائدة الربوية المحددة للمقرض أي أن الزيادة مشروطة وهذا محرم بالإجماع ، ومن هنا نعلم بطلان القول بأنه لا مانع من أن يقوم المصرف بتحديد ربح معين في عقد المضاربة ، الذي يكون بينه وبين صاحب المال الذي يضعه في المصرف بنية وبقصد الاستثمار فيما أحله اللهتعالى لعدم وجود نص شرعي فهذا قول فاسد فما يحدث بين المصرف (المقترض) وصاحب رأس المال (المقرض) ليس عقد مضاربة ؛ لأن حقيقة المضاربة تختلف عن القرض الذي يحدث بين المصرف كجهة وغيره من جهة أخرى وقولهم المعاملات المصرفية من المعاملات الاقتصادية التى تتوقف على تراضى الطرفين فالقيد الذي وضعوه لكي تصح المعاملات الاقتصادية بين الناس، هو تراضى الطرفين ولنا أن نتساءل : هل كل معاملة يتراضى فيها الطرفان يبيحها الشرع ؟ هل كل عقد من العقود يرضى به الطرفان يعتبر جائزاً ، طالما أن الأمر ليس عقيدة أو عبادة ؟
الإجابة بالطبع لا، ولبعضهم مثل يفحم القوم ، وهو: أن صورة الاتفاق مهمة جداً في حكم الشرع فيقول: "لو قال رجل لآخر أمام ملأ من الناس : خذ هذا المبلغ ، واسمح لي أن آخذ ابنتك لأزني بها – والعياذ بالله- فقبل ، وقبلت البنت لكان كل منهما مرتكباً منكراً من أشنع المنكرات ، ولو قال له : زوجنيها وخذ هذا المبلغ مهرا فقبل ، وقبلت البنت لكان كل من الثلاثة محسنا[25] ،والرضا في العقود مشروط بما يوافق الشرع فما حرمه الشرع يكون منهياً عنه رضي الطرفان أم لم يرضيا ، والذي يتدبر تعريفات الفقهاء للربا يوقن أن التراضي بالزيادة على رأس المال لا يغير في حقيقة أنه ربا ، وقولهم المعاملات المصرفية تختلف تماماً عن الأعمال الربوية التي حذر منها القرآن الكريم ؛ لأنها معاملات جديدة لا تخضع في حكمها للنصوص القطعية التي وردت في القرآن الكريم بشأن حرمة الربا قول غير مسلم فالمعاملات المصرفية لا تختلف عن المعاملات الربوية التي جاء النص بتحريمها ، والله سبحانه بعث نبيه r إلى جميع الثقلين ، وشرع لهم من الأحكام ما يعم أهل زمانه ومن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة ، فيجب أن تعطى المعاملات الجديدة حكم المعاملات القديمة إذا استوت معها في المعنى ، أما اختلاف الصور والألفاظ فلا قيمة له ؛ إنما الاعتبار بالمعاني والمقاصد ، ومعلوم أن مقاصد المتأخرين في المعاملات الربوية من جنس مقاصد الأولين وإن تنوعت الصور ، واختلفت الألفاظ ، فالتفريق بين المعاملات الربوية القديمة والجديدة بسبب اختلاف الألفاظ والصور مع اتحاد المعنى والمقاصد تفريق باطل ،وقياسهم جواز هذه المعاملات المصرفية الربوية على جواز السلم لحاجة الناس قياس فاسد ؛ لأنه قياس مع وجود النص بتحريم هذه المعاملات ، وإن إباحة السلم من محاسن الشريعة الكاملة ، وقد أباحه الله سبحانه لحاجة العباد إليه ، وشرط فيه شروطاً تخرجه عن المعاملات المحرمة ، فهو عقد على موصوف في الذمة إلى أجل معلوم بثمن معجل في المجلس يشترك فيه البائع والمشتري في المصلحة المرتبطة على ذلك ، فالبائع ينتفع بالثمن في تأمين حاجاته الحاضرة ، والمشتري ينتفع بالمسْلَم فيه عند حلوله ، فحصل للمتعاملين في عقد السلم الفائدة من دون ضرر ، ولا غرر ، ولا جهالة ، ولا ربا . أما المعاملات الربوية فهي مشتملة على زيادة معينة نص الشرع على تحريمها في بيع جنس بجنسه نقداً أو نسيئة ، و لا يجوز لأحد من الناس أن يحلل ما حرم الله بالنص قياساً على ما حلل الله بالنص ، ومن حاول أن يحلل ما حرم الله من الربا قياساً على ما أحل الله من السلم فقد أتى منكراً عظيماً ، وإنما يجوز القياس في المسائل الفرعية التي لا نص فيها إذا استوفى الشروط التي تلحق الفرع بالأصل، ومسك الختام المعاملات المصرفية ربا ،وهناك بنوك لا تتعامل بالربا فمن أراد حفظ ماله فليحفظه فيها ،والأفضل أن يستثمر المال في الحلال النافع نسأل الله أن يرزقنا الحلال و يمتعنا به.
------------------------------------------
[1]- لسان العرب لابن منظر مادة ربا

[2]- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/ 191

[3]- أحكام القرآن لابن العربي 1/ 242

[4]- المغني لابن قدامة 4/122

[5]- معجم لغة الفقهاء د. محمد قلعجي ص 218

[6] - البقرة من الآية 275

[7]- رواه مسلم في صحيحه رقم 2994 ، والترمذي في سننه رقم 1127 ،وأبو داود في سننه رقم 2895 وابن ماجة في سننه رقم 2268

[8]- المجموع للنووي 9/ 391

[9]- البقرة : 279

[10]- رواه مسلم في صحيحه رقم 2994 ، والترمذي في سننه رقم 1127 ،وأبو داود في سننه رقم 2895 وابن ماجة في سننه رقم 2268

[11]- البقرة : 276

[12]- صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 679

[13]- المغني لابن قدامة 4/360

[14] - المائدة من الآية 2

[15]- أحكام القرآن للجصاص 1/ 465

[16]- تفسير الرازي 4/92

[17]- المدونة 4/ 25

[18]- مجموع الفتاوى لابن تيمية 29/ 535

[19]- المغنى لابن قدامة 4/390

[20]- المنتقي للباجي 5/99

[21]- نيل الأوطار للشوكاني 5/266

[22]- انظر أصول الفقه للخضري ص 281 دار الحديث 1422هـ ، والوجيز في أصول الفقه د. وهبة الزحيلي ص 50 دار الفكر ، والوجيز في أصول الفقه د. عبد الكريم زيدان ص 182 مؤسسة الرسالة 1421 هـ 2000هـ ، والفقه الإسلامي د. أحمد يوسف ص 206 دار الهاني 2002 م

[23]- المغني لابن قدامة 5/ 148

[24]- بداية المجتهد لابن رشد 2/ 236

[25]- بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية في ضوء النصوص والقواعد الشرعية ص29، 111 ـ مكتبة وهبة ط الثانية سنة 1407هـ/1987م.