دراسة بناء الجملة وسيلة لا غاية


د. عصام فاروق



يلجأ بعضُ باحثينا عند تناولهم التراكيبَ النحوية - كعنصر أساسي من عناصر مستويات اللغة الأربعة (الصوتي - الصرفي - النحوي - الدلالي) - إلى دراسة بناء الجملة؛ من حيث بيان أنماطها، والأشكال المندرجة تحت هذه الأنماط، وذلك بعد تقسيم الجمل نفسها، كلٌّ بحسب رؤيته للتقسيم، ما بين بناء الجمل الاسمية في مقابل الجمل الفعلية، والمؤكدة في مقابل غير المؤكدة، والطلبية في مقابل الإنشائية، والمركبة في مقابل البسيطة.. إلخ.
لكن مِن اللافت للانتباه في بعض الأحيان توقُّف الباحثين عند تقسيم هذه الجملة بأي تقسيم، وليكن الجمل الفعلية والجمل الاسمية، ثم تقسيم كل واحدة من هذه إلى أنماط، والأنماط إلى أشكال، ولكل منها مثال من النماذج موضع الدراسة، ومما رأيتُه من ذلك التقسيم التالي بعض الباحثين:
أولًا: الجملة الفعلية المثبتة، وتحتها:
النمط الأول: فعل ماض+ فاعل، وتحته أشكال؛ منها:
الشكل الأول: فعل ماض+ فاعل ظاهر.
الشكل الثاني: فعل ماض+ فاعل مستتر.
النمط الثاني: فعل ماض+ فاعل+ مفعول به، وتحته أشكال؛ منها:
الشكل الأول: فعل ماض+ فاعل ظاهر+ مفعول به ظاهر.
الشكل الثاني: فعل ماض+ فاعل مستتر+ مفعول به ظاهر.
النمط الثالث: فعل مضارع+ فاعل، وتحته أشكال؛ منها:
الشكل الأول: فعل مضارع+ فاعل ظاهر.
الشكل الثاني: فعل مضارع+ فاعل مستتر.
ثانيًا: الجملة الفعلية المنفية، (وفيها أنماط وأشكال، وأمثلة).
ثالثًا: الجملة الفعلية المؤكدة، (وفيها أنماط وأشكال، وأمثلة).
كل ذلك جيدٌ لا بأس به، لكن أن يغلقَ الباحثُ الفصلَ أو المبحثَ أو المطلبَ على ذلك، دون أن يوجِّهنا إلى أهمية تلك الأنماط، وهذه الأشكال، أو بعبارة أخرى يتغافل عن توظيفها، فهو ما لا أراه مصيبًا.
أوضح فأقول: إن دراسة بناء الجمل في النصوص المتعددة من الأمور المهمة في التحليل النحوي، لكنها ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة، بمعنى أنها خطوة من المفترض أن تتبعها خطوة ذات أهمية، هي بيان أوجه التوظيف، ومن ذلك على سبيل المثال:
بيان مدى مراعاة المخاطَبين من خلال بناء الجملة وتنويعاتها التي تفرضها طبيعة هؤلاء الأشخاص، فعلى سبيل المثال ذكر الباحث في دراسة بعنوان: (بناء الجملة في رسائل النبي صلى الله عليه وسلم) أهميةَ موضوعه، بأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة، ومنهم البليغ والعيي، والذكي والغبي، والعميق والسطحي، والمتعلم والأمي، وكل هؤلاء وغيرهم لا بد أن يبلغهم النبي صلى الله عليه وسلم مرادَ ربِّه جل وعلا[1]، وإيصال تلك الرسالة الربانية إلى أنماط متعددة من البشر على ما بينهم من فروق فردية، يحتاج إلى عبقرية لغوية متميزة تعكسها نصوص أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم باختلاف بنائها، وتعدد أنماطها وأشكالها.
الحكم على جودة النصوص - شعرية كانت أو نثرية - من حيث اتساقُ بناء الجمل مع المعاني التي تؤديها، فالشاعر على سبيل المثال: "ليس ما يقوم به في سبيل بناء قصيدته عبثًا، ولكنه يجري أثناء بناء قصيدته موازنة دقيقة بين عددٍ من التراكيب، ويكون في ذهنه .. أنماط متعددة من التراكيب، وفي النهاية يختار عليها جميعًا ما يرتضيه ويقدِّمه في قصيدته، فهو يعني ما يقول .. وقد كان بوسعه أن يأتي بالجملة قصيرة، فاختار أن يأتي بها طويلة، وأن يأتي بالكلمة فاعلًا، فاختار أن يجيء بها مفعولًا له.. إلخ"[2].


[1] ينظر: مقدمة بناء الجملة في رسائل النبي صلى الله عليه وسلم دراسة نحوية؛ صالح بن حمد الفراج، رسالة دكتوراه مخطوطة، كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، 1423هـ.

[2] بناء الجملة العربية (312) بتصرف يسير، د. محمد حماسة عبداللطيف، دار غريب - القاهرة، 2003م.