تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: شرح قول الامام بعثه الله بالنذارة عن الشرك

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي شرح قول الامام بعثه الله بالنذارة عن الشرك

    قال الامام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله:
    (بَعَثَهُ الله بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، ويدعو إِلَى التَّوْحِيدِ،
    وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَاأَي ُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}،
    وَمَعْنَى: {قُمْ فَأَنْذِرْ}: يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إلى التوحيد.
    {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}: أي: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ.
    {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}: أَيْ طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عن الشِّرْكِ.
    {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}: الرُّجْزَ: الأَصْنَامُ، وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلُهَا).
    الشرح
    ومما يعرف به النبي صلى الله عليه وسلم: معرفة ما بُعث به،
    فالنبي صلى الله عليه وسلم: (بعثه الله بالنذارة عن الشرك) بجميع أنواعه، والتحذير من أسبابه المفضية والموصلة إليه،
    (و) بعثه الله تعالى: (يدعو إلى التوحيد)؛ بإفراد الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته،
    (والدليل) على أن الله تعالى بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم؛ ليُنْذِر ويُحذِّر من الشرك، ويدعو إلى التوحيد:
    قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.
    أورد الامام محمد ابن عبد الوهاب
    جملة مما يُعرف به النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظمها وأعلاها:
    معرفة ما بُعث به صلى الله عليه وسلم؛
    وأنه بعث بالنذارة عن الشرك، والدعوة إلى التوحيد،

    وهو المقصود من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم،
    وقدَّم المصنف النذارة عن الشرك قبل الدعوة إلى التوحيد؛ لأن هذا مدلول كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)؛
    ولأن الآيات الآتية تضمنت التقديم في قوله تعالى: (قم فأنذر)؛ فهذا أمرٌ بالنذارة من كل ما يُحْذَر،
    وأعظم ما يُحذر هو الشرك؛
    وفي قوله تعالى: (وربك فكبر) أمرٌ بتكبير الله وتعظيمه، وأعظم ما يُكبَّر الله به هو التوحيد،
    فبدأ بجانب الشرك؛ لكون العبادة لا تصح مع وجود المنافي، فلو وجدت، والمنافي لها موجود لم تصح، فالتخلية قبل التحلية
    ثم ثنَّى بالتوحيد؛ لأنه أوجب الواجباتوأهم المهمات ، ولا يُرْفَع عملٌ إلا به.
    قال الامام محمد ابن عبد الوهاب:
    وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}،
    وهذا استدلال من المصنف على أنه صلى الله عليه وسلم بُعث بالإنذار عن الشرك، والدعوة إلى توحيد الله جل وعلا،
    والمدثر هو: الملتحف بأغطيته وملابسه؛ لأنه جاءه الملك وهو على هذه الحال، وقد بين المصنف -رحمه الله تعالى-
    معنى الآيات محل الاستدلال، وتوقف عن بيان بقية الآيات؛
    لأن المقصود قد حصل فيما يستدل له ببيان الآيات الأربع؛
    فقال: (ومعنى: {قُمْ فَأَنْذِرْ}: ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد):
    وهذه أول آية أرسل بها عليه الصلاة والسلام، فصار الواجب عليه هنا الإنذار؛
    ثم قال: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}، أي: عظمه بالتوحيد):
    وأصل الكلام: (كبِّر ربك)، فقدَّم المفعول على العامل فيه وهو الفعل، فدل على الاختصاص، أي: خُصَّ ربك بالتكبير بتعظيمه بالتوحيد وإخلاص الدين له ، فهو جل وعلا أكبر من أن يكون له شريك ،
    فالله سبحانه أكبر من كل شيء ذاتاً و قدراً ومعنى وعزة وجلالة؛
    فهو أكبر من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله؛ كما هو فوق كل شيء وعال على كل شيء
    ، وأعظمُ من كل شيء، وأجلُّ من كل شيء في ذاته وصفاته .
