صوم التاسع من ذي الحجة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإنه لمن عظيم فضل الله تعالى على عباده أن شرع لهم من حين لآخر مواسم الطاعات، ومتاجر العبادات، فكان من لطيف فضله وتمام نعمته علينا أن أوجب على المسلمين عبادة الحج لمن استطاع إليه سبيلا، وجعله في أحسن أيام السنة، في أيام العشر، وإتماما لنعمته على غير الحاجين جعلهم يشاركون الحجاج في بعض الفضل، بالأضحية، وكثرة الأجر في تلك الأيام العشر، فشرع صوم التاسع من ذي الحجة، فعن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده "رواه مسلم .
فصومه رفعة في الدرجات ، وتكثير للحسنات ، وتكفير للسيئات، فهذا يوم واحد يسير صومه، كثير أجره، فحري بالمسلم ألا يضيع هذا الفضل الكبير على نفسه، وليبادر إلى صومه.
وقد اختلف أهل العلم فيمن كان عليه قضاء من رمضان: هل يبدأ بالقضاء، أم يصوم ويؤجل القضاء حين يتيسر؟ قولان لأهل العلم:
فذهب الحنفية إلى جواز المبادرة بصوم الأيام الفاضلة كستٍّ من شوال، والتاسع من ذي الحجة، والعاشر من محرم، بناء على أن قضاء رمضان وقته موسع، يمكن للعبد أن يصوم في أي وقت من السنة، بخلاف تلك المواسم فإنها تفوت بفوات وقتها.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة صوم التطوع قبل القضاء، لحديث ورد في ذلك عند أحمد.
والذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- أنه لا بأس بصوم التطوع قبل القضاء؛ لأن الله تعالى وسَّع في القضاء، وإن كانت المبادرة بالقضاء أولى، لكن لا يصل الحال إلى كراهة التطوع قبل القضاء، كيف وقد صرَّح الله تعالى في كتابه العزيز بكون القضاء يكون على السعة، فقال تعالى: ( فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) وهذا غير مقيد بأي وقت، وهو ما يسمى بالواجب الموسع، فلم نضيق على عباد الله ما جعله واسعا؟!
ويجب أن نعلم أن فضل صوم التاسع إنما هو لغير الحاج، أما الحاج فلا يجوز أن يصوم يوم عرفة، بل يتقوى على العبادة والدعاء ويفطر، فقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة " رواه أحمد وابن ماجه وفيه ضعف.
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث عائشة رضي الله عنها قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات ".
ويقوي هذا الأمر ما في الصحيحين: " أن الناس شَكُّوا في صومه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأُرسل إليه بقدح من لبن فشربه ضحى يوم عرفة، والناس ينظرون " .
قال ابن عمر رضي الله عنهما: "لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، وأنا لا أصومه".
وهل يجزئ أن يصوم عرفة بنية قضاء رمضان، ويحصل الأجرين؟
الأحوط إفراد صوم عرفة بنية، غير نية القضاء ليحصل على الأجر في الأمرين، وهذا لا يمنع أن يصوم التاسع بنية القضاء، لكن لا يظهر أنه يحصل له أجر صوم عرفة إلا إذا أفرده، والله تعالى أعلم.
تنبيه:

كما أود التنبيه على أن تكفير السيئات المذكور في الحديث إنما هو فيما يتعلق بحقوق الله تعالى التي يقصِّر فيها العبد، حيث بُنيت على العفو والمغفرة، وهل يدخل فيها الكبائر والصغائر، أم الصغائر فقط؟ قولان، وفضل الله واسع.

أما حقوق العباد فقد بُنيت على المشاحة، فلا يكفِّرها إلا أداؤُها لأهلها، أو عفوُ مستحقِيها عنها، والله الموفق.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي