ذم اللعن والسباب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن اللعن والسب كثيرا ما يجري على ألسنة المسلمين، فربما لعن الرجل صاحبه أو أخاه، أو تلعن المرأة ابنها وابنتها، ويتشاجر الرجل مع الرجل، فيلعنه ويلعن أبويه، وهلم جرًّا ..
سوء خلق عظيم، وظاهرة خطيرة، في حين أن المسلم يجب أن يكون طاهر اللسان، عفيف المنطق والكلام، لا يعرف السباب واللعن والشتائم، فقد نشَّأه الإسلام على حسن الخلق وكريمه، ومحامد الخصال وعفيفها، وقد يتساهل الكثير من الناس في شأن اللعن، ولا يدرون أن اللعن كبيرة من كبائر الذنوب، فقد ورد في ذم اللعن والسب أحاديث كثيرة، منها:
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لعن المؤمن كقتله ) متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيئ ) راوه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامه) رواه مسلم.
وأخرج مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ينبغي لصدِّيق أن يكون لعانا ) ورواه الحاكم وصححه بلفظ: ( لا يجتمع أن يكونوا لعانين صديقين ).
وأخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه وقال: لعانين وصدِّيقين، كلا ورب الكعبة. فعتق أبو بكر رضي الله عنه يومئذ بعض رقيقه، قال ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أعود ).
وأخرج مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة ).
وأخرج الطبراني بإسناد جيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر".
وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإن لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا وإلا رجعت إلى قائلها ).
وأخرج الإمام أحمد بإسناد جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه، فإن أصابت عليه سبيلا أو وجدت فيه مسلكا وإلا قالت يا رب وجهت إلى فلان فلم أجد فيه مسلكا ولم أجد عليه سبيلا، فيقال لها ارجعي من حيث جئت ).
ولعِظَم شأن اللعن، فقد ورد ذمُّه ولو في الحيوان، فقد أخرج مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة".
قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد.
وروى أبو يعلى وابن أبي الدنيا بإسناد جيد عن أنس رضي الله عنه قال: (سار رجل مع النبي صلى الله عليه وسلم فلعن بعيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله، لا تسرْ معنا على بعير ملعون" .
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لعن الديك، فقال: لا تلعنه ولا تسبه فإنه يدعو إلى الصلاة).
وقال أنس: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغت رجلا برغوثٌ فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنها، فإنها نبهت نبيا من الأنبياء للصلاة ) رواه أبو يعلى والبزار.
أما السباب فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) متفق عليه.
وفي البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَّابًا ، وَلاَ فَحَّاشًا ، وَلاَ لَعَّانًا كَانَ يَقُولُ لأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: "مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُه!!".
ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبِّ الحيوان، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تسبوا الديك فانه يوقظ للصلاة ) رواه ابو داود.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن سب المرض فقال: ( لا تسبوا الحمى فانها تذهب خطايا بني ادم كما يذهب الكير خبث الحديد ) رواه مسلم.
فهذه أخي الكريم أخلاق دنيئة، لا ينبغي للمسلم أن يتصف بها، بل عليه أن ينأى عنها، ويطلب معالي الأمور، ويتحلى بكريم الأخلاق، ولنا في نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، فقد أتى ليتمم مكارم الأخلاق، وضرب أعظمَ مثلٍ عرفته البشرية لكريم الأخلاق صلى الله عليه وسلم، والله الموفق.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي