الخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية

د. فؤاد بن يحيى الهاشمي


(الخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية:


كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه مثل:
من اعتقد ان الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته.
أو اعتقد أن الله لا يرى لقوله: {لا تدركه الأبصار}، ولقوله: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب}، كما احتجت عائشة بهاتين الآيتين على انتفاء الرؤية في حق النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يدلان بطريق العموم، وكما نقل عن بعض التابعين أن الله لا يرى وفسروا قوله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} بأنها تنتظر ثواب ربها كما نقل عن مجاهد وأبي صالح.
أو من اعتقد ان الميت لا يعذب ببكاء الحي لاعتقاده أن قوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} يدل على ذلك وأن ذلك يقدم على رواية الراوي أن السمع يغلط كما اعتقد ذلك طائفة من السلف والخلف.
أو اعتقد ان الميت لا يسمع خطاب الحي لاعتقاده أن قوله: {إنك لا تسمع الموتى} يدل على ذلك.
أو اعتقد ان الله لا يعجب كما اعتقد ذلك شريح لاعتقاده أان العجب انما يكون من جهل السبب والله منزه عن الجهل.
أو اعتقد ان عليا أفضل الصحابة لاعتقاده صحة حديث الطير وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم ائتني بأحب الخلق اليك يأكل معي) من هذا الطائر.
أو اعتقد ان من جس للعدو وعلمهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم فهو منافق كما اعتقد ذلك عمر في حاطب وقال: (دعني أضرب عنق هذا المنافق).
أو اعتقد ان من غضب لبعض المنافقين غضبة فهو منافق كما اعتقد ذلك اسيد بن حضير في سعد بن عبادة وقال: (إنك منافق تجادل عن المنافقين).
أو اعتقد أن بعض الكلمات او الآيات انها ليست من القرآن أن ذلك لم يثبت عنده بالنقل الثابت كما نقل عن غير واحد من السلف أنهم أنكروا ألفاظا من القرآن كإنكار بعضهم: {وقضى ربك} وقال: إنما هي: {ووصى ربك}، وإنكار بعضهم قوله: {واذ أخذ الله ميثاق النبيين}، وقال: إنما هو ميثاق بني إسرائيل، وكذلك هي في قراءة عبد الله وإنكار بعضهم: {أو لم ييئس الذين آمنوا}، إنما هي {أو لم يتبين الذين آمنوا}، وكما أنكر عمر على هشام بن الحكم لما رآه يقرا سورة الفرقان على غير ما قرأها، وكما انكر طائفة من السلف على بعض القراء بحروف لم يعرفوها حتى جمعهم عثمان على المصحف الإمام.
وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي لاعتقادهم أن معناه أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به وأنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي؛ لكونهم ظنوا أن الإرادة لا تكون إلا بمعنى المشيئة لخلقها وقد علموا أن الله خالق كل شيء؛ وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن والقرآن قد جاء بلفظ الإرادة بهذا المعنى وبهذا المعنى لكن كل طائفة عرفت أحد المعنيين وأنكرت الآخر.
وكالذي قال لأهله: (إذا أنا مت فأحرقوني: ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين)، وكما قد ذكره طائفة من السلف في قوله: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} وفي قول الحواريين: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء}.
وكالصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: (هل نرى ربنا يوم القيامة؟)، فلم يكونوا يعلمون أنهم يرونه؛ وكثير من الناس لا يعلم ذلك؛ إما لأنه لم تبلغه الأحاديث وإما لأنه ظن أنه كذب وغلط)[1].



[1]) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (20/33- 36).