تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,485

    افتراضي شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة

    شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة (1)






    كتبه/ طارق علي السيد

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فإن الله -سبحانه وتعالى- قد خلق البشر لعبادته؛ فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، واستخلفهم في الأرض؛ فقال: (إِنِّي جَاعِلٌ *فِي *الْأَرْضِ *خَلِيفَةً) (البقرة:30)، ومن رحمته بهم أنه لم يكِلهم في ذلك إلى أنفسِهم، بل أرسل لهم الرُّسُل، وأنزل عليهم الكتب؛ هدايةً وتزكيةً لهم، وكما تفرَّد بالإيجاد فلا خالق سواه؛ فقد تفرَّد بالتشريع فلا حاكم غيره؛ حيث قال: (*إِنِ *الْحُكْمُ *إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف: 40)، فجعل له وحده حق الحكم، كما جعل له وحده حق العبادة؛ ومِن ثَمَّ أوجب عليهم الحكم بما أنزله حتى لا يتحاكموا إلى غيره فيبغوا ويضلوا، قال تعالى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ *مُفَصَّلًا) (الأنعام: 114).

    وكذلك أخبر الله تعالى أن مَن لم يؤمن بكونه حاكمًا بأنه مِن المنافقين؛ إذ قال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا... ) إلى أن قال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ *وَيُسَلِّمُوا *تَسْلِيمًا) (النساء: 60-65).

    وبما أن الله أوجب علينا الحكم بما أنزل، وبما أن شريعة الإسلام هي آخر الشرائع؛ فإن ذلك يقتضي أن تكون هذه الشريعة كاملة، فيها تبيان لكل شيء، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ *تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: 89)، وأن يكون الإسلام نظامًا شاملًا متكاملًا، صالحًا ومصلحًا لكلِّ زمان ومكان، وهذا من مقتضى حكمة الله -سبحانه وتعالى -ورحمته بالإنسان؛ حيث إنه لم يتركه وحده، ولم يكله إلى نفسه في هذا المحيط الواسع يخبط فيه بمجهوده وبعقله فقط؛ فيضل أو يهتدي؛ يهلك أو ينجو، بل أرشده وهداه إلى ما يصلحه في دنياه وآخرته، على يد رسلٍ اختارهم مِن أنفسهم؛ ليكونوا لهم قادة وقدوة بما يحملون من شرائع ونظم، تسعد بها الأفراد والجماعات.

    ولذلك جاء كل رسول يحمل مِن التعاليم ما يصلح به قومه، ويقر القواعد والأصول العامة التي سبقه بها غيره من الرسل، والتي لا تختلف باختلاف العصور وتبدل الأحوال؛ كما يدل على ذلك قوله تعالى: (*شَرَعَ *لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: 13)، ويبيِّن لهم الأحكام الجزئية التي شرعها الله لهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ *شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة: 48).

    وهكذا كان شأن الشرائع السماوية في تتابعها؛ حتى جاءت شريعة الإسلام، وكانت هي آخر الشرائع، ورسولها آخر المرسلين، (مَا *كَانَ *مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب: 40)، وبهذه الشريعة اكتمل الدين، ويشهد بذلك قول الله تعالى: (*أَكْمَلْتُ *لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3)، ومِن ثَمَّ وجب أن تكون شريعة الإسلام وافية بجميع الأحكام التي تحتاج إليها الأمم في تدبير شؤونها وتنظيم حياتها، ووجب أيضًا أن تكون هذه الأحكام صالحة لمسايرة الحياة في تطورها ومراحل تقدمها ورقيها، بل أمرنا أن نجعل الواقع محكومًا بها.


    وهذا ما يشهد به قول الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ *تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: 89)، ويشهد به أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ *لَنْ *تَضِلُّوا *مَا *تَمَسَّكْتُمْ *بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ رَسُولِهِ) (أخرجه مالك في الموطأ، وحسنه الألباني).

    وللحديث بقية إن شاء الله.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,485

    افتراضي رد: شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة



    شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة (٢)









    كتبه/ طارق علي

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد ذكرنا في المقال السابق قول الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ *تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: ??)، وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ *لَنْ *تَضِلُّوا *مَا *تَمَسَّكْتُمْ *بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ رَسُولِهِ) (أخرجه مالك في الموطأ، وحسنه الألباني)، وبينَّا أن ذلك يقتضي أن تكون شريعة الإسلام وافية بجميع الأحكام التي تحتاج إليها الأمم في تدبير شئونها وتنظيم حياتها، وأن تكون كذلك هذه الأحكام مهيمنة ومصلحة للحياة في تطورها، ومراحل تقدمها ورقيها.

    ولكن لا بد من التنبيه أنه ليس معنى ذلك، أن القرآن أتى بتفاصيل أحكام كل الوقائع والأحداث من وقت نزول التشريع حتى آخر الزمان، وإنما جاء القرآن بأحكام مفصلة في بعض المسائل التي تحتاج تفصيلًا، ولزومها للعالمين إلى يوم القيامة مقتضى حكمة وعزة الخبير العليم، وجاء معها أيضًا بقوانين عامة، ومبادئ كلية يمكن تحكيمها في كلِّ ما يعرض للناس في حياتهم اليومية؛ فهي مبادئ وقوانين محكمة ثابتة، كما أنها عامة كلية؛ وبذلك تكون صالحة لكل الأزمان والأحوال، والأمكنة والمجتمعات.

    أما التفصيلات التي تختلف فيها الأمم باختلاف أحوالها وأزمانها؛ فقد سكت عنها، ومع ذلك لم يغفل تفصيل ما يراه منها في حاجة إلى تفصيل، وهذا ليس قصورًا في الشريعة، بل هو قمة العدل وغاية الحكمة؛ حتى تكون كل أمة في سعة من أن تراعي فيها مصالحها الخاصة، وما تقتضيه حالها في ضوء المبادئ العامة للشريعة.

    لذلك قال الإمام الجويني: "للشرع مبنى بديع، وأسٌّ هو منشأ كل تفصيل وتفريع، وهو معتمد المفتي في الهداية الكلية والدراية، وهو المشير إلى استرسال أحكام الله على الوقائع مع نفي النهاية" (غياث الأمم في التياث الظلم).

    وللشيخ عبد الرحمن تاج -شيخ الأزهر الأسبق- كلام رائع في هذا السياق حيث يقول: "فالقرآن الذي هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي هو تبيان لكل شيء؛ من حيث إنه أحاط بجميع الأصول والقواعد التي لا بد منها في كل قانون ونظام، وذلك كوجوب العدل، والشورى، ورفع الحرج، ودفع الضرر، ورعاية الحقوق لأصحابها، وأداء الأمانات إلى أهلها، والرجوع بمهام الأمور إلى أهل الذكر والاختصاص، وما إلى ذلك من المبادئ العامة التي لا يستطيع أن يشذ عنها قانون يراد به صلاح الأمم وإسعادها، وهو تبيان لكل شيء من حيث إنه قد أحاط أيضًا بأصول ما يلزم لحفظ المقاصد التي لم تأت الشرائع السماوية ولم تنشأ القوانين إلا لخدمتها والمحافظة عليها؛ فإن عليها يقوم أمر الدين والدنيا، وبالمحافظة عليها ينتظم شأن الأفراد والمجتمعات؛ هي المقاصد الخمسة: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال".

    ثم قال -رحمه الله-: "ثم جاءت السنة توفي لذلك حقه من الشرح والبيان، والتكميل والتعليل، والتنظير وضرب الأمثال، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقيس ويجتهد؛ يجمع في الحكم بين المتماثلات، ويفرِّق بين المختلفات، ويربط الأشياء بنظائرها، ويلحق الفروع بأصولها، منبِّهًا -كما هو نمط القرآن- إلى علل الأحكام وأسرار التشريع" (السياسة الشرعية والفقه الإسلامي بتصرفٍ).

    وللحديث بقية إن شاء الله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,485

    افتراضي رد: شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة

    شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة (3)






    كتبه/ طارق علي السيد

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    قال عبد الرحمن تاج -شيخ الأزهر الأسبق-: "وقد عَلِم الصحابة أن أحكام الشريعة لها حِكَمها وأسرارها، ولها أسبابها وغاياتها، وأن نصوصها لها لب وروح؛ فلا يصح الوقوف منها عند حدود الألفاظ وصور العبارات مع إغفال اللب والثمرة؛ فإنها شريعة خالدة عامة؛ عامة في المرسل إليهم، تخاطب كل أصناف البشر، وعامة في المرسل به، أي: أنه رُوعي فيها حاجة الأمم في جميع العصور؛ فوجب أن تكون أحكامها وافية بهذه الحاجة في كل عصر وكل أمة، وهذا لا يكون إلا أن تفهم من نصوصها حق الفهم، وأن تستنبط من مصادرها على وجه يحقق ما تقصد إليه من تحصيل مصالح العباد".

    وقال: "وهكذا كان رجال الصدر الأول من المسلمين يفهمون الشريعة من مصادرها، ويستنبطون الفروع من أصولها، وهكذا كانوا يجدون في هذه المصادر والأصول الغناء والكفاية بأحكام ما يأتون وما يذرون، وما شعروا أنهم عاجزون -مع هذه الشريعة- أن يواجهوا ما كان يتوارد عليهم من الوقائع ومختلف النوازل، وكثير منها لم يكن لهم عهد به من قبل؛ بل كان من نتائج الفتح الإسلامي، وأثرًا من آثار اختلاط العرب بغيرهم من الأمم التي خضعت لسلطان الإسلام" (السياسة الشرعية والفقه الإسلامي، ص??-?? بتصرفٍ).

    وهذا ما أكَّد عليه الإمام ابن القيم من قبل حينما قال: "ومَن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل، الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من مصالح؛ تبيَّن له أن السياسة العادلة جزءٌ من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحَسُنَ فهمه فيها، لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة" (الطرق الحكمية، ص?).

    وبهذا يتضح لنا: أن شريعة الإسلام تصلح أن تكون أسسًا للنظم العادلة، وتتسع لتحقيق مصالح الناس في كل زمان ومكان، وليس هذا واضحًا عند علماء الإسلام فقط؛ بل أشاد به أيضًا جمع من المستشرقين؛ يقول الدكتور فتزجرالد: "ليس الإسلام دينًا فحسب، ولكنه نظام سياسي أيضًا، وعلى الرغم من أنه ظهر في العهد الأخير بعض أفراد من المسلمين ممَّن يصفون أنفسهم بأنهم عصريون، يحاولون أن يفصلوا بين الناحيتين؛ فإن صرح التفكير الإسلامي كله قد بُنِي على أساس أن الجانبين متلازمان، لا يمكن أن يُفْصَل أحدهما عن الآخر" (النظريات السياسية الإسلامية للريس، ص??).

    وقال الأستاذ نللينو: "لقد أسس محمدٌ في وقتٍ واحدٍ دينًا ودولة، وكانت حدودهما متطابقة طوال حياته" (النظريات السياسية الإسلامية، ص ??).

    وقال الدكتور شاخت: "إن الإسلام يعني أكثر من دين؛ إنه يمثِّل أيضًا نظريات قانونية وسياسية، وجملة القول إنه نظام كامل من الثقافة يشمل الدين والدولة معًا" (النظريات السياسية الإسلامية، ص ??).

    من كل ما سبق يتضح لنا: أنه صح للشريعة الإسلامية أن تسع كل مطالب الأمة وحاجاتها، واستقام للمجتهدين أن يجدوا فيها أصولًا وقواعد يستنبطون منها أحكامًا ونظمًا يعتمدون عليها في سياسة الأمة وتدبير شؤونها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •