الاعتزاز بالإسلام

كان العرب في الجاهلية متفرقين فتوحدوا بالإسلام، كانوا أعداء فألف الله بين قلوبهم بفضل الإسلام، وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم الله بالإسلام فأصبح العرب بالإسلام وحدة رصينة، ودولة عظيمة وأمة متماسكة كريمة، وقوة ضاربة وجدت لها متنفسًا بالفتح الإسلامي العظيم فسارت راياتهم تجوب البلاد وتدعو الناس إلى الهدى والرشاد، وتحرير العالم وتمدن الناس فامتدت دولة الإسلام من سوريا شمالًا إلى المحيط جنوبًا ومن الصين شرقًا إلى فرنسا غربًا، كانوا ضعافًا فأصبحوا بالإسلام أقوياء، وكانوا أعداء فأصبحوا إخوة متحابين، كانوا مستعبدين فأصبحوا فاتحين، ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وفشت فيهم المنكرات فأصبحوا مستعمرين مستعبدين أذلاء غثاء كغثاء السيل {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] أصبح الكثير منهم يستوردون المبادئ من الشرق أو الغرب راغبين معرضين عن مبادئ القرآن، يتعشقون تراث الأجنبي ويقرون تراثهم، ويتدارسون تاريخ أعدائهم ويتركن تاريخ أسلافهم وراء ظهورهم!

أيها المسلمون، إن الدعوة التي تبناها المبشرون وعملاء الاستعمار الفكري وأذنابهم في إبعاد الدين الإسلامي عن الحياة السياسية والاجتماعية دعوة خبيثة هدفها إبعاد العرب عن الناحية المعنوية في حياتهم، فالعرب جسم والإسلام روحه، ولا حياة لجسم بلا روح، والذين يزعمون أنهم طردوا الاستعمار العسكري والسياسي والاقتصادي من بلادهم و يعملون ليل نهار على ترسيخ الاستعمار الفكري في بلادهم، لم يصنعوا شيئًا أكثر من إخراج الاستعمار من باب ضيق وإدخاله بمحض إرادتهم من باب أوسع، فما قيمة طرد الاستعمار ثم ترجمة قوانينه وتطبيقها حرفيًا، فهم في ذلك يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير. كيف نحارب الاستعمار ثم نستورد منه التحلل الخلقي؟ فيفسد جيلنا الصاعد، وتشيع بين أجيالنا الفاحشة والمنكر والرذيلة.

أيها المسلمون، عقوبة السارق في الإسلام قطع اليد، ولكن الجهلاء يقولون إن ذلك رجعية وهمجية - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرًا – ويقولون إنه لا يتفق مع روح القرن العشرين، وهو في الحقيقة لا يتفق مع تشريع النصارى وأشباههم الضالين المضلين.

فيا معشر المسلمين، لمصلحة من هذا التهافت الذليل؟ وأي استعمار فكري فاسد نعانيه؟ إن الذين ينادونه - بترك حدود الله - والذين يريدون إشاعة الفاحشة والتخنث في أبنائنا والسفور والخلاعة لبناتنا لا يخدمون إلا الاستعمار، وما يريد منهم الاستعمار أكثر من ذلك بعد مغادرته البلاد، إن عقيدتنا المستمدة من رسالة السماء وتاريخنا السنوي هو التطبيق العملي لتعليم الإسلام، وسلفنا هم الترجمة العملية لروح الإسلام، وإن تراثنا الذي هو حصيلة الفكر الإسلامي أعظم ما وجد على الأرض من عقائد وتاريخ وتراث، ونتحدى من يقول أو من يدعي خلاف ذلك، وإن الماضي هو أساس الحاضر والمستقبل فكيف نتنكر لماضينا المجيد؟. إن سلفنا سادوا بالإسلام عقيدة وعملًا وتضحية وفداء، ولن نسود نحن بغير ما ساد به سلفنا أبدًا مهما نبذل من المحاولات. إن الإسلام - أيها المسلمون - معجزة الدنيا ومعجزة العالم

يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم في كل مكان من الأرض، يجب أن تعتزوا بالإسلام فلا عزة لكم بسواه، يقول أمير المؤمنين عمر بن الحطاب رضي الله عنه: "نحن قومٌ أذلاء أعزنا الله بالإسلام فمتى طلبنا العزة بغيره أذلنا الله"، تمسكوا بالإسلام بكل معانيه يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بالإسلام يعيد الله لكم مجدكم وعزتكم وتقودون العالم كما فعل أجدادكم من قبل وصدق الله العظيم حيث يقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96] وإلى هؤلاء المنحرفين عن منهج القرآن والسنة من حكام ومحكومين أذكرهم و أنذرهم بما قاله رب العزة تبارك وتعالى حين يقول: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم: 45].

أيها المسلمون، وحد الله صفوف المسلمين من المحيط إلى الخليج تحت لواء الإسلام وجعل وحدتهم قاعدة رصينة لوحدة المسلمين، فالعرب بالإسلام كل شيء، والعرب دون الإسلام لا شيء، وبعزة الإسلام وقفوا صفًا واحدًا ضد أعدائهم الذين ظنوا أنهم قد نجحوا في تمزيق كيانهم وتفريق كلمتهم فخيب الله ظنهم ووقف العرب صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص متآخين متعاونين، فليعلم كل مسلم وفي مقدمتهم الشباب المثقف ثقافة عصرية أن من واجبهم إزاحة الستار الذي حجبنا عن كنوز تاريخنا الإسلامي الزاخر بالبطولات والتضحيات والذي تآمر عليه العدو من الخارج عن عمد وإصرار، أيها المسلمون، تاريخنا لو اعتنى به الأستاذ في مدرسته و العميد في جامعته لأنتجت لنا هذه المدارس وتلك الجامعات شبابًا قويًا في عقيدته، شامخًا في خلقه، أسدًا في بطولته، فذًا في استقامته، مفلحًا في قيادته، شبابًا بإمكانه أن يجمع بين صدق أبي بكر وقوة عمر وكرم عثمان وبساطة علي وحلم معاوية وشجاعة خالد وحنكة عمرو بن العاص وإقدام الزبير - رضي الله عنهم أجمعين - ولما أحاطت بنا هذه المشاكل الخطيرة التي نواجهها في كل قطر من بلاد المسلمين، ولكن الاستعمار الحقود وسماسرته من المحسوبين على المسلمين دبروا في غفلة منا - طال أمدها - خطة اغتيال لتاريخنا المجيد، ونجحوا في إهالة التراب عليه بأيدي رجال ينتسبون إلينا فلم يبثوا في مقررات التدريس إلا النيل من ماضي الإسلام والطعن فيه والتشهير بمن قادوا معارك الإسلام والحط من مكانتهم ومواقفهم العظيمة وتوسعهم في نشر ما يظنه خصومهم طعنًا في دينهم وأمانتهم، ولا نيأس عباد الله من روح الله فمن فضله سبحانه أن بعض القيادات العربية الإسلامية قد فطنت لذلك وأخذت تعيد النظر في المناهج التعليمية كلها ووضع مناهج جديدة ترد غربة شباب المسلمين إلى ماضيه المجيد وتثقفه ثقافة إسلامية تؤهله لأخذ مكانته اللائقة به في العالم، ولنقف عند قوله جل وعلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] فاللهم عونًا وتوفيقًا يهدينا إلى سبيلك، يقولي المصطفى صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسها النار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله»[1].


[1] سنن الترمذي (1639).
______________________________ ___________________
الكاتب: الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي