المرأة والأسرة – 1249
الفرقان
التشاور بين الزوجين
التشاور بين الزوجين من أهم عوامل استقرار الأسرة واستمرارها؛ فالشورى منهج حياة في ديننا الإسلامي، قال -سبحانه وتعالى-: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم} (الشورى:38)، وإن أولى الناس بالمشاورة هم الأشخاص المنوط بهم تحمل المسؤولية في البيت، وهما الزوجان.
وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الكثير من المواقف العملية حول مشاورته لأزواجه، لنا فيها الكثير من العبر والدوس، فعن المسور بن مخرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بعد صلح الحديبية: «يا أيها الناس، انحروا واحلقوا»، فما قام أحد، ثم عاد بمثلها، فما قام رجل، حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل على أم سلمة فقال: «يا أم سلمة، ما شأن الناس؟»، قالت: «يا رسول الله، قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنسانًا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق، فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك»، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكلم أحدًا حتى أتى هديه فنحره، ثم جلس، فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون، فكان رأي أم سلمة -رضي الله عنها- رأيًا موفقًا ومشورة مباركة، وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة ما دامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة؛ فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شئونها، قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (الشورى:38)، وفي قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمشورة زوجته أم سلمة تكريم للمرأة، التي يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام لم يعطها حقها وتجاهل وجودها، وهل هناك اعتراف واحترام لرأي المرأة أكثر من أن تشير على نبي مرسل، ويعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشورتها لحل مشكلة واجهته في حياته؟! الأسرة اللبنة الأساس للمجتمع
الأسرة المسلمة هي اللبنة الأساس في بناء الفرد الصالح والمجتمع الراشد؛ فهي المأوى الكريم الذي هيأه الحق -سبحانه وتعالى- للبشر من ذكر وأنثى، يستقر فيه ويسكن إليه، وبقدر ما تكون الأسرة صالحة متماسكة يكون المجتمع قويا ومتماسكًا؛ لذلك اعتنى الإسلام بالأسرة منذ اللحظات الأولى، وحثّ على إقامتها على الأسس المتينة التي تضمن لها السعادة والسكينة. من الأخطاء التي تقع في الحياة الزوجية
من الأخطاء التي تقع في الحياة الزوجية، مما يهدد استقرارها وطمأنينتها، الرأي المستبد والتعصب المستمر؛ حيث يستبد أحد الطرفين برأيه، ولا يقبل أي مناقشة فيه، ويطلب تنفيذه حتى ولو كان خطًأ، وفى الواقع إن استبداد الزوج أو الزوجة بالرأي، والإصرار على أن يخضع الطرف الآخر لهذا الرأي دون مناقشة أو مجادلة، حتى ولو كان خطًأ، فإن هذا يجعل الحياة جحيمًا، ويزيد من التباعد بين الطرفين، ويقتل عروق المحبة بينهما؛ لأن الحياة الزوجية ليست أوامر تنفذ، وفروضًا يجب أن تطاع، وليست استبدادًا أو تملكًا وإنما هي مشاركة في كل شيء، في: الرأي، واتخاذ القرارات، ومحاولة تقريب كل منهما إلى الآخر، ودخول كل طرف إلى أعماق نفس الآخر، وفي محاولة فهم كل منهما حتى يستطيعا أن يصلا إلى بر الأمان، والحب يسودهما، والهدوء يملؤهما، والاستقرار والهناءة والسعادة طريقهما. أروع ما يمكن للمرأة أن تتزين به
