(سَيفُ خَطيبٍ).. المصطلح النحويُّ المفقود!
صهيب محمد خير يوسف
• الآلُوسِي:
محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسيّ، شهاب الدين، أبو الثناء، ونسبته إلى ألوس؛ وهو اسم رجُل سمّيت به بلدة على الفرات. فقيهٌ حنفيٌّ مجتهد، ومفسرٌ متبحِّر. كان شيخ العلماء في العراق، جمع كثيراً من العلوم، وقد كان أديباً ونسيج وحده في النثر وقوة التحرير وغزارة الإملاء وجزالة التعبير.. وكان يقول: "ما استودعتُ ذهني شيئاً فخانني، ولا دعوت فكري لمعضلة إلاّ وأجابني"!
• روح المعاني:
وقد ترك الآلوسيُّ - يرحمه الله - ثروةً علميةً كبيرةً نافعة، بيدَ أنه يأتي على رأس هذه المؤلفات كتابهُ (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)، الذي أفرغ فيه وسعَه وبذل مجهوده.
ومن أهمّ ما يمتاز به (روح المعاني) الاستطرادُ في الكلام في الصناعة النحْوية، والتوسع إلى حدٍّ يكاد يخرج به عن وصفِ كونهِ مفسراً!.. ولا يكاد يخلو موضع في كتابه من هذا الاستطراد والتوسع في النحو والإعراب.
وقد أدليت بدلوي في بحر هذا التفسير، فكان من الدرر التي التقطتُها مصطلحٌ جمع بين الندرة والغرابة، ولم يتكرر في كتابه إلاّ في تسعةٍ وعشرين (29) موضعاً، ألا وهو مصطلح (سَيفُ خَطِيبٍ).
• السيف المفقود!:
(سَيفُ خَطِيبٍ) مصطلحٌ خاصّ تتمازج فيه الصبغتانِ النحويةُ والبلاغية، ولا يخلو من إبهام، ويحيطُ الغموضُ بمحاولات اكتشاف أبعاده من خلال استخداماتٍ قديمة مشابهة وإشاراتٍ تراثية مفتاحية..
وقد نعتّهُ بالـ(مفقود) في عنوان البحث لأني لم أعثر له على أثرٍ في مظانّه عند أحدٍ غير الآلوسي، بدءًا بكتب النحو واللغة والأدب، ثم التفسير والفقه والتاريخ... استنتجت ذلك بعد البحث الإلكتروني في آلاف الكتب التي تحويها موسوعات (التراث)، بالإضافة إلى البحث في بعض الكتب المطبوعة، وفي الشابكة (الإنترنت).. حتى خرجت أخيراً بنتيجة أن المصطلح مفقود منذ القِدم ولم يستخدمه فيما بين أيدينا من المؤلفين غيرُ الآلوسي. وفقدانه هنا بمعنى انعدام معرفتنا به أو استخدامه حديثاً. والله تعالى أعلم.
• قد .. وقَد؟:
وقد يكون (سَيفُ خَطِيبٍ) مستخدَماً لدى علماء النحو ممن تتلمذ عليهم قديماً ولم نعرفهم من البصريين والكوفيين في نَواحٍ من العراق، ثم استُبدل بغيره أو أهمِل؛ كبعض المصطلحات التي لا تلقى قبولاً لدى المهتمين، قدمائهم والمعاصرين.
ولا يُستبعد أن يكون مصطلحاً من اختراع الآلوسيّ وصناعتِه، لأحد سببين:
1- اجتهاداً منه في تسمية بعض أحرف الزيادة بغير أسمائها؛ احتراماً لكلام الله تعالى وتنْـزِيهاً له من أن يكون فيه أحرف للزيادة الصِّرفة.
2- أو لنظرةٍ بلاغية خاصة يقصد منها معنًى (بلاغيًّا) يختلف في كلّ مرة بحسب السياق، وهذه النظرة البلاغية تدعم وتضاف إلى المعنى النحوي وهو الزيادة.
ولو وصل إلينا تراث الآلوسي كاملاً فلربما استطعنا من خلاله معرفة المزيد حول هذا المصطلح، ولكن الكثير من تراثه مفقود ولم نظفر إلا بالقليل منه.
• شرح الآلوسي لهذا المصطلح:
وقد فسر الإمام الآلوسي هذا المصطلح في حاشيته على قطر الندى (ص 58) بأنّ معناه: "الزيادة". وهو شرح مختصر يتعلق بالمعنى النحويّ فقط. كما أنه لم يذكر معنى مصطلحه هذا في تفسيره.. بشكل من الأشكال.
... وما علينا إلاّ أن نستنتج بعض الأمور:
• تداعيات:
- يتبادر إلى الذهن عند سماع (سيفُ خطيب) استخدامُ الخطباء للسيوف قديماً وأسباب هذا الاستخدام... والأخبار في ذلك قليلة أيضاً.. منها خبر (قَسّ بنِ ساعِدَة) إذ قيل: إنه أول من علا على شَرَفٍ وخطب عليه، وأول من قال في كلامه أما بعد، وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا.
- وقد نأخذ من التلويح بالسيف وهزّهِ يمنةً ويسرةً عند الحماس أو التهديد، مرة بعد مرة، معنًى بارزاً بين المعاني التي استخدمها الآلوسي هنا، وهو التأكيد في سياق النفي. ويدعم ما ذُكر رفعُ الإصبع في التشهد وغيره، وتحريك الإصبع واليد إذا أراد المتحدث تأكيد النفي عند الكلام بشكلٍ عامّ، وفي الخطب بشكل خاص.
- كما يتبادر إلى الذهن كتاب (سيفُ الخطيبِ) لأبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرّي، وقد وصفه صاحب كشف الظنون (ص1017 – بيروت: دار إحياء التراث العربي) بأنه: في أربعين كراسة، ويشتمل على خُطب السَّنَة.
وهنا نتساءل: هل سيف الآلوسي مقتبس من سيف المعرّي؛ وبخاصةٍ أنّ وفاة المعريّ كانت سنة 449هـ، أي قبل وفاة الآلوسي بثمانمائة سنةٍ وتزيد؟
وليبقَ التساؤل مطروحاً.. فقد وجدت أنّ هذا الكتاب لا يكاد يُذكَر عند الدارسين والمترجمين لأبي العلاء، إلاّ في كتب الفهارس، ككتاب كشف الظنون المذكورِ آنفاً، ولم أجدْ له ذكراً في بعض فهارس المكتبات، فغلب على الظن أنه مازال مخطوطاً.
• هذا البحث:
ولا يزيد عملي في هذا البحث المختصر على جمع المادة، وتبيين مواطنها... وأرجو أن يكون بداية لبحوث أخرى موسعة في هذا المصطلح المفقود..
ولي في كل موضع ترتيبٌ، هو:
1- ذِكر رقم الموضع.
2- ثم الآية أو جزءٍ منها.
3- ثم الشاهد منها.
4- ثم كلام الآلوسي الذي يتضمن ذكرَ المصطلحِ في مادةِ البحث.
5- ثم أعمدُ في آخر كلِّ موضعٍ إلى إعراب الشاهد من كتابٍ مبسّطٍ معاصر، وهو (إعراب القرآن الكريم الميسر)، لمؤلفه الدكتور محمد الطيب الإبراهيم، حتى يتضح الإعراب وليكتمل المراد.
• المواضع التي استخدم فيها الإمام الآلوسيُّ مصطلح (سيفُ خطيبٍ) في كتابه روح المعاني:
• الموضع الأول، في تفسيره لقوله تعالى:
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.سورة الفاتحة/7.
الشاهد: {لاَ}.
- قال الآلوسي في روح المعاني:
وهو [يعني: لا] "سيفُ خطيبٍ" أتى بها لتأكيد ما في (غير) من معنى النفي.
وقال مؤلف إعراب القرآن الكريم الميسَّر: لا: زائدة لتوكيد النفي. ص1
• الموضع الثاني، في تفسيره لقوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}. سورة البقرة/26.
الشاهد: {مَا}.
- قال الآلوسي في روح المعاني:
و(ما)اسم بمعنى شيء يوصف به النكرة لمزيد الإبهام ويسد طرق التقييد، وقد يفيد التحقير أيضا كأعطه شيئاً (ما)، والتعظيم كـ: (لأمرٍ "ما" جدَعَ قصير أنفه)، والتنويع كأضربه ضرباً (ما)، وقد تجعل "سيفَ خطيبٍ". والقرآن أجلّ من أن يلغى فيه شيء. وبعوضة إما صفة لما أو بدل منها أو عطف بيان إن قيل بجوازه في النكرات أو بدل من (مَثلاً) أو عطف بيان له إن قيل (ما) زائدة أومفعول....
وقال مؤلف إعراب القرآن الكريم الميسَّر: ما: الإبهامية، وهي إذا اقترنت باسم نكرة زادته شيوعاً وإبهاماً، وهي نكرة تامة بمعنى شيء، صفة لمثلاً، في محل نصب. ص5.
يتبع