شرح حائية ابن أبي داود(1)
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري




شرح حائية ابن أبي داود (الدرس الأول)



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:
فهذا إملاءٌ لطيفٌ على حائية ابن أبي داود في عقيدة أهل الأثر، كان بدؤه ليلة الأربعاء لخمس بقين من شهر شوال من عام ألف وأربعمائة واثنين وعشرين للهجرة بمسجد صالح بن أحمد بالقرن، واللهَ نسأل التمام والسداد.

وفي مقـدمة هذا الشـرح لنا مقدمتان:
المقدمة الأولى: مقـدمة في هذا العلم:
وفيها خمس قضـايا:
الأولى: حدّه:
العقيدة لغًة: مأخوذة من العقد، وهو الشد والربط، وضده الحل.
واصطلاحاً: هي حكم الذهن الجازم؛ فإن وافق الحق فصحيح، وإن خالفه فباطل.

الثانية: اسمه:
جاء في الكتاب والسنة باسم الإيمان، وجاء عند السلف باسم التوحيد، والسنة، والاعتقاد، والعقيدة، والفقه الأكبر.
ومن التسميات الباطلة: " علم الكلام "، أو " الفكر" أو" التصور الإسلامي ".

الثالثة: شرفه:
1- شرف العلم من شرف المعلوم، وهذا العلم يتحدّث عن معرفة الله ونبيه صلى الله عليه وسلم والمعاد.
2- أن نعلم أنه لا عز للأمة إلا بتوحيد الكلمة على كلمة التوحيد.

الرابعة: موضوعه:
تُذكر فيه أركان الإيمان الستة، وقضايا المنهج، ومسائل الأخلاق.

الخامسة: مسائله:
قال ابن عيينة رحمه الله: " والسنة عندنا عشرٌ من استكملها فقد استكمل السنة، ومن ترك منها شيئاً فقد ترك السنة: إثبات القدر، تقديم أبي بكر وعمر، والحوض، والشفاعة، والميزان، والصراط، والإيمان قول وعمل، والقرآن كلام الله، وعذاب القبر، والبعث يوم القيامة، ولا يقطعوا على مسلم بالشهادة على مسلم "، أخرجه اللالكائي.

المقدمة الثانية: مقدمة في هذا المتن:
اسمه:
حائية ابن أبي داود.

ناظمه:
الإمام أبو بكر عبد الله بن الإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب السنن رحمه الله ولد سنة 230هـ، توفي سنة 316هـ، وعمره 86 سنة، ومن تلامذته: الآجري وابن بطة وابن شاهين، وحدث عنه ابن حبان والدارقطني وغيرهم، صلت عليه ثمانون جماعة، قدروا بـ 300 ألف.

نسبته:
قال الذهبي رحمه الله: " وهذه القصيدة متواترة عنه، ذكرها الآجري وأبو عبد الله بن بطة ".

أهميته:
قال رحمه الله: هذه عقيدتي، وعقيدة أبي، وقول مشايخنا، وقول العلماء ممن لم نرهم ولكن بلغنا خبرهم؛ فمن افترى غير ذلك فقد كذب.

مواضيعه:
ذكرت هذه المنظومة أربعة عشر موضوعاً فيما عدّه بعضهم، ولم تذكر مسألة العلو والاستواء، وبعض الغيبيات؛ كالصراط والحساب.

مصادره:
ذُكر هذا النظم في شرح السنة لابن شاهين، وفي سير أعلام النبلاء والعلو وكلاهما للذهبي، وفي طبقات الحنابلة والمنهج الأحمد.

عدد أبياته:
المشهور أنها ثلاثة وثلاثون بيتاً، وقد زاد ابن البناء الحنبلي أربعة أبيات، وأوصلها ابن شاهين في شرح السنة إلى أربعين بيتاً.

وزنه:
هي من بحر الطويل.

شروحاته:
شرحها الآجري وابن البناء الحنبلي كما ذكر الذهبي، والسفاريني (وهو مطبوع) وغيرهم.