    والتكبير جاء في القرآن على خمسة موارد:
    الأول:
    تكبير الله جل وعلا في ربوبيته،
    أي: اعتقاد أنه جل وعلا أكبر من كل شيء يُرى أو يُتوهم أو يُتصور أنه موجود، فهو أكبر من كل شيء في ربوبيته، وفي ملكه، وفي تصريفه لأمره في خلقه، وفي رزقه، وفي إحيائه، وفي إماتته، إلى آخر معاني الربوبية، فلا مُنازع له في الربوبية؛
    فقوله تعالى:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}
    يدخل فيه أولاً: اعتقاد أن الله جل وعلا أكبر من كل شيء في مقتضيات ربوبيته.
    الثاني:
    تكبير الله جل وعلا في ألوهيته،
    أي:
    اعتقاد أن الله جل وعلا أكبر من كل شيء في استحقاقه الإلهية والعبادة وحده دون غيره،
    فإن العبادة صُرفت لغير الله، وهو جل وعلا أكبر، وأعظم وأجل من كلِّ هذه الآلهة التي صُرفت لها أنواع من العبادة.
    الثالث: تكبير الله جل وعلا في أسمائه وصفاته،
    أي:
    اعتقاد أنَّ الله عز وجل أكبر من كل شيء في أسمائه وصفاته، فإنه في أسمائه أكبر من كل ذوي الأسماء،
    فالأشياء لها أسماء، لكن أسماء الله جل وعلا أكبر من ذلك، لما فيها من الحسن، والعظمة، والجلال، والجمال، ونحو ذلك؛
    وكذلك في الصفات، فصفاته عُلا، كما قال جل وعلا: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [6]
    ، أي: له الاسم الأعلى، وله النعت الأعلى، وقال جل وعلا: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [7]،
    وقال جل وعلا: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [8]، ونحو ذلك.
    الرابع:
    تكبير الله جل وعلا في قضائه وقدره الكوني؛
    فقضاؤه وقدره له فيه الحكمة البالغة، فالله جل وعلا في قضائه وقدره بما يحدثه في ملكوته هو أكبر؛ وأما ما يقضيه ويقدّره العباد لأنفسهم، فإن هذا يناسب نقص العبد.
    الخامس:
    تكبير الله جل وعلا في شرعه وأمره،
    وهو اعتقاد أن الله جل وعلا أكبر وأعظم فيما أمر به ونهى عنه من كل ما يحكم به العباد، أو يأمر العباد به وينهون عنه.
    ولهذا صارت هذه الكلمة: (الله أكبر) من شعارات المسلمين العظيمة، يدخلون في الصلاة بها، ويرددونها في الصلاة،
    وهي من الأوامر الأولى التي جاءت للنبي عليه الصلاة والسلام
    قال جل وعلا له: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}؛
    وباجتماع هذه المعاني الخمسة؛ يتبين أن قول المصنف هنا: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}، أي: عظّمه بالتوحيد):
    هذا التفسير والبيان من أحسن وأعظم ما يكون؛ لأن معاني التكبير هي معاني التعظيم، وتلك المتعلقات هي التوحيد بأنواعه،
    فصار تفسير المصنف هنا للتكبير، مناسباً ملائماً واضح الدلالة
    قال المصنف:
    {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}، أي: طهر أعمالك عن الشرك: والآية لها تفسيران مشهوران:
    الأول:
    أن المراد بها تطهير الثياب الملبوسة من النجاسات، وقد نُقل هذا التفسير عن بعض السلف.
    والثاني:
    أن المراد بها تطهير النَّفْس والعمل،
    وهذا قول جمهور المفسرين من السلف:
    أن المراد بالثياب هاهنا: القلب، والمراد بالطهارة: إصلاح الأعمال والأخلاق؛
    وهو ما اختاره المصنف هنا؛ بدلالة السياق في الآيات؛
    فإنه جل وعلا قدَّم بتعظيمه فقال: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}، ثم قال: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}،
    ثم أعقبه بقوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}؛
    فكان المناسب بين الآيتين أن يكون معنى قوله عز وجل: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي: طهر أعمالك من الشرك؛
    لأنه يناسب ما قبله وما بعده، فإن ما قبله فيه الإنذار وتعظيم الله جل وعلا بالتوحيد،
    وما بعده فيه تركٌ للرُّجْزِ وهجر للأصنام والبراءة منها،
    فالجميعُ في البراءة من الشرك، والنهي عنه، والدعوة والالتزام بالتوحيد.
