متابعة نحوية بين العالم وابنه


د. معمر العاني


استقر في منهج الدارسين لعلماء اللغة أن يستهلُّوا دراستهم (الكتب، والرسائل الجامعية، والبحوث) بتمهيد عن حياة العالِم وشيوخه وتلاميذه ومؤلفاته.
والذي ابتغي الإلماح إليه أنهم ينأون عن بيان ذرية العالم اللغوي في كتابة التمهيد، ولو أقمنا على مدارسة هذه الجزئية لوجدنا عليها ذرية من النحاة يثرون الدرس النحوي مما لا يدخل في باب الحشو عند ذوي العلم والرجحان.
والقارئ الحصيف للمصنفات يلفي مضرب أمثال لإدراك هذه الوقفة، ومن صواب الإشارة مما لا يغيب عن كل دارس: ابنُ مالك صاحب الألفية الخالدة، وابنه بدر الدين الذي كان إماماً في النحو والمعاني والعَروض والمنطق، أخذ عن والده، ثم وقع بينهما جفوة فسكن بعلبك، فقرأ عليهم، فلما مات والده رحل إلى دمشق، وتولى وظيفة والده وتصدى للاشتغال والتصنيف، له شرح الألفية (ألفية ابن الناظم)، وشرح الكافية الشافية، ولم يتم شرح التسهيل. توفي سنة (٦٨٦).
ولا نمسك عن استكمال الفكرة بعد تنظيرها من الإتيان بمثال فيه جذوة التحليل بين الوالد وولده، وذلك في مسألة مطابقة ما بعد المفعول معه من خبر وحال لما قبله، إذ يلوح توجيه من متعدد يقضي بجواز إجراء واو (مع) واو العطف، فيطابق الأول، والمنصوب على معنى (مع) نحو: كان زيد وعمراً مذكورين، وجاء زيد وعمراً ضاحكين، وكنت وزيداً منطلقين، وسرت وزيداً راكبين.


وقد ذهب إلى ذلك الأخفش، واختاره ابن مالك، وتبعه ابنه بدر الدين....
والذي يعنينا أن نصل إلى صفوة من القول عمادها: إنها دعوة إلى الباحثين لتتبع العالِم وذريته فقد يصادفون مغمور العوائد، وصنوف العوارف، متخذين سبيلاً جامعاً يمكن أن نسميه (الآراء النحوية عند فلان وأبيه بين الموافقة والمخالفة).
ذلكم من مواظبة الاتصال، والنتقيب عن الآثار.