النعت السببي والحقيقي


أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن





يقال: نعت فلان فلانًا؛ أي: وصفه، ولذلك نجد أن مِن النحاة مَن يُسمِّي هذا الباب باب النعت، ومنهم مَن يُسمِّيه باب الوصف، ومنهم مَن يسميه بابَ الصفة، وكلها أسماء صحيحة، ولا فرق بينها عندهم، والنعت هو أول ما ذكره ابن آجروم رحمه الله من التوابع، وقد عرَّفه النحاة بأنه تابع[1] يُذكر لبيان صفة في متبوعه - يعني: الاسم السابق عليه - أو لبيان صفة في اسم يأتي بعده، له تعلق بالمتبوع، وارتباط به، على ما سيأتي بيانه بالتفصيل إن شاء الله عند الحديث على قسمَيِ النعت، فعلى سبيل المثال: إذا لقيت كيسًا في الطريق، وسمعت إنسانًا يقول: ضاع لي كيس، فلا يصح أن تعطيه الكيس معتقدًا أنه له، ما لم يُبيِّن صفاته الخاصة به؛ كأن يقول: ضاع لي كيس صغير أسود، مثلًا، فلفظ (صغير) ونحوه يسمى نعتًا أو صفة.


أقسام النعت:
ينقسم النعت إلى قسمين؛ هما:
1 - النعت الحقيقي، وهو: ما دل على صفة مِن صفات متبوعه (الاسم الذي قبله)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258]، فكلمة (الظالمين) نعت حقيقي؛ لأنها دلَّتْ على صفة مِن صفات متبوعها (القوم).
ولقد سُمِّي هذا النعت نعتًا حقيقيًّا؛ لأنه بالنسبة للمنعوت صفةٌ حقيقية له مِن حيث المعنى ومن حيث اللفظ.
وقد جاء في (تنقيح الأزهرية) توضيح ذلك بما يلي: "سُمِّي هذا النعت حقيقيًّا؛ لجريانه على المنعوت لفظًا ومعنى؛ أما لفظًا فلأنه تابع له في إعرابه[2]، وأما معنى فلأنه نفسه في المعنى[3]"؛ اهـ.


2 - النعت السببي هو: ما دل على صفة من صفات اسم يأتي بعده، له تعلق بالمتبوع (المنعوت) وارتباط به[4]، وهذا النعت السببي يرفع اسمًا ظاهرًا متصلًا بضمير يعود إلى المنعوت؛ نحو قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ﴾ [النساء: 75]، فـ(الظالم) نعت سببِي، ولكنه ليس للمَتْبُوع (الاسم السابق عليه) (القرية)؛ إذ ليس الظلم هنا صفةً للقرية، وإنما هو صفةٌ لِما بعده، وهو أهل القرية، غير أنه لما كان لأهل القرية ارتباطٌ بها جاز أن نقول عن صفة أهل القرية: إنها صفة للقرية، ومِن أجل ذلك يسمى لفظ (الظالم) في هذه الآية نعتًا غير حقيقي، أو نعتًا سببيًّا[5].


ويُلاحَظ في المثال الذي ذكرناه في الصفحة الماضية على النعت السببي: أن هذا النعت قد رفع اسمًا ظاهرًا هو كلمة (أهلها)، وأن هذا الاسم الظاهر قد اتصل بضمير الهاء، الذي يعود إلى المنعوت (القرية)[6].


إذًا صورة النعت السببي - بالاعتبار المتقدِّم - تكون خارجةً عن مفهوم التوابع، لولا أنَّ الاسم المتأخر الذي يتجه إليه الوصف يحمل ضمير الاسم السابق على الوصف، كما يلاحظ في (أهلها)، فهذا الضمير إذًا صلة بين المتبوع المتقدِّم والموصوف الحقيقي - إنه سفير بينهما - وأدَّى بالتالي إلى وجود صلة بين الوصف والمتبوع المتقدم، فهو إذًا سبب اعتبار هذه الصورة في اللغة من بابِ النعت، وأطلق عليها النحاة اسم النعت السببي بسبب هذا الضمير[7].


وعليه فإنَّ النعت السببي يتَّجِه مِن حيث المعنى لوصف اسم ظاهر بعده مرفوع[8]، ويتجه مِن حيث اللفظ (الإعراب) إلى المتبوع السابق عليه[9]، ووُجِدت الصلة بين المتبوع المتقدِّم والموصوف المتأخر بضمير يحمله الاسم اللاحق.


وبعد ذكر تعريف كلٍّ من النعت الحقيقي والنعت السببي، يمكننا أن نُفرِّق بينهما من حيث تعريفهما مِن وجهينِ:
الوجه الأول: أن النعت الحقيقي يدُلُّ على صفة مِن صفات الاسم السابق له، بينما النعت السببي يدلُّ على صفة مِن صفات الاسم الذي يأتي بعده.


والوجه الثاني: أن النعت السببي دون النعت الحقيقي يرفع اسمًا ظاهرًا، وهذا الاسم الظاهر يكون متصلًا بضمير يعود على المنعوت.


وأمَّا مطابقة النعت لمنعوته، فإن النعت بنوعَيْه الحقيقي والسببي يتبع منعوته في:
1 - الإعراب، فكل من النعت الحقيقي والنعت السببي يتبع المنعوت في:
الرفع، فإذا كان المنعوت مرفوعًا كان النعت كذلك مرفوعًا؛ مثال النعت الحقيقي قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ [ق: 44]، وقوله سبحانه: ﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: 35].


ومثال النعت السببي قولُه سبحانه: ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ [النحل: 69]، وقوله عز وجل: ﴿ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا ﴾ [فاطر: 27].


والنصب، فإذا كان المنعوت منصوبًا كان النعت أيضًا منصوبًا؛ مثال النعت الحقيقي قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ﴾ [الدخان: 16]، وقوله عز وجل: ﴿ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 50]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ [البقرة: 128].


ومثال النعت السببي قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ﴾ [الزمر: 21]، وقوله عز وجل: ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ﴾ [فاطر: 27].
والجر، فإذا كان المنعوت مجرورًا كان النعت أيضًا مجرورًا.


مثال النعت الحقيقي قوله تعالى: ﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ﴾ [عبس: 13]، وقوله عز وجل: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنبياء: 2]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 36].


ومثال النعت السببي قولُه تعالى: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ﴾ [النساء: 75].


2 - التعريف، فإذا كان المنعوت معرفةً كان النعت أيضًا معرفة:
ومثال ذلك في النعت الحقيقي قوله تعالى: ﴿ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 164]، وقوله سبحانه: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [إبراهيم: 10]، وقوله عز وجل: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [الأعراف: 137].
ومثال ذلك في النعت السببي قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ﴾ [النساء: 75].


3 - والتنكير، فإذا كان الموصوف نكرةً كانت الصفةُ كذلك نكرة:
ومثال ذلك في النعت الحقيقي قولُه تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ﴾ [البقرة: 89]، وقوله سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ﴾ [سبأ: 5]، وقوله عز وجل: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203].


ومثال ذلك في النعت السببي قولُه تعالى: ﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا ﴾ [البقرة: 69]، وقوله عز وجل: ﴿ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ ﴾ [فاطر: 12].


إذًا النعت بنوعيه - الحقيقي والسببي - يتبع منعوتَه في اثنين مِن خمسة دائمًا؛ وهما:
واحد مِن أوجه الإعراب الثلاثة.
وواحد مِن التعريف والتنكير.
ولا يجوز في شيءٍ مِن المنعوت أن يخالفَ منعوته في الإعراب، ولا أن يخالفه في التعريف والتنكير.


وأمَّا ما يتعلق بالإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث؛ فإن الحكم يختلف فيها بين النعت الحقيقي والنعت السببي، على النحو التالي:
أولًا: النعت الحقيقي:
يتبع النعت الحقيقيُّ منعوتَه في هذه الأمور الخمسة، ولا يخالفه فيها، فيتبعه في:
1 - الإفراد، فإذا كان المنعوت مفردًا كان نعته الحقيقي كذلك مفردًا؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [فاطر: 25]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ ﴾ [البقرة: 69]، وقوله عز وجل: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128].


2 - والتثنية، فإذا كان المنعوت مثنًّى كان نعته الحقيقي كذلك مثنًّى؛ ومِن ذلك قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ﴾ [النساء: 92]، وقوله عز وجل: ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴾ [الرحمن: 66]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [النحل: 51].


3 - والجمع، فإن كان المنعوت جمعًا كان نعته الحقيقي كذلك جمعًا[10]؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54]، وقوله عز وجل: ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 166].


4 - والتذكير، فإن كان المنعوت مذكرًا كان نعته الحقيقي كذلك مذكرًا؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾ [البقرة: 221]، وقوله عز وجل: ﴿ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾ [الحج: 3]، وقوله سبحانه: ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 26].


5 - والتأنيث، فإن كان المنعوت مؤنثًا كان نعته الحقيقي كذلك مؤنثًا؛ تبعًا له، ومِن ذلك قوله سبحانه: ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾ [النساء: 92]، وقوله عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ [الحديد: 9].


وبهذا نفهم قولَ بعض المتأخرين بأنه يجب أن يوافقَ النعت الحقيقي منعوته في أربع مِن عشر:
واحد من: الرفع والنصب والجر.
وواحد من: الإفراد والتثنية والجمع.
وواحد من: التعريف والتنكير.
وواحد من: التذكير والتأنيث.


وبذلك يجتمع في النعت الحقيقي في وقت واحد أربعُ صفات مِن عشر، ووجه ذلك أن للاسم بحسب الإعراب ثلاثةَ أحوال: رفع، ونصب، وجر، وبحسب الإفراد وغيره ثلاثة أحوال: إفراد، وتثنية، وجمع، وبحسب التذكير والتأنيث حالتين، وبحسب التنكير والتعريف حالتين، فهذه عشرة أحوال للاسم، ولا يكون الاسم عليها كلها في وقت واحد؛ لِما في بعضها من التضاد، ألا ترى أنه لا يكون الاسم مرفوعًا منصوبًا مجرورًا، ولا مُعرَّفًا منكرًا، ولا مفردًا مثنًّى مجموعًا، ولا مذكرًا مؤنثًا، وإنما يجتمع فيه منها في الوقت الواحد أربعة، وهي مِن كل قسم واحد.


ومثال تبعية النعت الحقيقي لمنعوته في أربع من عشر: قول الله تعالى: ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 26]؛ فقوله: (عباد، ومكرمون) متفقان في الوجه الإعرابي، فـ(عباد) خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: بل هم عبادٌ - مرفوع بالضمة، و(مكرمون) نعت مرفوع بالواو، ومتفقان في التنكير، ومتفقان في التذكير، ومتفقان في الجمع؛ فهذه أربعة أمور: الرفع، والتنكير، والتذكير، والجمع.


ومِن أمثلة النعت الحقيقي في كتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم: قوله عز وجل: ﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ﴾ [الغاشية: 12 - 16]، وقوله تعالى: ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 166]، وقوله سبحانه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3]، وقوله سبحانه: ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴾ [الرحمن: 66]، وقوله عز وجل: ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴾ [الواقعة: 17]، وقوله عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ [الحديد: 9]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ﴾ [القمر: 20]، وقوله عز وجل: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ﴾ [القمر: 19]، وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ﴾ [النساء: 92]، وقوله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف)).


ثانيًا: النعت السبي:
ذكرنا فيما سبق أن النعت الحقيقي يتبع منعوته في كل شيء:
في الإعراب (الرفع والنصب والجر).
وفي النوع (التذكير والتأنيث).
وفي العدد (الإفراد والتثنية والجمع).
وفي التعريف والتنكير.


وذكرنا أيضًا أن النعتَ السببي يتبع منعوتَه في:
الإعراب (الرفع النصب والجر).
وفي التعريف والتنكير.


وبقي علينا: هل يتبع النعت السببي منعوته في التذكير والتأنيث، وفي الإفراد والتثنية والجمع؟
والجواب عن هذا أن نقول:
أما من حيث التذكير والتأنيث، فإن النعت السببي يُطابِق الاسم الظاهر الذي بعده المرفوع به[11] فيهما، ولا يلتفت في ذلك إلى حالة المنعوت[12]، ويكون حكمه حينئذٍ حكمَ الفعل الذي يصح أن يحلَّ محله في الجملة، فنقول: هذا طفلٌ عاملةٌ أمُّه - وهذه فتاةٌ عالِمٌ أبوها.


وإنك تلاحظ على هاتين الجملتين: أن النعت الأول وهو (عاملة)، قد أتى مؤنثًا على الرغم من أن المنعوت فيها مذكر؛ لأن الاسم الذي بعده (أمه) مؤنَّث، ولأننا لو وضعنا فعلًا مكانه لكان مؤنثًا، فنقول: عملت أمه، وكذلك يقال في الجملة الثانية؛ حيث أتى النعت - وهو (عالم) - مذكرًا؛ لأن الاسم الذي بعده (أبوها) مذكَّر، وإذا أحللنا فعلًا مكان النعت، فقلنا: علم أبوها، لكان مذكرًا، ومنه في القرآن الكريم قولُه تعالى: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ﴾ [النساء: 75].


وأما من حيث الإفراد والتثنية والجمع، فإنه يجب إفراد النعت السببي[13]، سواء كان ما بعده مفردًا، أم مثنى، أم جمع مذكر سالِمًا، أم جمع مؤنث سالِمًا[14]، ولا يلتفت إلى حالة المنعوت أبدًا؛ ذلك أن الاسم الذي يقع بعد النعت السببي يكون فاعلًا له، أو نائب فاعل، وقد عرَفنا في بابَي الفاعل ونائب الفاعل أن الفعل معهما يجب أن يتجرَّد من علامات التثنية والجمع، وكذلك يجب أن يكون النعتُ هنا[15]، فنقول: هذا شابٌّ صالِحٌ أبوه - وهذان شابَّانِ صالح أبواهما - وهذه مدرسة مخلصٌ مدرِّسوها - وتلك مدارس مخلصةٌ مدرساتها، كما نقول: صلح أبوه - صلح أبواهما - أخلص مدرسوها - أخلصت مدرساتها[16].


وبذلك يجتمع لدينا أن النعت السببي يتبع:
1 - منعوته في اثنين مِن خمسة، فيتبعه في:
واحد مِن: الرفع والنصب والجر.
وواحد من: التعريف والتنكير.


2 - ويتبع مرفوعه الذي يأتي بعدَه في واحد مِن اثنين؛ هما:
التذكير والتأنيث.


3 - وأما الإفراد والتثنية والجمع، فإن النعت السببي يكون مفردًا دائمًا، ولو كان منعوته مثنًّى، أو مجموعًا جمع تصحيح، بخلاف ما إذا كان جمع تكسير، فإنه يجوز فيه حينئذٍ: الإفراد والجمع، وهذه مجموعة مِن الأمثلة أبيِّن فيها كيف اتَّبع النعت السببي منعوتَه في الإعراب، وفي التعريف والتنكير، وكيف اتَّبع مرفوعه في التذكير والتأنيث، مع لزومه الإفراد:
المثال الأول: قال تعالى: ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ [النحل: 69]، فالنعتُ السببي هنا هو: ﴿ مُخْتَلِفٌ ﴾، ومنعوته هو ﴿ شَرَابٌ ﴾.


ووجه تبعيَّته لمنعوته في اثنين مِن خمسة: أن (مختلف) مرفوع كمنعوته (شراب)، والرفع واحد من ثلاثة، وأنه نكرةٌ كمنعوته (شراب)، والتنكير واحد من اثنين.


كما أن هذا النعت السببي ﴿ مُخْتَلِفٌ ﴾ قد اتبع الاسمَ المرفوع الذي أتى بعده في تذكيره، والتذكير واحد مِن اثنين، وهو مفرد أيضًا، كما ترى.


المثال الثاني: الخطيب الجهير صوتُه، يؤثر في سامعيه، فالنعت السببي هنا (الجهير) مفرد، وقد وافق ما بعده (صوته) في التذكير[17]، كما أنه قد وافق المنعوت (الخطيب) في الرفع، وفي التعريف.


المثال الثالث: إن المسلمة القويَّ إيمانُها تُربِّي أجيالًا ينتفع بها الإسلام، فالنعت السببي هنا (القوي) مفرد، وقد وافق المنعوت (المسلمة) في النصب، وفي التعريف، ووافق ما بعده في التذكير.


المثال الرابع: ينتشر كلُّ كتاب مشوقةٌ مادتُه، فالنعتُ السببي هنا (مشوقة) مفرد، وقد وافق المنعوت (كتاب) في الجر، وفي التنكير، ووافق ما بعده (مادته) في التأنيث.


المثال الخامس: ظهر في هذه الأيام شبابٌ قويٌّ إيمانُهم، فالنعت السببي هنا (قوي) مفرد، وقد وافق المنعوت في الرفع وفي التذكير، ووافق ما بعده في التذكير[18].


وهذا مثال أبيِّن فيه إعراب النعت السببي ومنعوته ومرفوعه: وصل الطالب الكريم أبوه.
وصل: فعلٌ ماضٍ، مبني على الفتح لعدم اتصاله بضمير رفع متحرك ولا واو جماعة.
الطالب: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة؛ لأنه اسم مفرد.
الكريم: نعت سببي لـ(الطالب)، ونعت المرفوع مرفوع، وعلامة رفعِه الضمة الظاهرة؛ لأنه اسم مفرد.
أبوه: فاعل لـ(الكريم) مرفوع، وعلامة رفعه الواو؛ لأنه من الأسماء الخمسة.


[1] أي: تال لما قبله، فلا يتقدم عليه.

[2] فقد تبع النعت (الظالمين) المنعوت (القوم) في الإعراب، فنصب بنصبه.

[3] فهو مِن حيث المعنى قد أفاد صفة للمتبوع السابق، فالمتصف بالظلم حقيقة هم هؤلاء القوم المذكورون، ومن حيث اللفظ يتبعه في الإعراب، وأحوال التطابق الأخرى الآتي ذكرها بعد قليل إن شاء الله تعالى، فمِن أجل ذلك سُمي هذا النعت نعتًا حقيقيًّا، ولَمَّا كانت الصلة بين النعت الحقيقي ومنعوته صلةً قوية جدًّا؛ وجب التطابق التام بينهما، بأن يتفق النعت الحقيقي مع منعوته السابق عليها في كل شيء، على النحو الآتي ذكره قريبًا إن شاء الله.

[4] أي: يمتُّ إليه بسبب، ولذلك سمي السببي.

[5] فلقد سمي هذا النعت نعتًا سببيًّا لأنه في الحقيقة وواقع الأمر ليس تابعًا للاسم السابق عليه مِن حيث المعنى، فهو لا يتجه إليه، وإنما يتجه للاسم الذي يأتي بعده، ففي المثال السابق مثلًا يلاحظ أن الظلم متجه لأهل القرية، لا للقرية.
ومثال النعت السببي كذلك: تعلمت اللغة على أستاذ واسعٍ علمُه، غزيرة معارفه، مرضية أخلاقة؛ فإنك تلاحظ هنا أن النعت الأول (واسع) لم يوصفْ به الأستاذ نفسه، وإنما هو صفة لشيءٍ متصل به، وهو علمه، وكذلك يقال في النعتين الثاني والثالث، وهما: (غزيرة، ومرضية).

