في النحو العربي تعليما


د. معمر العاني





يمكن اقتضاب المقصد بالخبر والتعليق، ومما يُقرِّب المتناول ما لحظتُه في قول الجاحظ "وأما النحو، فلا تُشغِل قلبَه (قلب الصبي) منه إلا بِقَدْر ما يؤدِّيه إلى السلامة من فاحش اللَّحْن، ومن مقدار جهل العوامِّ في كتاب إن كتبه، وشِعْر إن أنشدَه، وشيء إن وصَفَه، وما زاد على ذلك فهو مشغلةٌ عمَّا هو أَولى به، ومذهل عمَّا هو أراد عليه منه، ومن روايات المثل والمشاهدة، والخبر الصادق، والتعبير البارع...".

لقد أنبأنا الجاحظ - بالحكمة - إلى ملمح في اللسانيات التربوية على صعيد تعليم النحو العربي في المراحل الأولى من الدراسة (الابتدائية)، وذلكم في تفريقه بين النحو عِلْمًا وتعليمًا، وما على المختصِّين إلَّا أن يأخُذوا بآلية تلقين الطلاب النصوصَ السهلةَ الفصيحةَ المعبِّرة عن حياتهم اليومية، من غير الإفراط بالتقعيد المعياري؛ وبذا نصِلُ إلى سَنَدٍ وثيقٍ في أولويَّة التعليم، وبالحرص على ربط المسائل بنظائرها يُمكن أن نُمعن النظر في رواية ورَدَتْ عن ابن خالويه حين جاءه رجل قائلًا :"أريد أن أتعلَّم من العربية ما أُقيم به لساني، فأجابه ابن خالويه على البديهة: أنا منذ خمسين سنة أتعلم النحو، وما تعلَّمْتُ ما أُقيمُ به لساني".

هذا حال ابن خالويه عالم النحو - أيُّها الفضلاء - لم تكن عينُه في غطاء عن واقعيةٍ في تلقِّي النحو، وكذا الجاحظ في وعيه بوسائل ضبط النحو: نطقًا وكتابة، وتعليمًا واستعمالًا.