قال ابن القيم: (وأدب المرء: عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه: عنوان شقاوته وبواره: فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب.
فانظر إلى الأدب مع الوالدين: كيف نجَّى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة ؟!
والإخلال به مع الأم تأويلًا وإقبالًا على الصلاة كيف امتحن صاحبه بهدم صومعته وضرب الناس له ورميه بالفاحشة ؟!
وتأمل أحوال كل شقي ومغتر ومدبر: كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان ؟!
وانظر قلة أدب عوف مع خالد: كيف حرمه السلب بعد أن برد بيديه ؟! (1)
وانظر أدب الصديق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: أن يتقدم بين يديه فقال: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أورثه مقامه والإمامة بالأمة بعده فكان ذلك التأخر إلى خلفه وقد أومأ إليه أن اثبت مكانك جمزًا وسعيًا إلى قدام بكل خطوة إلى وراء مراحل إلى قدام تنقطع فيها أعناق المطي، والله أعلم). [مدارج السالكين: (2/ 391 - 393)].

(1) أي عندما غضب عوف ولم يملك نفسه، حرم الخير.

عن عوف بن مالك، قال: قَتَلَ رَجُلٌ مِن حِميَرَ رَجُلًا مِنَ العَدوِّ، فأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بنُ الوليدِ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيهِم، فَأتَى رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَوفُ بنُ مَالِكٍ، فَأخبَرَهُ، فقال لِخَالِدٍ: "مَا مَنَعَكَ أَن تُعطِيَهُ سَلَبَهُ؟ " قال: استَكثَرتُهُ، يَا رَسُولَ اللهِ! قال: "ادفَعهُ إلَيهِ"، فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قال: هَلْ أَنجَزتُ لَكَ مَا ذَكَرتُ لَكَ مِن رَسُولِ اللهِ؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاستُغضِبَ. فقال: "لَا تُعطِهِ يَا خَالِدُ، لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنتُم تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إنَّمَا مَثَلُكُم وَمَثَلُهُم كَمَثَلِ رَجُلٍ استُرعىَ إِبِلًا أَو غَنَمًا فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا، فَأوَردَهَا حَوْضًا، فشَرَعَت فِيهِ فشَرِبَت صَفوَهُ وَتَرَكَتْ كَدرَهُ، فَصَفوُهُ لَكُم وَكَدرُهُ عَلَيهِم. [أخرجه مسلم (١٧٥٣) في كتاب الجهاد، باب: استحقاق القاتل سلب القتيل].