اسم التفضيل في القرآن الكريم: دراسة دلالية
محمد عباس محمد عرابي




اسم التفضيل في القرآن الكريم

- دراسة دلالية -

إعداد: رياض الجبوري

عرض: محمد عباس محمد عرابي



اسم التفضيل في القرآن الكريم - دراسة دلالية - رسالة تقدم بها رياض يونس خلف الجبوري إلى مجلس كلية التربية في جامعة الموصل، وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير في اللغة العربية بإشراف الدكتور هاني صبري علي آل يونس عام 1426هـ.

وتقع هذه الرسالة ضمن الدراسات الدلالية في القرآن الكريم، وقد تم اختيار موضوعها لأهميته في الكشف عن الدلالات المتعددة لاسم التفضيل في الكتاب العزيز، وبيان الإشكال الحاصل لكثير من دلالاته في الآيات الكريمة، وسبب الإشكال فيها، وسبيل الخلاص منه.

ومنهج الدراسة يقوم على بيان التطور الدلالي موازنةً بين ما جاء في المعجم متمثِّلًا في الدلالة اللغوية لاسم التفضيل، وما جاء في الآية أو الآيات القرآنية متمثلًا في السياق القرآني، وهو أيضًا يقوم على تحليل التركيب النحوي لاسم التفضيل إذا كان معرفًا بـ (أل) أو مضافًا أو مقترنًا بـ (من)، وعلى بيان الفرق بين تركيب وآخر من تركيبات اسم التفضيل، وعلى هذا الأساس جاءت الخطة مكونة من تمهيد وثلاثة فصول وملحق وخاتمة.

أما التمهيد فقد قدم الباحث فيه اسم التفضيل بكل جوانبه قبل الانتقال إلى بيان دلالته، ومن أبرز موضوعاته: تعريف اسم التفضيل، وأركانه، واختلاف النحاة في جواز خلوه عن معنى التفضيل وعدم جواز ذلك، وشروط صوغه، وأحواله باعتبار ما يقترن به أو يضاف إليه.

أما الفصول الثلاثة فقد اعتمد الباحث في تصنيفها على المفضل عليه من حيث ذكره وحذفه؛ لأنه يعد ركنًا فيصلًا بين إرادة التفضيل، أو عدم إرادته عن طريق ذكره، أو عدم الالتفات إليه.

وبناءً عليه جاء الفصل الأول مصدرًا بعنوان: ما ذكر فيه المفضل عليه، فجميع أسماء التفضيل الواردة في هذا الفصل جاء بعدها المفضل عليه؛ إما مجرورًا بـ (من)، أو بالإضافة إلى اسم التفضيل.

ووقع الفصل الثاني تحت عنوان: ما حذف منه المفضل عليه، فأسماء التفضيل التي اشتمل عليها هذا الفصل لم يذكر معها المفضل عليه لفظًا، لكنه مذكور حكمًا يُلمح إليه بدلالة السياق، إلا إذا جاء اسم التفضيل من غير نظر إلى مفاضلة.

وكان المفضل عليه بين الذكر والحذف عنوانًا للفصل الثالث، فاسم التفضيل في هذا الفصل يذكر معه المفضل عليه في موضع، ويحذف في آخر.

ثم جاءت الخاتمة تلخيصًا لأهمِّ النتائج التي كان منها: إن مهمة التفضيل الأولى تفضيل شيء على آخر في أصل الوصف المشترك؛ لكنه أحيانًا يرد لقصر الصفة على الموصوف دون النظر إلى مقابله، وأن الصفة التي يقوم على أساس وجودها التفضيل، قد يشترك فيها المتفاضلان وقد يخلو منها أحدهما أو كلاهما، وأن المشاركة قد تكون حقيقية أو تقديرية أحيانًا اعتقادية وإن كان الاعتقاد باطلًا، وأن التفضيل قد يقع على سبيل التوهُّم؛ أي: توهُّم المشاركة بين المتفاضلين في أصل الوصف.

إن أهمية هذه الدراسة تكمُن في أنها أسهمت ببيان اسم التفضيل في أفصح الأساليب على الإطلاق؛ ألا وهو القرآن الكريم، فهو دراسة وصفية تطبيقية.

نتائج الدراسة:
توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:
مهمة التفضيل الأولى تفضيل شيء على آخر في أصل الوصف المشترك؛ لكنه أحيانًا يرد لقصر الصفة على الموصوف دون النظر إلى مقابله.

الصفة التي يقوم على أساس وجودها التفضيل، قد يشترك فيها المتفاضلان، وقد يخلو منها أحدهما، أو كلاهما؛ كما في قوله عز وجل: ﴿ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33].

المشاركة بين المتفاضلين قد تكون حقيقية؛ كقوله تعالى: ﴿ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ ﴾ [النحل: 92] أو تقديرية؛ كقوله تعالى: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]؛ أي: أقل بغضًا، أو اعتقادية وإن كان الاعتقاد باطلًا؛ كقوله تعالى: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ﴾ [التوبة: 108] على اعتقاد أن في مسجد الضرار حقًّا.

إن التفضيل بين شيئين في صفتين مختلفتين قد وقع في القرآن الكريم؛ كقوله عز وجل: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [الفرقان: 24]؛ أي: خيرية مستقر أصحاب الجنة وأحسنية مَقيلهم زائدة على شرية مستقر أهل النار ومقيلهم، وهو ما يسمونه بمثاله: "العسل أحلى من الخل"، أو على طريقة: "الصيف أحر من الشتاء".