    وهناك قول ثالث ذهب إليه جمع من المفسرين،
    وهو اختيار ابن تيمية –رحمه الله تعالى-:

    أن الآية تعم الأعمال، واللباس؛
    فيكون المعنى: طهر أعمالك من كل ما ينجسها، وطهر ثيابك التي تلبسها من كل نجاسة،
    فيكون مأموراً بتطهير الثياب والبدن والنفس .

    قال المصنف: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}
    الرجز: الأصنام،
    وهجرها: تركها، والبراءة منها وأهلها:
    الرّجز: الأصنام؛ كما نُقل عن ابن عباس رضي الله عنهما،
    ونقل عن غيره من السلف أنها: الأوثان ؛
    فهي: اسمٌ عام لما يُعْبَدُ من دون الله، من صنم أو وثن،
    فيشمل: ما عُبِدَ من دون الله مما كان على هيئة صورة، وما لم يكن مصوراً على هيئة صورة.
    والهجر أصله:
    الترك والمفارقة، فأمر الله عز وجل بالترك والمفارقة للأصنام والأوثان،
    وهذه الأمر بالهجر لا يختص بعبادة الأصنام، بل يعم كل ما يتخذ من الآلهة من دون الله؛
    لأن العلة فيهما واحدة، وهي عبادة غير الله جل وعلا؛
    أي:
    أُتْرك المعبودات من دون الله، ويلزم من ذلك أن يترك أهلها، ويتبرأ منها ومن أهلها؛
    يعني: اتركها واترك أهلها، وتبرأ منها وأهلها
    فهجر المعبودات من دون الله يقوم على أربعة أصول:
    الأول: تركها وترك أهلها.
    والثاني: فراقها وفراق أهلها،
    وفي الفراق قدرٌ زائد على الترك؛ لأن المفارق مباعد، بخلاف التارك فإنه قد يترك ولكنه لا يفارق.
    والثالث: البراءة منها ومن أهلها.
    والرابع: عداوتها وعداوة أهلها،
    وفيه زيادة على سابقه بإظهار العداوة؛ لأن المتبرئ قد يُعادي وقد لا يعادي،
    ففي هذا اللفظ معنى زائد ليس في سابقه-منقول من شرح الاصول الثلاثة لفهد المرشدى

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: شرح قول الامام بعثه الله بالنذارة عن الشرك

    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
    أصل دين الإسلام وقاعدته أمران: الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، والتحريض على ذلك ، والموالاة فيه ، وتكفير من تركه.
    الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله ، والتغليظ في ذلك ، والمعاداة فيه ، وتكفير من فعله.
    والمخالفون في ذلك أنواع ؛
    فأشدهم مخالفة من خالف في الجميع.
    ومن الناس من عبد الله وحده ، ولم يُنكر الشرك ، ولم يعادِ أهله.
    ومنهم من عاداهم ، ولم يُــكفِّــرهم.
    ومنهم من لم يحب التوحيد ، ولم يبغضه.
    ومنهم من كـفَّرهم ، وزعم أنه مسبةٌ للصالحين.
    ومنهم من لم يبغض الشرك ، ولم يحبه.
    ومنهم من لم يعرف الشرك ، ولم ينكره.
    ومنهم من لم يعرف التوحيد ، ولم ينكره.
    ومنهم - وهو أشد الأنواع خطرًا – من عمِل بالتوحيد ، لكن لـم يَعرف قـدره ، ولـم يُبغض من تركه ، ولم يكفرهم.
    ومنهم من ترك الشرك ، وكرهه ، ولم يعرف قدره ، ولم يعاد أهله ، ولم يكفرهم.
    وهؤلاء قد خالفوا ما جاءت به الأنبياء ، من دين الله سبحانه وتعالى
    الشرح
    قال الشيخ عبد الرحـمـٰن بن حسن رحـمه الله تعـالى شارحا رحمه الله تعالى:
    قوله رحمه الله تعالى:
    أصل دين الإسلام وقاعدته أمران:
    الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، والتحريض على ذلك ، والموالاة فيه ، وتكفير من تركه.
    قلت: وأدلة هذا في القرآن أكثر من أن تحصر ، كقوله تعالى -قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله الآية .
    أمر الله تعالى نبيه أن يدعو أهل الكتاب إلى معنى «لا إلـٰه إلا الله» الذي دعا إليه العرب وغيرهم.
    والكلمة هي «لا إلـٰه إلا الله» ، ففسرها بقوله ألا نعبد إلا الله ، فقوله ألا نعبد ؛ فيه معنى «لا إلـٰه» ، وهو نفي العبادة عما سوى الله.
    وقوله «إلا الله» ، هو المستثنى في كلمة الإخلاص.
    فأمَرَهُ تعالى أن يدعوهم إلى قصر العبادة عليه وحده ونفيها عمَّن سواه ، ومثل هذه الآية كثير ، يُبين أن الإلـٰهية هي العبادة ، وأنها لا يصلح منها شيء لغير الله ،
    كما قال تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، معنى قضى: أمر ووصَّى ، قولان ، ومعناهما واحد.
    وقوله ألا تعبدوا ؛ فيه معنى «لا إلـٰه».
    وقوله إلا إياه ؛ فيه معنى «إلا الله».
    وهذا هو توحيد العبادة ، وهو دعوة الرسل إذ قالوا لقـومهم أن اعبدوا الله مالكم من إلـٰه غيره إياه .
    فلا بد من نفي الشرك في العبادة رأسا ، والبراءة منه وممن فعله ، كما قال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام ﴿وإذ قال إبراهيم لأبيه وقـومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني﴾ ، فلا بد من البراءة من عبادة ما كان يعبد من دون الله.
    وقال عنه عليه السلام وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ، فيجب اعتزال الشرك وأهله بالبراءة منهما ،
    كما صرح به في قوله تعالى قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينـكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ، والذين معه هم الرسل ، كما ذكره ابن جرير.
    وهذه الآية تتضمن جميع ما ذكره شيخنا رحمه الله ، من التحريض على التوحيد ، ونفي الشرك ، والموالاة لأهل التوحيد ، وتكفير من تركه بفعل الشرك المنافي له ، فإن من فعل الشرك فقد ترك التوحيد ، فإنهما ضدان لا يجتمعان ، فمتى وجد الشرك انتفى التوحيد.
    وقد قال تعالى في حال من أشرك وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ،
    فكفره تعالى باتخاذ الأنداد وهم الشركاء في العبادة ، وأمثال هذه الآيات كثيرة ،
    فلا يكون موحدا إلا بنفي الشرك ، والبراءة منه ، وتكفير من فعله.
    ثم قال رحمه الله تعالى:
    الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله ، والتغليظ في ذلك ، والمعاداة فيه ، وتكفير من فعله.
    فلا يتم مقام التوحيد إلا بهذا ، وهو دين الرسل ، أنـذروا قومهم عن الشرك ،
    كما قال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ،
    وقال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـٰه إلا أنا فاعبدون
    ، وقال تعالى واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه أن لا تعبدوا إلا الله .
    قوله: في عبادة الله.
    العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.
    قوله: والتغليظ في ذلك.
    وهذا موجود في الكتاب والسنة ، كقوله تعالى ففروا إلى الله إني لكم منـه نذير مبين * ولا تجعلوا مع الله إلـٰها آخر إني لكم منه نذير مبين ،
    ولولا التغليظ لما جرى على النبي وأصحابه من قريش ما جرى من الأذى العظيم ،
    كما هو مذكور في السير مفصلا ، فإنه بادَئهم بسبِّ دينهم وعيب آلهتهم.
    قوله رحمه الله تعالى: والمعاداة فيه.
    كما قال تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ، والآيات في هذا كثيرة جدا ، كقوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، والفتنة الشرك.
    ووسم تعالى أهل الشرك بالكفر فيما لا يحصى من الآيات ،
    فلا بد من تكفيرهم أيضا ، وهذا هو مقتضى «لا إلـٰه إلا الله» ، كلمة الإخلاص ،
    فلا يتم معناها إلا بتكفير من جعل لله شريكا في عبادته ، كما في الحديث الصحيح: من قال لا إلـٰه إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله ؛ حَـرُم ماله ودمه ، وحسابه على الله.
    فقوله (وكفر بما يعبد من دون الله) تأكيد للنفي ، فلا يكون معصـوم الدم والمال إلا بذلك ،
    فلو شك أو تردَّد لم يُعصم دمه وماله.
    فهذه الأمور هي تـمام التوحيد ، لأن «لا إلـٰه إلا الله» قُـــيِّدت في الأحـاديث بقيود ثِقال ؛ بالعلم ، والإخلاص ، والصدق ، واليقين ، وعدم الشك ، فلا يكون المرء مُوحدا إلا باجتماع هذا كله ، واعتقاده ، وقبوله ، ومحبته ، والمعاداة فيه ، والموالاة ،
    فبمجموع ما ذكره شيخنا رحمه الله يحصل ذلك.
    ثم قال رحمه الله تعالى:
    والمخالف في ذلك أنواع ، فأشدهم مخالفة من خالف في الجميع.
    فقبل الشرك واعتقده دينا ، وأنكر التوحيد واعتقده باطلا ، كما هو حال الأكثر ، وسببه الجهل بما دل عليه الكتاب والسنة من معرفة التوحيد وما ينافيه من الشرك والتنديد واتباع الأهواء وما عليه الآباء ، كحال من قبلهم من أمثالهم من أعداء الرسل ، فرموا أهل التوحيد بالكذب والزور والبهتان والفجور ، وحجتهم بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون .
    وهذا النوع من الناس والذي بعده قد ناقضوا ما دلت عليه كلمة الإخلاص وما وضعت له ، وما تضمنته من الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ، وهو دين الإسلام الذي بعث الله به جميع أنبيائه ورسله ، واتـفقت دعوتهم عليه ، كما لا يخفى فيما قص الله عنهم في كتابه.
    ثم قال رحمه الله:
    ومـن الناس من عبد الله وحده ، ولم ينكر الشرك ، ولم يعادِ أهله.
    قلت: ومن المعلوم أن من لم ينكر الشرك لم يعرف التوحيد ، ولم يأت به ، وقد عرفتَ أن التوحيد لا يحصل إلا بنفي الشرك والكفر بالطاغوت المذكور في الآية.
    ثم قال رحمه الله تعالى:
    ومنهم من عاداهم ولم يُــكَــفِّــرْ هم.
    فهذا النوع أيضا لم يأت بما دلت عليه «لا إلـٰه إلا الله» من نفي الشرك ، وما تقتضيه من تكفير من فعله بعد البيان إجماعا ، وهو مضمون سورة الإخلاص وقل يا أيها الكافرون ، وقوله في آية الممتحِنة-كفرنا بكم.
    ومـن لم يُـكَفِّر من كَـفَّر القرآن فقد خالف ما جاءت به الرسل من التوحيد وما يوجبه.
    ثم قال رحمه الله:
    ومنهم من لم يحب التوحيد ، ولم يبغضه.
    فالجواب:
    أن من لـم يـحب التوحيد لم يكن مُوحِّدا ، لأنه هو الدين الذي رضيه الله تعالى لعباده ، كما قال: ورضيت لكم الإسلام دينا ،
    فلو رضي بما رضي به الله وعمل به لأحبه ، ولابد من المحبة لعدم حصول الإسلام بدونها ، فلا إسلام إلا بمحبة التوحيد.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله:
    الإخلاص محبة الله وإرادة وجهه ، فمن أحب الله أحب دينه ، وما لا فلا ، وبالمحبة يترتب عليها ما تقضيه كلمة الإخلاص من شروط التوحيد.
    ثم قال رحمه الله تعالى:
    ومنهم من لم يبغض الشرك ولم يحبه.
    قلت: ومن كان كذلك فلم ينف ما نفته «لا إلـٰه إلا الله» من الشرك والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه ؛ فهذا ليس من الإسلام في شيء أصلا ، ولم يُعصم دمه ولا ماله ، كما دل عليه الحديث المتقدم.
    وقوله رحمه الله:
    ومنهم من لم يعرف الشرك ولم ينكره.
    قلت: مـن لم يعرف الشرك ولم ينكره لم ينفه ، ولا يكون موحدا إلا من نفى الشرك ، وتبرأ منه وممن فعله ، وكفَّرهم ، وبالجهل بالشرك لا يحصل شيء مما دلت عليه «لا إلـٰه إلا الله» ،
    ومن لم يقُم بمعنى هذه الكلمة ومضمونها فليس من الإسلام في شيء ، لأنه لم يأت بهذه الكلمة ومضمونها عن علم ويقـين وصدق وإخلاص ومحبة وقبول وانقياد ، وهذا النوع ليس معه من ذلك شيء وإن قـال «لا إلـٰه إلا الله» ،
    فهو لا يعرف ما دلت عليه ولا ما تضمنته.
    ثم قال رحمه الله تعالى:
    ومنهم من لم يعرف التوحيد ولم ينكره.
    فأقول: هذا كالذي قبله ، لم يرفعوا رأسا بما خلقوا له من الدين الذي بعث الله به رسله ،
    وهذه الحال حال من قال الله فيهم إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا .
    وقوله رحمه الله:
    ومنهم – وهو أشد الأنواع خطرا – من عمل بالتوحيد ، ولم يعرف قَدره ، فلم يبغض من تركه ، ولم يكفرهم.
    فقوله رحمه الله:
    (وهو أشد الأنواع خطرا) ، لأنه لم يعرف قدر ما عمِل به ،
    فلم يجيء بما يصحح توحيده من القيود الثقال التي لابد منها ، لِما علِمت أن التوحيد يقتضى نفي الشرك ، والبراءة منه ، ومعاداة أهله ، وتكفيرهم مع قيام الحجة عليهم ،
    فهذا قد يُـغتر بحاله ، وهـو لم يجيء بما عليه من الأمور التي دلت عليها كلمة الإخلاص نفيا وإثباتا.
    وكذلك قوله رحمه الله:
    ومنهم من ترك الشرك وكرهه ولم يعرف قدره.
    فهذا أقرب من الذي قبله لكن لم يعرف قدر الشرك ، لأنه لو عرف قدره لفعل ما دلت عليه الآيات المحكمات ،
    كقول الخليل إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني ،
    وقوله إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا .
    فلا بد لمن عرف الشرك وتركه من أن يكون كذلك ؛ من الولاء والبراء من العابد والمعبود ، وبغض الشرك وأهله وعداوتهم ،
    وهذان النوعان هما الغالب على أحوال كثير ممن يدعى الإسلام ،
    فيقع منهم من الجهل بحقيقته ما يمنع الإتيان بكلمة الإخلاص وما اقتضته على الكمال الواجب الـذي يكون به موحداً ،
    فما أكثر المغرورين الجاهلين بحقيقة الدين.
    فإذا عرفت أن الله كفَّر أهل الشرك ووصفهم به في الآيات المحكمات ، كقوله
    ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ، وكذلك السُّـــنة.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
    (إن أهل التوحيد والسنة يُصدِّقونهم فيما أخبروا ، ويطيعونهم فيما أمروا ، ويحفظون ما قالوا ، ويفهمونه ويعملون به ، وينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ويجاهدون من خالفهم ، ويفعلون ذلك تقرباً إلى الله طلباً للجزاء من الله لا منهم.
