عبدالله بن سلام رضي الله عنه

وحيد بن عبدالله أبوالمجد

الإمام الحبر، عالم التوراة، أبو الحارث الإسرائيلي، من ذرية سيدنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، الصحابي الجليل المشهود له بالجنة.
كان عالمًا يهوديًّا من يهود بني القينقاع يُسمَّى حصينًا، وقد سمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما سمِعَ عبدالله بن سلام رضي الله عنه بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، أراد أن يختبره؛ ليعرف أهو الرسول المذكور في التوراة أو غيره؟ فذهب إليه وقال له: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمُها إلا نبيٌّ: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأُمَّه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أخبرني بهنَّ جبريل آنفًا))، قال عبدالله: ذاك عدوُّ اليهود من الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم: ((أمَّا أولُ أشراط الساعة فنارٌ تخرج من المشرق، فتحشر الناس إلى المغرب، وأمَّا أول ما يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وأما الشَّبه، فإذا سبقَ ماءُ الرجل نزع إليه الولد، وإذا سبقَ ماءُ المرأة نزع إليها))، قال عبدالله بن سلام: أشهد أنك رسول الله، وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي يبهتوني عندك، فأرسل إليهم، فاسألهم عني: أي رجل ابن سلام فيكم؟ قال: فأرسل إليهم، فقال: ((أي رجل عبدالله بن سلام فيكم؟))، قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وعالمنا وابن عالمنا، وأفقهنا وابن أفقهنا، قال: ((أرأيتم إن أسلم تسلمون؟))، قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فخرج ابن سلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قالوا: شرُّنا وابن شرِّنا، وجاهلُنا وابن جاهلِنا، فقال ابن سلام: هذا الذي كنت أتخوَّفُ منهم.
فها هم اليهود أهل إفْكٍ وكذِبٍ إلى يومنا هذا، قال الله تعالى منكرًا عليهم: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران: 21]، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو تابعني عشرة من اليهود، لم يَبْقَ على ظهرها يهوديٌّ إلَّا أسلم)).
من مناقبه رضي الله عنه:
أخرج الإمام أحمد في مسنده والترمذي من حديث يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت، قيل له: يا أبا عبدالرحمن، أوْصِنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، يقول ثلاث مرات: فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام الذي كان يهوديًّا ثم أسلم؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه عاشر عشرة في الجنة)).
وأخرج الترمذي بسنده عن عبدالملك بن عمير، عن ابن أخي عبدالله بن سلام، قال: إنه لما أُريد قتل عثمان رضي الله عنه، جاء عبدالله بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرك.
قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني، فإنك خارجًا خيرٌ لي منك داخلًا، فخرج عبدالله إلى الناس، فقال: أيها الناس، إنه كان اسمي في الجاهلية فلان، فسمَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله، ونزلت فيَّ آياتٌ من القرآن، فنزلت فيَّ: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ... ﴾ [الأحقاف: 10] الآية إلى آخرها، ونزلت فيَّ: ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]، إن لله سيفًا مغمودًا عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله لئن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة، وليسلن سيف الله المغمود عنكم، فلا يغمد إلى يوم القيامة، قالوا: اقتلوا اليهودي، واقتلوا عثمان رضي الله عنهما.
كانت وفاته بالمدينة سنة ثلاث وأربعين من الهجرة، رحمه الله ورضي عنه وعن الصحابة أجمعين.