أدَّى اسم التفضيل دورًا بارزًا في تنويع المعاني القرآنية عن طريق تجرُّده وعدم التصريح بالمفضول، وبما تضمَّنه من الدلالة على التفاوت والتفاضل الحاصل بأدنى مشاركة، وبهذا تتوسَّع دائرة المعاني بأيسر الألفاظ وأقل التركيبات.

كانت للدراسة وقفة مع الشواهد التي أوردها النحاة دليلًا على صحة خروج اسم التفضيل عن دلالته، فهي لم تدل على ذلك؛ بل أثبتت غيره، وهو أن الشعراء حين أرادوا استعمال اسم التفضيل غير مراد به معناه، أجْرَوا عليه شيئًا من التغيير، وأخرجوه عن وزنه الأول؛ ليؤدي معنى غير معنى التفضيل؛ كمعنى الصفة المشبهة، أو اسم الفاعل.

إن التفضيل قد يقع على سبيل التوهم؛ أي: توهُّم المشاركة بين المتفاضلين في أصل الوصف؛ كقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ [النور: 30] على توهُّم أن في النظر الحرام نفعًا.

إن بناء اسم التفضيل من العيوب الباطنة التي على وزن (أفعل) قد جاء في القرآن الكريم مما يثبت صحته، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 72]؛ أي: أشد عمى وأضل سبيلًا، وهو من عمى البصيرة.

إن اسم التفضيل (أشد) قد جيء به للوصول إلى المفاضلة، مع أن الاسم المنصوب بعد أشد على التمييز مما يصح صوغ اسم التفضيل من فعله؛ كقوله تعالى: ﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة: 74]، وكذلك أشد حرًّا، وأشد قوةً، وغيرها.

إبقاء اسم التفضيل الوارد على إطلاقه أبلغ في التفضيل.
إن القرآن الكريم قد شمل الإفراد والمطابقة في اسم التفضيل، ولم يقتصر على أحدهما.

تبين أنَّ قسمًا من أسماء التفضيل قد غاب عنه معنى التفضيل فصار اسمًا صريحًا، لا يدل على المشاركة والزيادة؛ كالدنيا، والقربى، والحسنى، في قوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]؛ أي: الجنة؛ ولهذا لم تجرِ على موصوف غالبًا.

كشفت الدراسة عن أسلوب القرآن الكريم في توسيع دلالة اسم التفضيل عن طريق مقابلته باسم تفضيل آخر يصرف معنى الأول إلى المعنى المقابل للثاني؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّه ُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ﴾ [السجدة: 21]، فالأكبر إنما يقابل بالأصغر، والأدنى يقابل بالأبعد.

أوضحت الدراسة أن تعدُّد جوانب المفاضلة في اسم التفضيل اقتضى ذكر المميز؛ لتعيين أحدها؛ كما في قوله تعالى: ﴿ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ﴾ [النساء: 11]، فلو لم يقل: ﴿ نفعًا ﴾ لاحتمل (أقرب) أن يكون في النسب أو المحبة، فلما قال: ﴿ نفعًا ﴾ انتفى غيره، مما يدل على أن اسم التفضيل من المبهمات التي تحتاج إلى مفسر.

إن من أسماء التفضيل ما يكون ظرفًا كأول وأسفل.
دلالة اسم التفضيل على الاشتراك والزيادة أقوى من مجرد الوصف الذي لا يدلُّ على الزيادة.
من أسماء التفضيل ما يستعمل في تجسيد المعاني وضرب الأمثال.
إن (آخر) قد انمحى عنه معنى التفضيل كليًّا، فاستعمل بمعنى (مغاير).
إن من أسماء التفضيل ما قد يقترن لمعاني الترغيب والترهيب أو التهديد والتهويل.
(أعلم) لم يذكر إلَّا والمفضل هو الله تعالى، فدلَّ على كمال علمه وإحاطته بجميع الأشياء.
(أزكى) لم يستعمل إلَّا في بيان العلاقات الاجتماعية، العامة والخاصة.
من أسماء التفضيل ما يكون صفة لله تعالى؛ نحو: الأول والأعلى والأكرم.

قد يقتضي السياق القرآني اسم تفضيل ما في تركيب لا يتناسب هذا الاسم والتركيب نفسه في سياق آية أخرى؛ كقوله تعالى: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217]، و﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 191].

يصح استعمالُ اسم التفضيل مرادًا به فردٌ بعينه أو جماعة خاصة بلغت أعلى مراتب المفاضلة مدحًا أو ذمًّا، ففي الإفراد جاء (أشقاها) وهو قُدار بن سالف، و(الأتقى) وهو أبو بكر رضي الله عنه، وفي الجماعة (أحرص الناس) وهم اليهود، و(الأرذلون) وهم أتباع نوح عليه السلام حسب اعتقاد الكفار.

اشتمل القرآن الكريم على اسم التفضيل بدلالاته المتعددة وصِيَغه المختلفة؛ كالإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، إلا صيغة (الفعليات) جمع (الفعلى)، فلم ترد فيه كما ضمَّ اسم التفضيل المضاف إلى المعرفة والنكرة، والمقترن بـ(من وأل)، ومجردًا من كل ذلك مما يدل على سَعة واهتمامٍ.