[6] ولا بد مِن وجود هذا الضمير المتصل بالاسم الظاهر العائد إلى المنعوت، فلا يجوز أن نقول مثلًا: رأيت محمدًا القائم عبدالله؛ لأن الصفة (القائم)، وإن كانت قد رفعت اسمًا ظاهرًا هو (عبدالله)، ولكن هذا الاسم الظاهر لما لم يتصل بضمير يعود على المنعوت لم يصحَّ هذا المثال.

[7] السبب هو الضمير العائد على المنعوت؛ لأن السبب لغةً الحبلُ، والحبل مِن شأنه أن يُربط به، فلما كان الضمير يقع للربط أطلق عليه ذلك، وقيل: السبب هو الاسم المتصل بالضمير العائد على المنعوت؛ لاتصاله بالسبب الذي هو الضمير.

[8] على أنه فاعل أو نائب فاعل لهذا النعت السببي.

[9] ولهذا جرت كلمة (الظالم): تبعًا لكلمة (القرية).

[10] يتبع النعت الحقيقي منعوتَه في العدد (الإفراد والتثنية والجمع)، إلا إذا كان المنعوت جمعًا لغير العاقل، فيجوز نعته بالمؤنث المفرد، أو جمع المؤنث السالم؛ مثل:
- في القاهرة مساجد واسعة أو واسعات.
- في الأرض جبال راسية أو راسيات.
- في الحديقة شجرات مثمرة أو مثمرات.
ومِن ذلك قول الله تعالى: ﴿ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ﴾ [البقرة: 80]، وفي آية أخرى: ﴿ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]، ومنه أيضًا: قول ابن مالك رحمه الله في ألفيته:
والله يقضي بهباتٍ وافرهْ *** ....................

[11] لا المنعوت (الاسم السابق عليه).

[12] فلا عبرة بمخالفة النعت السببي لمنعوته في التذكير أو التأنيث.

[13] فيكون مفردًا دائمًا.

[14] إلا جمع التكسير، فيجوز معه إجماعًا جمع النعت جمع تكسير، تقول: زرت أبًا نُشَطاء أبناؤه - أو نشيطًا أبناؤه، واختار ابن هشام رحمه الله - كما في (القطر) ص 292 - أن يكون النعت مجموعًا، فقال رحمه الله: والأحسن: جاءني رجل قعود غلمانه، ثم قاعد؛ اهـ، وكذا اختاره خالد الأزهري في شرحه على الآجرومية ص 80، فقد قال رحمه الله: وأما مع الجمع، فيختار تكسيره على إفراده؛ نحو: مررت برجال قيام آباؤهم؛ اهـ.

[15] فينزل هذ النعت السببي الرافع للاسم الظاهر على الفاعلية، أو على النيابة عن الفاعل، منزلةَ الفعل، فيُعطى حكمه مع فاعله، أو مع نائب فاعله.

[16] ولا نقول: صالحان أبواهما، مخلصون مدرسوها، مخلصات مدرساتها، كما لا نقول: صلحا أبواهما - يخلصون مدرسوها - يخلصن مدرساتها.

[17] فيعامل النعت حينئذٍ باعتباره عاملًا رفع الاسم الظاهر بعده، فيبقى دائمًا مفردًا، فلا يُثنى، ولا يُجمع، ويذكر ويؤنث بحسب ذلك الاسم الظاهر المرفوع بعده، كما هو شأن الفعل مع الفاعل في اللغة الفصحى.

[18] ولمزيد من الأمثلة على كل من النعت السببي والنعت الحقيقي انظر: الدروس النحوية؛ لحفني ناصف وآخرين، صـ 180، 181، بتحقيقنا.