    وأهل الجهل والغلو لا يميزون بين ما أمروا به ونهوا عنه ، ولا بين ما صح عنهم وما كُذِب عليهم ، ولا يفهمون حقيقة مرادهم ، ولا يتحرون طاعتهم ومتابعتهم ، بل هم جهال بما أتوا به ، معظمون لأغراضهم) .
    قلت:
    ما ذكره شيخ الإسلام يشبه حال هذين النوعين الأخيرين.
    بقي مسألة حدثت ،
    تكلم بها شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو عدم تكفير المعين ابتداءً ، لسبب ذكره رحمه الله تعالى أوجب له التوقف في تكفيره قبل إقامة الحجة عليه.
    قال رحمه الله تعالى:
    فإن بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لـم يشرع لأمته أن يدعو أحداً من الأموات ، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم ، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها ، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها ، كما أنه لم يَشرع لأمته السجود لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك ، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور ، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله.

    ولكن لغلبة الجهل ، وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين ؛ لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يُبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه. انتهى.
    قلت: فذكر رحمه الله تعالى ما أوجب له عدم إطلاق الكفر عليهم على التعيين خاصة إلا بعد البيان والإصرار ، فإنه قد صـار أمة وحده ، لأن من العلماء من كفَّره بنهيه لهم عن الشرك في العبادة ، فلا يمكن أن يعاملهم بمثل ما قال ،
    كما جرى لشيخنا محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في ابتداء دعوته ،
    فإنه إذا سمعهم يدعون زيدًا بن الخطاب قـال: (الله خير من زيد) ،تمرِينًا لهم على نفي الشرك بلين الكلام ، نظرًا إلى المصلحة وعدم النفرة ، والله سبحانه أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعـلى آله وصحبة وسلم.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: شرح قول الامام بعثه الله بالنذارة عن الشرك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    وأهل الجهل والغلو لا يميزون بين ما أمروا به ونهوا عنه ، ولا بين ما صح عنهم وما كُذِب عليهم ، ولا يفهمون حقيقة مرادهم ، ولا يتحرون طاعتهم ومتابعتهم ، بل هم جهال بما أتوا به ، معظمون لأغراضهم) .
    قال الشيخ عبد الله الغنيمان
    فليس للخلق حجة، وإذا علم الإنسان أن الله أرسل رسولاً وأنزل كتاباً وجب عليه أن يبحث عن ذلك، ويجب عليه وجوباً،
    ولا يجلس ينتظر ويقول:
    حتى يأتيني أحد يبين لي، أو يقول: أنا ما جاءني أحد، ما أحد بين لي،يجب عليك أن تبحث أكثر من طلب الطعام والشراب، فلو أن الإنسان جلس في بيته لا يطلب ما يأكل ولا يشرب ومات، فإنه يعد قاتلاً لنفسه، فكيف إذا جلس وترك دين الله؟!
    هذا أعظم إثماً من كونه يترك الأكل والشرب، فالذي يحبس نفسه عن الأكل والشرب حتى يموت يقال: إنه قاتل لنفسه.
    فتارك دين الله أعظم من ذلك، فالله جل وعلا يسأل الناس كلهم، قال تعالى: {فلنسألن الذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:٦]، كلهم يسألون، وقد جاءت نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا وضع في قبره يسأل عن ربه وعن نبيه وعن دينه،
    فيقال: من تعبد؟ وبأي دين تعبد؟ ومن الذي جاء بهذا الذي تتعبد به؟ هل جاءك به أحد أو هو من عند نفسك؟ إن المسألة ليست مسألة اختراع ونظر وقياس ونظر إلى المجتمع وفعل ما يروق له، المسألة تكليف من الله جاءنا من السماء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب علينا
    كتاب شرح فتح المجيد للغنيمان
    [عبد الله بن محمد الغنيمان]



الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •