تصغير (غلمة) على غير القياس


ميهوب صالح فنيش



يقول مُرْتَضَى الزَّبيدي: "وتصغيرُ الغُلامِ: غُلَيِّمٌ، وتصغيرُ الغِلْمةِ أُغَيْلِمةٌ على غَيرِ مُكَبَّرِهِ، كأنَّهُم صَغَّرُوا أَغْلِمةً، وإنْ كانوا لم يقولوه، كما قالوا: أُصَيْبِيةٌ في تَصْغِيرِ صِبْيةٍ، وبَعضُهم يَقُول: غُلَيْمةٌ على القياس؛ كما في الصِّحاح، قال ابن برِّي: وبَعْضُهُم يقول: صُبَيَّةٌ أيضًا"... ويقول في موضعٍ آخرَ: "وتصغير صِبْية بالكسر: صُبَيَّة، في القياس، وقد جاء في الشعرِ أُصَيْبِية، كأنَّه تصغير أُصْبِية؛ قال الحطيئةُ:
ارحَمْ أُصَيْبِيَتِي الذين كأنَّهم *** حَجْلَى تَدَرَّجُ في الشَّرَبَّةِ وُقَّعُ[1]
كما في الصِّحاح، وفي المحكم: تصغيرُ صِبْيةٍ: أُصَيْبِيةٌ، وتصغيرُ أَصْبِية: صُبَيَّة، كلاهما على غيرِ قياسٍ، هذا قولُ سيبويه، وعندي أنَّ صُبَيَّةً تصغيرُ صِبْيةٍ وأُصَيْبِية تصغير أُصْبِيةٍ، ليكون كل شيء منهما على بِناءِ مُكَبَّرِه" [2].
سُمِعَ في كلام العرب ألفاظٌ جاءت مُصَغَّرةً على غير البناء المكبَّر، فلم تُصغَّر على قياس مُكَبَّرِها المستعمل في الكلام، بل على أصول لم يُنْطَقْ بها[3]؛ نحو: (أُضَيْبِع) تصغير (ضَبْع)، و(أُغَيلِمة) و(أُصَيْبِية) في تصغير (غِلْمة) و(صِبْية) كما حدَّ قول مُرْتَضَى الزَّبيدي السابق، فقد نُقِل عن الصَّرفيين أن لفظة (أُصَيْبِية) هي تصغير (صِبْية)، ولفظ (أُغَيْلِمة) هي تصغير لـ(غِلْمة).
وقد صَغَّر (صِبْية) على القياس، فقال: (صُبَيَّة)، ذكر ذلك سيبويه وقال في باب "ما يحقَّر على غير بناء مُكَبَّره الذي يستعمل في الكلام: "ومن ذلك قولهم في صِبْية: أُصَيْبِيةٌ، وفي غِلْمةٍ: أُغَيْلِمةٌ، كأنَّهم حقَّروا أَغْلِمةً وأَصْبِيةً، وذلك أنَّ (أَفْعِلة) يُجمَع به (فُعالٌ) و(فَعيلٌ)، فلمَّا حقَّرُوه جاؤوا به على بناء قد يكون لـ(فُعالٍ) و(فَعيلٍ)، فإذا سمَّيتَ به امرأةً أو رجلًا حَقَّرْتَهُ على القياس، ومن العرب من يُجريه على القياس فيقول: (صُبَيَّة) و(غُلَيْمةٌ)، وقال الرَّاجز[4]:
صُبَيَّةً على الدُّخان رُمْكا *** ما إنْ عَدا أصغرُهم أنْ زكَّا" [5]
وكذلك أشار المبرد إلى أكثر من تصغير صحيح لـ(غِلْمة)، و(صِبْية) بقوله: "إذا حقَّرْتَ (غِلْمة)، فالأجود أن تردَّهُ إلى بنائه فتقول: (أُغَيْلِمة)، وكذلك (صِبْية)، ولو قلت: (صُبَيَّة)، و(غُلَيْمة) على اللَّفظ كان جيدًا حَسَنًا"[6].
وقد ذهب الرضي الأسترباذي إلى أنَّ: "أُغَيْلِمة وأُصَيْبِية في تصغير (غِلْمة) و(صِبْية) شاذَّانِ والقياس(غُلَيْمة) و(صُبَيَّة)، ومن العرب مَن يجيء بها على القياس"[7].
ومرد الخلاف في تصغير (غُلام) راجع إلى صيغة جمعه؛ حيث إنَّ لفظ (غُلام) يُجمَع على طريقتين: (غِلْمة)، و(أَغْلِمة)، ولكلِّ صيغة منهما طريقةٌ في تصغيره؛ لذلك رأى فريقٌ أنه من الشذوذ أن يُصَغَّر (غِلْمة)، و(صِبْية) على أُغَيْلِمة، وأُصَيْبِية، ووجه الشذوذ عندهم يكون على ثلاثة مسالك:
أمَّا الأوَّل: إنَّه قد استُغنِي بجمع (غُلام) على (غِلْمة) عن (أغْلِمة)، جاء عند سيبويه قوله: "وغُلام، وغِلْمان، ولم يقولوا: أَغْلِمة، استغنوا بقولهم: ثلاثة غِلْمة، كما استغنوا بـ(فِتْية) عن أن يقولوا: أفتاء"[8].
وأمَّا الثاني: إنَّه قد صُغِّر (غُلام) على (أُغَيْلِمة) على غير مُكَبَّرِه؛ قال ابن يعيش: "وقالوا: (أُغَيلِمة) في تصغير (غِلْمة)، كأنَّهم صغَّروا (أغْلِمة) ... وذلك أنَّ (غُلامًا)، (فُعالًا) مثل غُراب .... وباب (فَعِيْل) أن يُجمَعَ في القِلَّة على (أَفْعِلة)؛ مثل: أَغْرِبة، وأَقْفِزة، فكأنَّهم لَمَّا أرادُوا التصغير صغَّرُوه على أصل الباب؛ إذ التصغير ممَّا يَرُدُّ الأشياء إلى أصولها"[9].
وأمَّا الأخيرُ، فإنه قد زِيدَت همزة في (أُغَيْلِمة)، كما يرى المبرِّد (ت285هـ) بقوله: "فأمَّا (غُلام)، فيُستغنى أنْ يُقالَ فيه: أغْلِمة بقولهم: غِلْمة؛ لأنَّها لأدْنى العَدَد، ومجازهما واحدٌ، إلَّا أنَّكَ حذفْتَ الزِّيادة"[10].
وهو ما وافقه فيه ابن الحاجب (ت464هـ)، وأشار إليه بزيادة الهمزة، وذلك بقوله: "وجاء في بعض الأسماء تصغير على خلاف القياس على خلاف ما ذُكِرَ، وحكمه السَّماع ... وفي أُغَيْلِمة، وأُصَيْبِية زادوا همزة"[11].
وتعليق مُرْتَضَى الزَّبيدي (ت1205هـ) على (أُغيلمة)، كونه تصغير (غِلْمة) يُعبِّر عن استيعابه لهذه المسألة، وكونه يرى ما رآه المبرد في عدم الشذوذ.
وأمَّا ما كان فُعالًا، فإنَّه في بناء أدنى العدد بمنزلة فِعالٍ؛ لأنَّه ليس بينهما شيء إلَّا الكسرُ والضَّم، وذلك قولك: غُرابٌ وأَغْرِبةٌ، وخُرَاجٌ وأَخْرِجةٌ، وبُغاثٌ وأَبْغِثةٌ، فإذا أردْتَ بناء أكثر العدد كسَّرته على (فِعْلان)، وذلك قولك: غُرابٌ وغِرْبانٌ، وخُراجٌ وخِرْجانٌ، وبُغاثٌ وبِغْثانٌ، وغُلامٌ وغِلْمانٌ، ولم يقولوا: أَغْلِمةٌ، استغنوا بقولهم: ثلاثةُ غِلْمةٍ، كما استغنوا بفِتْيةٍ عن أن يقولوا: أَفْتاءٌ[12].
ولم يقولوا: (أَغْلِمةٌ)، كأنَّهم استغنَوا عنه بـ(غِلْمةٍ)؛ لأنَّ (غِلْمة) على زنةِ (فِعْلة)، وهو من أبنية أدنى العدد، وربما رُدَّ في التصغير إلى الباب، يقولون: (أُغَيْلِمة)[13].
وقالوا: (أُغَيْلِمةٌ)، و(أُصَيْبِيةٌ) في تصغير (غِلْمةٍ)، و(صِبْيةٍ)، كأنَّهم صغَّروا (أَغْلِمةً)، و(أَصْبِيةً)، وذلك أنَّ (غُلامًا) (فُعال)؛ مثل: (غُرابٍ)، و(صَبِيٌّ) (فَعِيلٌ)؛ مثل: (قَفِيزٍ)، وبابُ (فُعالٍ) و(فَعِيلٍ) أن يُجمَعَ في القِلَّة على (أفْعِلة)؛ مثل: (أَغْرِبة)، و(أَقْفِزة)، فكأنَّهم لَمَّا أرادوا التصغير، صغَّروه على أصل الباب؛ إذ التصغيرُ ممَّا يَرُدُّ الأشياء إلى أصولها؛ قال الشاعر:
ارْحَمْ أُصَيْبِيَتِي الذين كأنَّهم *** حِجْلَى تَدَرَّجُ في الشَّرَبَّةِ وُقَّعُ
فهو يرى أنَّ مثل هذه الجزئيات قد تخفى على غير العارف بعلم التصريف، فللتصغير شروطٌ ومواضعُ تختلف بحسب نوع الكلمة ونوع الحروف التي تتركَّب منها، فإن جهل بها الدَّارس، كان تكليفُه بها كتكليفه عِلْمَ ما لا يعلم.


[1] من البحر الكامل، نُسِبَ لعبدالله بن الحجاج الذبياني يخاطب عبدالملك بن مروان في خبر له معه، وجاءت نسبته في لسان العرب، مادة (حجل): ج11/ 143 ومادة (صبا): ج14/ 450، وبذلك وهم الزَّبيدي (ت1205هـ) نسبته إلى الحطيئة، فقد أكَّدت بعض كتب النحو صِحَّة هذه النسبة لعبدالله.

[2] معجم التكملة والذَّيل والصِّلة لما فات صاحب القاموس من اللُّغة، مادة (غ ل م): ج7/5، ومادة (ص ب و): ج8 /181.

[3] المقرب: 485.

[4] البيت من بحر الرَّجز، لرؤبة بن العجاج، في ديوانه: 120...وهو في الديوان: غُلَيْمةٌ بدلًا من صُبَيَّةً

[5] الكتاب: ج3 /486.

[6] المقتضب: ج2/ 209.

[7] شرح شافية ابن الحاجب (ت646هـ): ج1 /278.


[8] الكتاب: ج3 /603.

[9] شرح المفصل: ج5 /133-134.

[10] المقتضب: ج2 /209.

[11] الإيضاح في شرح المفصل: ج1 /583.

[12] الكتاب: ج3 /603.

[13] شرح المفصل؛ لابن يعيش: ج5 /41.