من أقوال السلف في الشهوة


فهد بن عبد العزيز الشويرخ


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فقد غُرِس في قلب الإنسان حبّ الشهواتِ ابتلاءً واختباراً, قال الله عز وجل: ﴿ { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} ﴾ [آل عمران:14] قال العلامة العثيمين رحمه الله: حكمة الله عز وجل في ابتلاء الناس بتزيين حب الشهوات لهم...ووجه الحكمة: أنه لولا هذه الشهوات التي تنازع الإنسان في اتجاهه إلى ربه لم يكن للاختبار في الدين فائدة. فلو كان الإنسان لم يغرس في قلبه أو في فطرته هذا الحب لم يكن في الابتلاء في الدين فائدة, لأن الانقياد إلى الدين إذا لم منازع يكون سهلاً ميسراً."
وحب هذه الشهوات يكون محموداً إذا استخدمها الإنسان في طاعة الله والتقرب إليه, يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: النساء...إذا كان القصد بهن الاعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه, مندوب إليه,...وحب البنين...تارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك فهذا محمود ممدوح,...وحب المال...تارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات فهذ ممدوح محمود شرعاً...
ويكون حب هذه الشهوات مذموماً إذا صدت الإنسان عن دينه, وواقع البعض يظهر هذا فقد افتتنوا بها, وخصوصاً: شهوة الناس, وشهوة المال, وشهوة الرياسة.
للسلف أقوال عن الشهوة اجمالاً, وعن شهوة النساء خصوصاً لأن الفتنة بهن أشدّ يسر الله الكريم فجمعتُ بعضاً من أقوالهم, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
تعريف الشهوة:
& قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الشهوة: هي ميل النفس إلى ما يلائمها وتلتذ به, وقد تميل كثيراً إلى ما هو محرم, كالزنا, والسرقة, وشرب الخمر.
& قال العلامة العثيمين رحمه الله: الشهوات هي ما تميل إليه النفس من غير تعقل ولا تبصر ولا مراعاة لدين ولا مراعاة لمروة....فالزنى والعياذ بالله شهوة الفرج, تميل إليها النفس كثيراً,...وكذلك شرب الخمر تهواه النفس وتميل إليه...وكذلك حب المال...فإذا سرق الإنسان...فلرغبة أن يستولي المال الذي ترغبه نفسه...ومن ذلك الغش من أجل أن يزيد ثمن السلعة, فهذا تهواه النفس فيفعله الإنسان الاستطالة على الناس والعلو عليهم والترفع عليهم, كل إنسان يحب هذا وتهواه النفس.
الشهوة أصل الشر:
& قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الغفلة والشهوة أصل الشر, وقال: الشهوة والغضب مبدأ السيئات.
& قال العلامة ابن القيم رحمه الله: منشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان: الجهل, والظلم, والشهوة, والغضب
قلة سالكي طريق الآخرة لأنها تخالف شهواتهم:
& قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لما كانت طريق الآخرة وعرةً على أكثر الخلقِ, لمخالفتهم لشهواتهم ومباينتها لإراداتهم ومألوفاتهم قلَّ سالكوها, وزهدهم فيها قلّة علمهم – أو عدمه – بحقيقة الأمر وعاقبة العباد ومصيرهم وما هُيئوا وهُيِّئ لهم, فقلَّ علمهم بذلك, واستلانوا مركب الشهوة والهوى على مركب الإخلاص والتقوى,...وأخلدو ا إلى الدعة والراحة, وآثروا العاجل على الآجل.
ـــــــــــــــ
شهوات أورثت العذاب:
& قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قلب الله سبحانه عليهم ديارهم, فجعل عاليها سافلها, فجعلهم آيةً للعالمين وموعظة للمتقين ونكالاً وسلفاً لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين. أخذهم على غرة وهم نائمون, وجاءهم بأسُه وهم في سكرتهم يعمهون, فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون, فانقلبت تلك اللذات آلاماً فأصبحوا بها يعذبون...ذهبت اللذات, وأعقبت الحسرات, وانقضت الشهوة, وأورثت الشقوة, تمتعوا قليلاً وعذبوا طويلاً, رتعوا مرتعاً وخيماً, فأعقبهم عذاباً أليماً, أسكرتهم خمرة تلك الشهوة, فما استفاقوا منها إلا في ديار المعذبين, وأرقدتهم تلك الغفلة فما استيقظوا إلا وهم في منازل الهالكين, فندموا والله أشد الندامة حين لا ينفع الندم وبكوا على ما أسلفوه بدل الدموع بالدم.
المتبع لشهوته يبقي أسيراً لها ذليلاً:
& قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن المتبعين لشهواتهم من الصور والطعام والشراب واللباس يستولى على قلب أحدهم ما يشتهيه حتى يقهره ويملكه ويبقى أسير ما يهواه يصرفه كيف تصرف ذلك المطلوب.
& قال العلامة العثيمين رحمه الله: من الذل أن يكون الإنسان تابعاً للشهوات, لأن العزة أن يكون الإنسان متبوعاً, فإذا كان تابعاً فمعناه أن شهواته ملكته حتى صار تابعاً, وكأنه مجبر على ذلك.
من لم تذله الشهوة ملك نفسه:
& قال الإمام الغزالي رحمه الله: قيل لحكيم: ما أملك فلانا لنفسه ! قال: إذا لا تذله الشهوة, ولا يصرعه الهوى, ولا يغلبه الغضب.
ــــــــــــ
الشهوة تواري ما في القلب من مخاوف وانزعاج وقلق واضطراب:
& قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لو فتش العاصي عن قلبه لوجد حشوه المخاوف والانزعاج والقلق والاضطراب وإنما يواري عنه شهود ذلك سُكرُ الغفلة والشهوة فإن للشهوة سُكراً يزيد على سكر الخمر
من وقي الشهوة وقي شر الدنيا والآخرة:
& قال الفضيل بن عياض: من وقي خمساً وقي شر الدنيا والآخرة: العجب, والرياء, والكبر, والإزراء, والشهوة.
الشهوات تفسد على العبد مصالحه:
& قال العلامة ابن القيم رحمه الله: لينظر ما تجلبُ عليه هذه الشهوةُ من مفاسد عاجلته وما تمنعها من مصالحها فإنها أجلبُ شيء لمفاسد الدنيا, وأعظم شيء تعطيلاً لمصالحها, فإنها تحول بين العبد وبين رشده الذي هو ملاك أمره, وقوام مصالحه.
الحرية الحقيقية في التخلص من عبودية الشهوة:
& قال العلامة صالح الفوزان: الحرية الحقيقية هي التخلص من عبودية الشهوة.
الناس يتفاوتون في مقاومة الشهوة, والصبر عليها:
& يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: قوى الناس متفاوتة تفاوتًا عظيمًا في ملك قواهم عند الغضب، والطمع، والحزن، والخوف، والشهوة، فمنهم من يملك ذلك، ويتصرف فيه، ومنهم من يملكه ذلك ويتصرف فيه.
الشيطان يظفر بالإنسان عند الشهوة:
& قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الشيطان إنما يظفر بالإنسان غالباً عند السخط والشهوة
ـــــــــــــ
من ملك شهوته عصمه الله من الشيطان:
& قال الحسن رحمه الله: أربع من كنّ فيه عصمه الله من الشيطان وحرمه على النار: من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب.
& قال وهب بن منبه رحمه الله: من جعل شهوته تحت قدمه فزع الشيطان من ظله.
الوقوف مع الشهوات واللذات سبب لموت القلب:
& قال العلامة ابن القيم رحمه الله: القلب الثاني: الميت الذي لا حياة به, فهو لا يعرف ربه, ولا يعبده بأمره, وما يحبه ويرضاه, بل هو واقف مع شهواته ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه....الهوى إمامه والشهوة قائده والجهل سائسه, والغفلة مركبه...وقال: يموت القلب فلا يحس بما ناله الشيطان، مع أنه غاية العذاب والألم والضيق والحصر ولكن سكر الشهوة والغفلة حجب عنه الإحساس بذلك المؤلم
الشهوة القبيحة الشنيعة:
& قال العلامة السعدي رحمه الله: قوله: ﴿ إنكم لتأتون الرجالَ شهوةً من دون النساءِ ﴾ [الأعراف:81] أي: كيف تذرون النساء التي خلقهن الله لكم, وفيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة, وتقبلون على أدبار الرجال, التي هي غاية ما يكون من البشاعة والخبث, وهي تخرج منه الأنتان والأخباث, التي يستحيى من ذكرها فضلاً عن ملابستها وقربها.
& قال العلامة العثيمين رحمه الله: قوله تعالى: وقال الله عز وجل: ﴿ { أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون} ﴾ [النمل:55] من فوائد الآية الكريمة: أن هذه الشهوة إنما تصدر عن جهل, لا بمقتضى الطبيعة, وإنما هي من سفه الإنسان...فهذه الفعلة من السفه العظيم.
ـــــــــــــ
من حفظ شهوته كان حفظه لغيره أبلغ:
& قال العلامة السعدي رحمه الله: العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته, مع دواعي الشهوة, كان حفظه لغيره أبلغ, ولهذا سماه الله حفظاً.
& قال العلامة العثيمين رحمه الله: وقوله ﴿ {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ} ﴾ [النساء:27] يشمل الكافر والفاسق, لأن الكافر يريد الشهوات ويتبعها والفاسق كذلك...فالحذر من الذين يتبعون الشهوات, لأنهم يريدون منا أن نميل ميلاً عظيماً, والشهوات قد تكون شهوات بطن وفرج, وقد تكون شهوة فكر وقلب, وكلا الأمرين مراد هنا & قال العلامة السعدي رحمه الله: إذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم, وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسارة والشقاء, فاختاروا لأنفسكم أولى الداعيين, وتخيروا أحسن الطريقين.
الحذر من الذين يتبعون الشهوات
مدمني الشهوات لا يلتذون بها:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وليعلم اللبيب أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها, وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها, لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بدّ لهم منه.
من وسائل الدواء والعلاج
الصدق في ترك الشهوة:

& قال أبو سليمان الدارني: من صدق في ترك شهوةٍ أذهبها الله من قلبه, والله أكرم من أن يعذب قلباً بشهوةٍ تركت له.
ــــــــــــــ