الأزمة الاقتصادية (آثار - أسباب - علاج)









كتبه/ شريف الهواري


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمما لا يخفى على أحدٍ أن الأزمة الاقتصادية اليوم تعصف بالعالم شرقًا وغربًا، وهذه الأزمة الشديدة انشغل بمعرفة أسبابها وسبل مواجهتها الجميع؛ بداية من الشعوب، مرورًا بالسَّاسة وأصحاب القرار، وأرباب الفكر والاقتصاد، ولكن هذه الأزمة تستوجب منا وقفاتٍ لبيان بعض الجوانب الشرعية المهمة المتعلِّقة بها، ومن منطلق الشعور بالمسؤولية، وحرصًا منا على البلاد والعباد، كانت هذه الكلمات؛ حتى يُصحح المسار، ونصل إلى برِّ الأمان جميعًا.

وهذه الأزمة شأنها كشأن أي مشكلة، لها آثار سلبية مترتبة عليها -وقلنا: "سلبية"؛ لأنه توجد آثار إيجابية-، وكذلك أسباب حدوثها ووقوعها، وفي النهاية البحث عن سبل علاجها، وكيفية التخلص منها.

أولًا: الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية:

الآثار السلبية للأزمة متعددة، منها: آثار عقدية، وأخرى سلوكية، وكذلك اجتماعية وسياسية.

1- الآثار السلبية العقدية، ومنها: كثرة الشكاية، والتسخط والاعتراض، فقد أُصِيب كثير من الناس بالهلع والجزع، والفزع والقلق، وكذلك تدخل الشيطان -لكونه فقيهًا في الشر-؛ فأوقع الكثير من الناس مستغلًا هذه الأزمة، حيث أوهم البعضَ بالذهاب إلى العرافين والدجالين والمشعوذين، ومنهم مَن أوهمه أن الحلَّ في دعاء الأولياء، وطلب تفريج الكربات منهم؛ بادِّعاء أنهم يُديرون شؤن هذا الكون ويتصرفون فيه، فكان طلب المدد وكشف الضر، والدعاء، ولبَّس على آخرين بالجرأة على الحرام، بل وتحليله، وهذا ولا شك خلل عقدي رهيب، فمِن الناس مَن تعامل بالربا وسمَّاه بغير اسمه، ومنهم مَن نصب وسرق، واحتال، وبغى وظلم!

2- الآثار السلبية السلوكية: فقد انحرفت السلوكيات لدرجة تدمي القلوب، ورأينا أخلاقيات لا تليق بسلوك المسلم أبدًا، مثل: خُلْف العهد والوعد، والكذب، والاستغلال، والاحتكار المشين، والذي عَدَّه السلف من الأخلاق المذمومة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (*لَا *يَحْتَكِرُ *إِلَّا *خَاطِئٌ) (رواه مسلم)، وقال أيضًا: (*مَنِ *احْتَكَرَ *طَعَامًا *أَرْبَعِينَ *لَيْلَةً؛ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ) (رواه أحمد، وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح")، وعن عمر- رضي الله عنه- قال: "الجالِبُ *مَرزوقٌ، *والمُحْتَكِرُ *مَحْرُومٌ، *ومَن *احْتَكَرَ *على *المسلمين *طَعَامًا؛ *ضربه *الله *بالإفلاس، *والجُذام" (جامع الأصول).

?- الآثار السلبية الاجتماعية: أما عن الآثار الاجتماعية؛ فحدِّث ولا حرج، فإن ما يحدث في أوساط المسلمين -اليوم- مِن الخلل المجتمعي مخيف، حيث صرنا نرى في المجتمع تناطحًا، وتناحرًا، وتقاطعًا؛ فقد دُمِّرت بيوت، وقُطِّعت أرحام، وعُطلت واجبات وحقوق، وأصبح المجتمع هشًّا ضعيفًا -للأسف الشديد-.

?- الآثار السلبية السياسية: إذا نظرنا إلى هذه الأزمة سياسيًّا؛ سنجد أنها تسببت في حروب وتحزبات وتكتلات، فالمتأمل في العالم اليوم يجد أنه يُعيد خَنْدَقَة نفسه من جديد، ولا يخفى عليكم حجم المؤامرات الدولية لإسقاط الدول لتركع للشرق أو للغرب، حيث توجد حروب علنية تكاد تتحول إلى حروب عالمية -روسيا وأوكرانيا نموذجًا-، والأخطر هو: وجود حروب خفية تسعى لإسقاط عملات، وأشخاص، واقتصاد دول؛ بهدف التحكم فيها والسيطرة عليها.

ونحن كمسلمين كيف يحدث لنا هذا، ونحن نملك مقومات أعظم اقتصاد في العالم؟! حيث نمتلك أفضل موقع بين الأمم، وأكبر رصيد من الثروات الطبيعية، والعمالة المتميزة، وأنسب طقس في العالم، ومع ذلك هذا حالنا في ذيل القائمة! والله المستعان.

ثانيًا: أسباب الأزمة الاقتصادية:

الأسباب التي أدَّت إلى هذه الأزمة عديدة ومتنوعة منها:

?- ضعف المعرفة بالله -تبارك وتعالى-، أو قل: الجهل بربوبيته -عز وجل- وأسمائه وصفاته:

يكفي أن الله تبارك وتعالى من قبل أن يخلق السماوات والأرض خلق القلم، فقال: اكتب، فقال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى قيام الساعة -كالأرزاق، والأحوال، والآجال، وغيرها- فجرى القلم بما هو كائن، وتحدَّث -سبحانه وتعالى- في كتابه عن قضيه الرزق رابطًا بينها وبين قضية الإيمان بربوبيته وأسمائه وصفاته، فقال -عز وجل-: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ *الرِّزْقَ *لِمَنْ *يَشَاءُ *وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (سبأ: 36)، وقال أيضًا: (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ *الرِّزْقَ *لِمَنْ *يَشَاءُ *وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (الإسراء: 30)، وقال -سبحانه وتعالى-: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ *الرِّزْقَ *لِمَنْ *يَشَاءُ *وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الشورى: 12)، وقال -تعالى-: (*وَلَوْ *بَسَطَ *اللَّهُ *الرِّزْقَ *لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (الشورى: 27) ، وقال أيضًا: (*وَكَأَيِّنْ *مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت: 60)، وقال -سبحانه-: (*اللَّهُ *لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (الشورى: 19).

ومعنى الآيات -وغيرها كثير في القرآن-: أن الله -تبارك وتعالى- هو الرب الخالق المدبر، المعطي المانع، الخافض الرافع، القابض الباسط، المقرِّب والمبعد؛ بيده الرزق فهو الرزاق، وعن علم وحكمة ومعرفة بعباده، فهو -سبحانه وتعالى- عليم بما هو أصلح لعباده؛ لذلك يبسط لمَن يشاء، ويمنع عمَّن يشاء، لحكمة يعلمها -سبحانه وتعالى-، كما جاء في الحديث المروي: "إنَّ مِنْ *عِبَادِي *مَنْ *لَا *يُصْلِحُهُ إلَّا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ. وَإِنَّ مِنْ *عِبَادِي *مَنْ *لَا *يُصْلِحُهُ إلَّا الْفَقْرُ، وَلَوْ أَغْنَيْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ. وَإِنَّ مِنْ *عِبَادِي *مَنْ *لَا *يُصْلِحُهُ إلَّا السَّقَمُ، وَلَوْ أَصْحَحْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ؛ إنِّي أُدَبِّرُ عِبَادِي، إنِّي بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" (رواه البغوي وغيره، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة).

فالجهل بهذه المعاني التي ذكرنا؛ لهو مِن أكبر الأسباب التي تسببت في الحالة التي نشتكي منها.

?- الذنوب والمعاصي:

لقد بيَّن -سبحانه وتعالى- في أكثر من موضع في كتابه: أن الذنوب والمعاصي هي أساس كل مصيبة وفساد في الأرض، حيث قال: (*وَمَا *أَصَابَكُمْ *مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: 30)، وقال أيضًا: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران: 165)، وقال -سبحانه وتعالى-: (*ظَهَرَ *الْفَسَادُ *فِي *الْبَرِّ *وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (الروم: 41).

أما عن السُّنة فالأحاديث في هذا الباب كثيرة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (يا مَعْشَرَ المهاجرينَ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ: لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى يُعْلِنُوا بها؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ -عز وجل- ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم) (أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضًا: (إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذُلًّا لاَ ينزعُهُ حتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) (أخرجه أبو داود، وصححه الألباني).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "*ما *نزل *بلاءٌ *إلّا *بذنب، ولا رُفِع بلاءٌ إلّا بتوبة" (طريق الهجرتين لابن القيم).

ومن هذه الذنوب:

- الإعراض عن منهج الله -تبارك وتعالى-: قال -تعالى-: (*وَمَنْ *أَعْرَضَ *عَنْ *ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه: 124).

- الربا: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا *فَأْذَنُوا *بِحَرْبٍ *مِنَ *اللَّهِ *وَرَسُولِهِ) (البقرة: 278-279)، وما نتيجة هذه الحرب؟ يقول تعالى: (يَمْحَقُ *اللَّهُ *الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة: 276)، وقال -صلى الله عليه وسلم- (*مَا *أَحَدٌ *أَكْثَرَ *مِنَ *الرِّبَا، *إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ) (أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني).

- عدم شكر النعم: قال -تعالى-: (*وَضَرَبَ *اللَّهُ *مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل: 112).

?- الفساد المستشري في أوساطنا: قال -تعالى-: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ *الْفَسَادَ) (البقرة: 205)، وكذلك: (وَاللَّهُ *لَا *يُحِبُّ *الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: 64)، وقال أيضًا: (إِنَّ اللَّهَ *لَا *يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81)، حيث تكون جهود وطاقات وإمكانات مبذولة، ولكنها تسقط في بالوعات الفساد.

?- الظلم والبغي: قال -تعالى-: (*وَكَمْ *قَصَمْنَا *مِنْ *قَرْيَةٍ *كَانَتْ *ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ) (الأنبياء: 11)، وقال أيضًا: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ *خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (النمل: 52)، وقال -تعالى-: (*وَتِلْكَ *الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) (الكهف: 59)، وقال أيضًا: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى *وَهِيَ *ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود: 102)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (*مَا *مِنْ *ذَنْبٍ *أَجْدَرُ *أَنْ *يُعَجِّلَ *اللَّهُ *تَعَالَى *لِصَاحِبِهِ *الْعُقُوبَةَ *فِي *الدُّنْيَا، *مَعَ *مَا *يَدَّخِرُ *لَهُ *فِي *الْآخِرَةِ *مِثْلُ *الْبَغْيِ *وَقَطِيعَةِ *الرَّحِمِ) (أخرجه أبو داود، وصححه الألباني).

?- الإسراف والتبذير: قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء: 27)، والمتأمل يجد صورَ الإسراف -للأسف الشديد- أصبحت ظاهرة في الطعام والشراب، وفي الملبس، وتتبع الموضة، في الزواج وإقامة الأفراح، في اللعب، وفي العديد من المجالات الأخرى؛ حيث تجد في كلِّ ذلك، وفي غيره إسرافًا رهيبًا، وتبذيرًا شديدًا.

ثالثًا: علاج الأزمة الاقتصادية:

?- التوبة الصادقة والنصوح:

قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً *نَصُوحًا) (التحريم: 8)، وقال -سبحانه-: (*وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: 31)، وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "*ما *نزل *بلاءٌ *إلّا *بذنب، ولا رُفِع بلاءٌ إلّا بتوبة".

?- تحقيق التقوى:

والتقوى التي نعنيها أن تكون رهن الإشارة وطوع الأوامر، وأن توجد حيث أُمِرتَ، وتُفتقَد حيث نُهيتَ، بذلك يُحُبُك الله -تبارك وتعالى-؛ حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ *يُحِبُّ *الْمُتَّقِينَ) (التوبة: 4)، ويكون معك: (إِنَّ اللَّهَ *مَعَ *الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل: 128) ويتولاك، (وَاللَّهُ *وَلِيُّ *الْمُتَّقِينَ) (الجاثية: 19)، وبعد ذلك يأتي الفرج.

أولًا: بتيسير الأمور: قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ *يُسْرًا) (الطلاق: 4).

ثانيًا: يجعل لك المخرج، ويرزقك من حيث لا تحتسب، قال -تعالى-: (*وَمَنْ *يَتَّقِ *اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق: 2-3).

ثالثًا: يطرح لك البركة، قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ *بَرَكَاتٍ *مِنَ *السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف: 96).

3- الاستقامة:

قال -تعالى-: (وَأَلَّوِ *اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُ مْ مَاءً غَدَقًا) (الجن: 16)، والاستقامة المقصودة هنا هي: ألا تلتفت لغير الله، وكما قال عمر -رضي الله عنه-: "استقاموا لله بطاعته، ولم يروغوا *روغان *الثعالب" (الزهد والرقائق لابن المبارك)، ومعنى الآية: لو أن عبادنا استقاموا على أمرنا؛ لوسَّعنا عليهم في معيشتهم، ولعاشوا في رغدٍ مِن العيش وسعادة.

4- حُسن التوكل على الله:

ويكفينا في ذلك قوله -تعالى-: (*وَمَنْ *يَتَوَكَّلْ *عَلَى *اللَّهِ *فَهُوَ *حَسْبُهُ) (الطلاق: 3)، وكذلك قوله -تعالى-: (اللَّهُ *خَالِقُ *كُلِّ *شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر: 62)، وفي الحديث: (*لَوْ *أَنَّكُمْ *تَتَوَكَّلُونَ *عَلَى *اللهِ *حَقَّ *تَوَكُّلِهِ، *لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

5- الشكر لما أعطانا من النعم:

قال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ *لَئِنْ *شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم ْ) (إبراهيم: 7)، وفي الحديث: "وَعَلَيْكَ *بِالشُّكْرِ؛ *فَإِنَّ *الشُّكْرَ *زِيَادَةٌ" (أخرجه ابن أبي الدنيا في الشكر، وضعفه الألباني).

6- الاستغفار:

قال -تعالى-: (*فَقُلْتُ *اسْتَغْفِرُوا *رَبَّكُمْ *إِنَّهُ *كَانَ *غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح: 10-12)، وفي الحديث: (*مَنْ *لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ *جَعَلَ *اللَّهُ *لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (أخرجه أبو داود، وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح").

7- الإنفاق ولو في الأزمة:

قال -تعالى-: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا *تُنْفِقُوا *مِنْ *شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران: 92)، وفي الحديث القدسي: (يا ابْنَ آدَمَ، أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) (متفق عليه)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (*أَنْفِقْ *بِلَالُ، *وَلَا *تَخْشَ *مِنْ *ذِي *الْعَرْشِ *إِقْلَالًا) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني)، وقال أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثةٌ أقسِمُ عليْهنَّ وأحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ... قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ... ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

ولذلك نقول: مِن سُبُل العلاج في ظلِّ هذه الأزمة، هو أن تكفل يتيمًا، وتساعد فقيرًا أو مسكينًا، وأن تسعى في قضاء حوائج الناس على قَدْر الطاقة والسعة.

8- محاربة الفساد:

من طرق العلاج -بالإضافة إلى ما سبق-: محاربة الفساد، ومنع الظلم، وتجريم الإسراف والتبذير، وتشجيع الصناعات الصغيرة، والاستغناء عن جميع المواد المستوردة، واستعمال البدائل المحلية إلا ما لا بد منه، ولا بديل له.

9- الدعاء والتضرع:

ومِن أعظم سُبُل العلاج: الدعاء والتضرع إلى الله -تبارك وتعالى-؛ ليُرفع عنا ويُفرِّج عنا ما نحن فيه، ومن هذه المعاني: قوله -تبارك وتعالى- تسلية لعباده: (*لَا *تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (النور: 11)، وقوله: (*وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة: 216).

إن مثل هذه الأزمة والشدة التي نتعرَّض لها إنما هي لاستخراج الدعوات منا، قال -تعالى-: ( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (الأنعام: 42)، وقال -سبحانه-: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) (الأنعام: 43)، وقال -تعالى-: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ *تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ . قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) (الأنعام: 63-64)، وقال أيضًا: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا *يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون: 76).


ومما يجدر الإشارة إليه هنا: أن الدعاء والتضرع في هذا الموطن مِن الآثار الإيجابية المترتبة على هذه الأزمة، والتي منها أيضًا: ظهور عمل أهل الصلاح والتقى من رعاية الفقراء، والمساكين، والأيتام، وكذلك تصفية الصف لبيان أهل الاستغلال والاحتكار مِن أهل التقى والورع، وغيرها مِن المعاني الإيمانية الأخرى.

10- تفعيل نظام الاقتصاد الإسلامي:

من الحلول أيضًا: تقديم نظام الاقتصاد الاسلامي كبديل اقتصادي ناجح، بعد فشل النظام الاشتراكي والرأسمالي في حلِّ هذه الأزمة.

وفي الختام... نوصي بالحذر من الشائعات، وأثرها الوخيم في مثل هذه الأزمات؛ فإن لنا أعداءً يتربصون بنا لنسقط.

وكذلك احذروا مِن التعامل بالعواطف المجردة؛ لأنها تؤدي إلى الاندفاع والتسرع، وقد تُستغل للتهييج والإثارة؛ لإحداث الفوضى والفتنة.

نسأل الله -عز وجل- أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كلِّ شرٍّ وسوءٍ.