أروع ما يمكن للمرأة أن تتزين به هو الحياء؛ فالحياء سياج يصون كرامة المسلمة، ويحفظ لها سلوكها وأقوالها، وبهذا ترتفع عن السفاسف، وعندما يخرق هذا السياج ويذهب الحياء فإن المقاييس جميعها يصيبها الخلل، ويصدر عن المسلمة، عندئذ، ما لا يتناسب مع تفردها وتميزها، والتكريم الذي كرمه الله -تعالى- بها، وزوال الحياء من قلوب النساء هي مشكلة كبيرة في حد ذاتها، سببت كثيرًا من الإفساد بين المسلمين، وما كان من سبب لهذا الفساد، وذهاب هذا الحياء إلا تنحية الشريعة، والابتعاد عن منهج الله -جل وعلا-. أساس الحياة الزوجية
الأساس في الحياة الزوجية أن يبلغ الزوجان من التفاهم والتجاوب والتلاحم حتى يصير الاثنان شخصًا واحدًا، بدليل قوله -تعالى-: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}، وقوله -تعالى-: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (البقرة:187)، وتأمل قوله: {مِنْ أَنْفُسِكُم} ولزوم اللباس للشخص تجد هذا المعنى وأكثر، والغاية من الحياة الزوجية تجدها في بقية الآية: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} فالسكن والأمن والاستقرار، والتجاوب والسعادة والهدوء، والاطمئنان والسلامة، والصحة والمودة والمرحمة، والتعاون والإخاء، والشفقة والاعتصام، كل هذه المعاني من عطاء الآية، بل عطاؤها أكثر، وهو الغاية من الزواج، لابد إذن أن تنبع التربية والتعليم من هذا المنطلق في الآية، وهو أساس الزواج والغاية منه، وعند ذلك تكون التربية سلوكًا جادًّا، ويكون التعليم توجيهًا صادقًا سليمًا. تأثير وسائل الإعلام على قيم الأسرة
تؤدي وسائل الإعلام -بشتى أنواعها- دورًا كبيرًا في تكوين الوعي المجتمعي، سواء أكانت الرسالة سلبية أم إيجابية؛ فالإعلام سلاح ذو حدين، إما أن يسهم في تعزيز القيم والعادات السليمة وترسيخها ، وإما أن يكون معول هدم لها؛ لذلك على الأبوين الانتباه للتأثيرات السلبية للإعلام التي يتعرض لها أفراد الأسرة ومن هذه التأثيرات: التأثير العَقَدي، من خلال تلاعب بعض المحطات الإعلامية بعقائد المسلمين، وتشويه أُسُسِها وضوابطها، وكذلك التأثير الأخلاقي القِيَمي، من خلال نشر الرذيلة والفساد، وأيضًا التأثير الاقتصادي الاستهلاكي، من خلال الحملات الدعائية ونشر الثقافة الاستهلاكية وتغيير أنماط الأسرة تجاهها. أم سليم بنت ملحان الأنصارية -رضي الله عنها-
هي أم سليم بنت ملحان الأنصارية، أم أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شهدت مشاهد عدة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منها: أحد، وحنين، وكان أبو طلحة قد خطبها وهو يومئذ مشرك، فقالت له: مثلك لا يرد، ولكنك مشرك، فإن أسلمت قبلتك، وكان ذلك صداقي، أما تعلم -يا أبا طلحة- أن آلهتكم لا تضر ولا تنفع، ولو أشعلت فيها النار، لاحترقت؟ فانصرف عنها، وفي قلبه من كلامها شيء، ثم أتاها، وقال لها: قبلت الذي عرضت عليّ، فتزوجها على الإسلام، فما كان لها مهر غير ذلك، ولها -رضي الله عنها- قصة معروفة مع زوجها أبي طلحة وابنه، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي (مريض)، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة، قال: ما فعل ابني، قالت أم سليم -وهي أم الصبي-: هو أسكن ما كان، فقربت له العشاء، فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ، قالت: واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة، أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما، فولدت غلامًا، فقال لي أبو طلحة: احمله؛ حتى تأتي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبعث معه بتمرات، فقال: أمعه شيء؟ قلت: نعم، تمرات، فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمضغها، ثم أخذها من فيه، فجعلها في فيّ الصبي، ثم حنكه، وسماه عبدالله، فقال رجل من الأنصار: فرأيت له تسعة أولاد، كلهم قد قرؤوا القرآن من أولاد عبدالله المولود.