تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أسباب بقاء الأمم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي أسباب بقاء الأمم

    في صحيح مسلم: عن موسى بن عُلَيٍّ عن أبيه قال: قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعتُ رسول الله ( يقول:" تقوم الساعة والروم أكثرُ الناس ". فقال له عمرو: أبصر ما تقول؟ قال: أقول ما سمعت من رسول الله (. قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبة، وأوشكهم كرةً بعد فرّة، وخيرهم لمسكينٍ ويتيم وضعيف، وخامسةٌ حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك ".
    قلت: هذه الخصال الحضارية التي أشار إليها عمرو بن العاص ( .. نلمسها فيهم في هذا الزمان بوضوح .. وهي ـ مع القيم الأخرى الآنفة الذكر ـ سبب في قوتهم وتفوقهم .. وتقدمهم العلمي والتكنولوجي .. كما أنها سبب في ظهورهم على الناس وخضوع العالم لدولهم وحكمهم وسياساتهم، وحكامهم!
    قال الشيخ ناصر الدين الألباني في تعليقه على هذا الحديث، كما في مختصر صحيح مسلم:" قال صديق حسن خان في الشرح: لم يشرح النووي هذا الحديث ولم يبين المراد بـ ( الروم )، والظاهر أنهم النصارى، وهذه الخصال الخمسة موجودة فيهم، وهم ولاة الأمر اليوم في أكثر الأرض، وهذه معجزة ظاهرة للنبي ( حيث وقع ما أخبر به مطابقاً لنفس الأمر، ولله الأمر من قبل ومن بعد " ا- هـ.
    قلت: هذا في زمان صديق حسن خان .. فكيف لو نظر إليهم وهم في زماننا .. وكيف أنهم قد سادوا على البلاد والعباد؟!
    * * * * *
    ـ لا أثر للقيم الحضارية في قيام الحضارات من دون أناسٍ يتبنونها، ويترجمونها في واقع الحياة.
    ولكن نعود فنقول: هذه القيم الحضارية التي عُرفوا بها، رغم أن الإسلام يأمر بها، وهو السبّاق إلى تبنيها والدعوة إليها .. ولا نحيد عن الصواب والحقيقة لو قلنا أن الآخرين استفادوها منا ومن حضارتنا .. إلا أن المسلمين ـ في عصورهم المتأخرة ـ لما تخلفوا عنها وعن العمل بها .. وعملوا بغيرها وخلافها من القيم اللاحضارية .. وعمل بها غيرهم على ما هم عليه من كفر وغير ذلك مما تقدم من صفاتهم .. تخلف المسلمون عن قيادة الأمم والشعوب .. بل وعن قيادة أنفسهم كذلك ـ بعد أن كانوا بقيمهم الحضارية الإسلامية الراقية قادة للعالم أجمع ـ ليتولى مهمة القيادة
    __________
    (1) ولكن هذا العدل مقصور على التعامل فيما بينهم داخل بلدانهم .. بخلاف تعاملهم مع الآخرين خارج بلدانهم، فهو قائم على العدوان، والظلم، والإرهاب .. والانتهاكات لأبسط مقومات حقوق الإنسان .. وما أكثر الشواهد المعاصرة الدالة على ذلك وقد تقدم ذكر بعضها .. بينما عدالة الإسلام فهي تلزم المسلمين بالعدل فيما بينهم ومع الآخرين ممن عاداهم وخاصمهم .. في داخل بلادهم وخارجها، وأينما حلوا وأقاموا، كما قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المائدة:8. من هنا تكمن القمة والعظمة للحضارة الإسلامية التي تلتزم العدل مع من خالفها وعاداها كما تلتزمه مع نفسها وأبنائها .. تلتزم العدل مع الآخرين في الرضى والسخط سواء.
    والريادة غيرهم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
    الله تعالى لا يُحابي أحداً حاشاه .. قد خلق الحياة وفق قوانين ونواميس محددة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، فمن أخذ بهذه النواميس وعمل بها وبمقتضاها وصل وبلغ القمم العالية وأدرك مراده وإن كان كافراً، ومن تركها وتخلف عنها .. وتواكل .. لن يصل، وطاب له العيش في الذل والركام وبين الحُفر!
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 28/146: إن الله يُقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يُقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويُقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وقد قال (:" ليس ذنبٌ أسرع عقوبةً من البغي، وقطيعة الرحم "؛ فالباغي يُصرَع في الدنيا وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة، وذلك أن العدل نظام كل شيء؛ فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدلٍ لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخرة ا- هـ.
    ... لذا فأقول: إن أرادت الأمة الإسلامية أن تُعيد لحضارتها عزها ومجدها الأول .. ودورها الريادي والقيادي الذي كان لسلفنا الصالح لا بد لها من العودة والتمسك بمجموع القيم الإسلامية الحضارية التي كانت سبباً في عزها ومجدها .. ومن دون أن تفرط بشيءٍ منها.
    لا بد أن نكون أكثر من الآخرين عدلاً ورحمة بالعباد .. هذا إذا أردنا أن يتنزل علينا نصر الله .. وأردنا للأمة أن تستأنف عزها ومجدها ودورها الريادي من جديد .. فالله تعالى يُحب العدل وينصر أهله .. ويبغض الظلم ويخذل أهله، وفي الحديث القدسي:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظاَّلموا "مسلم.
    وقال (:" اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب "[(1)].
    ... لا أثر للقيم الحضارية ولا فاعلية لها في قيام الحضارات إن لم تتجسد هذه القيم في سلوك وواقع وحياة أتباعها .. فالقيم مهما كانت عظيمة وراقية تبقى معانٍ مجردة لا أثر لها في الوجود والواقع .. إلى أن يأتي من يأخذها بقوة وصدق، فيحييها ويترجمها إلى سلوك وواقع في حياته وحياة الآخرين العملية.
    ... لذا لا يكفي أن نتكلم عن عظمة الإسلام كعقيدة، وشريعة، وأخلاق، وقيم حضارية راقية وحسب من دون أن نجسد هذه العقيدة والقيم في سلوكنا وواقعنا وجميع جوانب حياتنا، فالسيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لما سُئلت عن خُلق النبي ( قالت:" كان خلُقه القرآن "؛ أي كانت أخلاقه وسيرته ( خير ترجمان وتفسير للقرآن الكريم .. تريد أن ترى القرآن مفسراً ومترجماً ترجمة عملية فانظر إلى حياة ومواقف وأعمال المصطفى صلى الله عليه وسلم
    الكتاب : المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام
    جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة
    علي بن نايف الشحود

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: أسباب بقاء الأمم

    روى المستورد بن شدَّاد الفهريِّ أنه قال عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
    يقول: ((تقوم الساعة والروم أكثرُ الناس))،
    فقال له عمرو: أبصِر ما تقول،
    قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالًا أربعًا:
    إنهم لأَحلمُ الناس عند فتنةٍ،
    وأسرعُهم إفاقةً بعد مصيبة،
    وأوشكُهم كرَّة بعد فرَّة،
    وخيرُهم لمسكين ويتيم وضعيفٍ،
    وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم مِن ظلم الملوك))؛
    رواه مسلم.
    كان العرب أهل فراسة، وازداد مَن آمَنَ منهم بالإيمان بصيرةً، فنجد هذا الربط من عمرو بن العاص رضي الله عنه - بما منَّ الله به عليه من بصيرة، وما لديه من سابق خبرة - يُعدِّد خصالًا في الروم يراها تُؤهِّلهم للبقاء عند هلاك أمم أخرى!
    فلماذا يكون العرب حين خروج الدجَّال قليلين، في حين يكون الروم أكثرَ الناس عند قيام الساعة؟!
    ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]،
    فنجد الصلاح وحده لا يؤهِّل صالحي العرب المسلمين للبقاء إلى الأجل المسمَّى، في حين نجد هذه الخصال الخمس المفقودة أهَّلت الروم للبقاء إلى الأجل،
    ولننظر في هذه الصفات على أنها نذير الهلاك لفاقديها من هذه الأمة:
    أحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمسكين وضعيفٍ،
    وأمنعهم من ظلم الملوك
    . معرفتنا بتلك الخصال ليست لنقول:هم أفضل منا، أو لنُعظِّمهم في نفوسنا،
    بل لنُحذر أنفسنا من فقدانها،
    فهذه الصفات تتكامل معًا لتُشكِّل مجتمعًا متماسكًا منيعًا، سريع النهوض بعد السقوط.
    فالجراح الواقعة بمرور الأحداث تُنهك الأمم، والظلم يَفتك بها سريعًا ويُوهنها،
    إلا أن المنعة والتلاحم تُشكلان حصنًا للأمة المتمسِّكة بهما،
    وبالتالي فإن النوازل لا تفتك بها بالسرعة التي تفعلها بالآخرين إلا بقدر الله عز وجل!
    وقد جعل الله لقدره سُننًا؛ ذلك ليعلم الناس كيف تقوم الحياة منضبطةً، ويَسلكون سُبل ذلك، فلم يتركهم للتجريب المتخبِّط؛
    بل أنزل الميزان، فالحمد لله رب العالمين!
    ولعلنا لو أخذنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير التفكُّر في أهمية الخبر وما وراءه من بيان، وبمعزلٍ عن الحوار الدائر بين الصحابيَّين - لم ننتفع على النحو المطلوب،
    فهما يُعلِّمانِنا كيف ننتفع بالخبر من الناحية العملية!
    فإننا نتعلَّم من الحديث ما يجب أن نتحلى به من أخلاق المنعة والترابط وسرعة الاستفاقة،
    وكذلك لنعرف الروم حين تكون العداوة، ولننتفع بذلك في التخطيط والمعارك إن شاء الله؛
    فنعرف كيف وأين ومتى نضرب أعداءنا؟ وهذه الأخلاق تعين على إقامة الحق إذا ما تآزَرت مع الإسلام. فإقامة الدين في مجتمع لا تستمر من غير القوة والمنعة؛
    عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال: ((والذي نفسي بيده، لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكَنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقابًا منه، ثم تَدعونه فلا يَستجيب لكم))؛ صحيح الترمذيِّ.
    وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال: ((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا اتَّقِ الله ودَعْ ما تصنع، فإنه لا يَحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يَمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبَه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرَب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 78]))، إلى قوله: ﴿ فَاسِقُونَ ﴾،
    ثم قال: كلَّا واللهِ لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، ولتَأْخُذُنَّ على يدي الظالم، ولتَأْطُرُنَّه على الحق أطرًا، ولتَقْصُرُنَّه على الحق قصرًا))؛ رواه أبو داود في سننه. ففقدُ المنعة يسمح بقَبول الخبث واختفاء إنكار المنكر، ويسمح للظلم باجتياح المجتمع، وفَقْدُ القوة يسمح بانتشار الخبث والظلم لغياب الرادع،
    وإلَّا فكيف يُؤْطَرُ المخطئُ على الحق أطرًا بغير قوة؟!

    وفقدان التوادِّ والتراحم يُعَدُّ أيسرَ سُبل تشرذُمِ الأمم وتفكُّكها؛ عن النعمان بن البشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ترى المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم وتعاطُفِهم، كمثلِ الجسدِ إذا اشتَكى عضوًا، تداعى له سائرُ جسدِه بالسَّهرِ والحمَّى))؛
    رواه البخاريُّ في صحيحه.
    فمن أخلاق الروم "خيرهم لمسكين ويتيم
    فالنوازل تُفكِّك المجتمع؛ لانشغال كل مصاب بمصيبته ومداواتها، وحينها يسهل أن تَشرُد شاردة المسلمين، ويتصيَّدها الشيطان وأعداء الله!
    ألسنا نرى التنصير واجتذاب ضعفاء المسلمين إلى الإلحاد والكفر، يقع واضحًا حين يُنسى الضعفاء. في جملة هذا التبيين نجد أن فقدان هذه الخصال مُحقِّق للهلاك مِن خلال:
    انتشار وتمكُّن الخبث وهو سبب مباشر للهلاك. طغيان الظالمين وفتْكهم بالأمة. تشتُّت الضعفاء وانفصالهم عن الأمة، أو تحوُّلهم إلى ثغرةٍ تُضعفها. سوء الفعل والاندفاع عند الفتن. المسارعة إلى الكر بعد الفر، فلا يتمكَّن منهم العدوُّ بسهولة في غفوتهم. والواقع الآن أن الأمة تُسارع في تشرُّب عكس هذه الصفات المؤهِّلة للبقاء إلى أجلٍ، وفي ذلك تفريط في سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث حثَّنا على التمسك بها في مواطنَ متعدِّدةٍ.
    مقالة لأم عبد الرحمن الديب-

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    بلاد دعوة الرسول عليه السلام
    المشاركات
    13,561

    افتراضي رد: أسباب بقاء الأمم

    جزاكم الله خيرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •