الترجمة والثقافة
أسامة طبش




لا شكَّ أن الحديث عن الترجمة يستجلِب الحديثَ عن الثقافة؛ فالثقافة هي مِدادُها ومضمونُها وعنوانُها في الكثير من الأحيان، وسنعمل نحن من خلال هذه الأسطر على تبيان علاقة الترجمة بالثقافة، وكيف تُسهم الترجمة في تعزيز وإثراء وزيادة الوعي بالثقافة في المجتمع، وسنبدأ أولًا بضَبْط مفهوم كلٍّ من الترجمة والثقافة، ثم نخوض في صُلْب الموضوع لاحقًا؛ لتتَّضِحَ الرؤية في ذهن القارئ.


الترجمة هي عملية نقل خطاب شفوي أو مكتوب، يحمل معنًى ومعارفَ وثقافةً في مضمونه، من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف، وتكون الغاية من هذه العملية الترجمية الربط والتواصُل والتبادُل بين مجتمعين يختلفان من حيث اللغة، وكذا الخلفية الثقافية؛ لبناء جسرٍ متينٍ بينهما.


أما الثقافة فهي تلك العادات والتقاليد والأعراف والقيم والمبادئ التي تتناقَلُها الأجيال جيلًا بعد جيلٍ في مجتمع ما، وذلك بغرض حِفْظ التواصُل، وصيانة التُّراث، وتعزيز الوعي بالوجود، في إطار عام وثريٍّ.


تتناول الترجمة العديد من النصوص أثناء القيام بها، لا سيَّما تلك المتعلِّقة بالجانب الأدبي؛ كالنثر والشعر مثلًا، ولقد كسَرَت الترجمة الحواجز الموهومة التي تفصِل المجتمعات، فأصبحت تُمكِّن من التواصُل المباشر في ظلِّ العولمة والانفتاح؛ مما عزَّز عملية التبادُل والتلاقُح الثقافي، فمنح زَخْمًا لا يُستهان به على مستوى الثقافة المحلية، ونستجلب في هذا السياق القصص المشوقة والأشعار الراقية التي فتحت نافذةً على الآخر، ومكَّنت من التعرُّف عليه والتلذُّذ بما تجود به إبداعاتُه، فكل مجتمع يزخَر بمفكريه ومُبدعيه الذين يعملون على توصيل أفكاره ورسائله.


لا يقتصر الأمر على الجانب الأدبي؛ بل النصوص العلمية تمنح أيضًا نظرةً عن المنجزات والاكتشافات التي تُوُصِّل إليها، وأبرز مثال عن ذلك الترجمة التبسيطيَّة، فلو حلَّلنا مضامينها، لوجدناها مملوءة بالمعلومات العلمية التي تشدُّ عضُدَ النهضة العلمية بالمجتمع، وتُرقِّيه حضاريًّا وثقافيًّا، وهنا يكون المجتمع قد بلغ مرحلةً مُتقدِّمةً من الوعي، تُرشِّحُه لأن يكون في صدارة المجتمعات المثقَّفة؛ فالاستفادة مما يُنجَز عند الآخر يدفع نحو ارتقاءٍ فاعلٍ ورصينٍ.


العناية بالترجمة وتفعيل آلياتها ووسائلها، وتشجيع المترجمين، واختيار ثُلَّة من المتمكِّنين منهم، يضطلعون بترجمة أهم الكتب الصادرة عالميًّا - هو خُطْوة جادَّة إلى الأمام، فالمترجم باطِّلاعه على مختلف النصوص، ودِرايته الواسعة بقيمتها، يختار وبدقَّة ما يلزم أن يُترجَم، وهذا مشروع الواقع المجتمعي بحاجة ماسَّة إليه، ويعد مُوجِّهًا ومُسيِّرًا لدَفَّات قاربه إلى شاطئ الأمان، فمحاولة السعي إلى رسم سياسة عامة في هذا السياق، تؤدي المطلوب منها، وتُحقِّق الأهداف المرجوَّة من خلالها.


لا توجد ثقافة دون ترجمة، ولا توجد ترجمة دون ثقافة؛ فهما كالجسد والرُّوح، فالثقافة هي قلب الترجمة ولبُّها الفاعل، وعندما تَبرُزُ الترجمة وتنطلق بأدوارها، تتعزَّز الثقافة، وتبلغ مستوًى رفيعًا وراقيًا، فتعزيز الترجمة هو إثراء للثقافة، كما أن الترجمة تَنشَط عن طريق الثقافة بالضرورة، وهكذا يتمُّ التفاعُل بينهما، ولهما أدوارٌ يُؤدِّيانها، وهو ما يَخلُق جوًّا من الحياة العلمية والثقافية بالمجتمع.