طريقتنا في هذا الشرح:
أن نبين ألفاظ النظم.
ثم نبين أصول المسائل التي ذكرها المصنف، مع إشارة لخلاف الفرق الضالة.
♦♦♦

الدرس الأول
تمهـيد:
لم تُذكر البسملة في بداية هذا النظم، وذلك لأنه نُقل من ترجمة هذا الإمام في كتب التراجم، قال السفاريني رحمه الله: " وليس من عادة المترجمين أن يذكروا البسملة قبل منظومات العلماء الذين يترجمون لهم ".
تمسك بحبل الله واتبع الهدى ♦♦♦ ولا تك بدعياً لعلك تفلحُ
قوله رحمه الله " تمسك ": أمر من التمسك، وهو الاعتصام؛ كما ذكر ذلك الفيومي في المصباح المنير.
قوله " بحبل الله": أي بالقرآن الكريم؛ كما جاء في أحد قولي المفسرين عند قوله تعالى:( واعتصموا بحبل الله )، وكما جاء في صحيح السنة، وأقوال الصحابة.
قوله " واتبع ": الاتباع هو الاقتداء في الفعل وفي القصد.
قوله " الهدى ": قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الهدى بيان ما ينتفع به الناس ويحتاجون إليه، وهو ضد الضلالة ".

وقسمه ابن القيم في بدائع الفوائد إلى أربعة أقسام:
الأول: هداية عامة مشتركة بين الخلق.
الثاني: هداية دلالة وإرشاد.
الثالث: هداية إلهام وتوفيق.
الرابع: غاية هذه الهداية، وهي الهداية إلى الجنة أو النار.
قوله " ولا تك بدعياً ": البدعة في اللغة: الاختراع على غير مثال سابق.

وفي الاصطلاح: هي الطريق المخترعة في الدين التي تضاهي الشريعة ويقصد بها ما يُقصد بالطريقة الشرعية؛ كما عرفها الشاطبي رحمه الله.
وقد تكون بدعة اعتقادية أو عملية أو لفظية أو مركبة.
وأشهر البدع الاعتقادية: بدعة الخوارج والقدرية والرافضة والجهمية.

قوله " لعلك تفلح ": قال ابن سعدي رحمه الله: الفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب ومرغوب، والنجاة من كل مرهوب؛ فحقيقته السعادة الأبدية والنعيم المقيم.

قال رحمه الله:
ودن بكتاب الله والسنن التي ♦♦♦ أتت عن رسول الله تنجو وتربحُ
قوله " ودن ": أمر من دان يدين، أي تعبد بما جاء في الكتاب والسنة، وأصل هذه المادة: الذل والانقياد؛ كما ذكر ابن فارس.
والدين ثلاثة: دين مشروع ودين منسوخ ودين مبدل.
قوله " بكتاب الله ": أي بالقرآن، ووصفه بالكتاب؛ لأنه مكتوب، وبالقرآن لأنه مقروء.
قوله " والسنن ": جمع سنة، وهي الطريقة، وفي الاصطلاح: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو تركاً، وهي قسمان:

سنة متواترة، وسنة آحادية.
قوله " أتت عن رسول الله ": الرسول: هو رجل من بني آدم من أهل القرى، أوحي إليه بشرع جديد، وخالفه فيه قومه.
قوله " تنجو وتربح ": أي تنجو من العذاب وتربح النعيم.

قاعدة هذا الباب:
هذا المقطع في ذكر مصدر أهل السنة والجماعة في التلقي لعقائدهم وأحكامهم، ومصادر الناس في الاستدلال ثلاثة:
الأولى: الذوق والكشف والهواتف الإلهية، وهذه طريقة أهل التصوف والرفض.
الثانية: العقل والمنطق، وهذه طريقة أهل الكلام.
الثالثة: التسليم للكتاب والسنة، وهذه طريقة أهل السنة والجماعة، قال الإمام أحمد رحمه الله: ما ارتدى أحدٌ بالكلام فأفلح.