(أدعو إلى الله أنا ومن اتبعني)
(خطبة مقترحة)









كتبه/ سعيد محمود


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض من الخطبة:

بيان أن أعظم دليل على الانتماء إلى الإسلام الاتباع، وأن أعظم دليل على الاتباع هو العمل بالدعوة إلى الله، وأن من أعظم أهداف الدعوة إلى الله: أداء الأمانة، وإقامة الحجة بتبليغ الدين والتوحيد إلى الناس -وإن رفضه الناس جميعًا-.. نريد من ذلك أن نلقي الأضواء الشديدة على قضية عظيمة قد حصل فيها اللبس والخلط عند كثير من المسلمين، وهي قضية البراء من الشرك والكفر؛ بالصبر على الدعوة إلى الله، وإن عارضنا الناس وخالفونا.. فما علينا إلا البلاغ المبين.

1- إقامة الحجة وأداء الأمانة أعظم وظيفة:

- الإعذار إلى الله وظيفة الرسل، قال الله -تعالى-: (رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء:165).

- وكذلك كل من انتسب إلى دين الرسل: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف:108).

- والدعوة وإبلاغها أمانة تحملها الداعي إلى الله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (المائدة:67).

- ولذلك سأل سيد الدعاة -صلى الله عليه وسلم- أمته قبل مفارقة الدنيا: (وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟). قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) (رواه مسلم).

- حمل دعوة الرسل إلى الناس دليل الانتماء والإخلاص: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (يس:20).

2- الصبر على الدعوة:

- البلاغ يحتاج إلى شجاعة وعدم خشية الناس: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ) (الأحزاب:39).

- الصبر على الأذى والتكذيب والسخرية: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (لقمان:17).

- إنها سنة كونية في الدعاة إلى الله: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) (الأنعام:10)، (قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ . قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) (يس:15-16)، وقال ورقة بن نوفل -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ) (متفق عليه).

3- معرفة طبيعة المدعوين:

الناس في عمومهم ينقسمون ثلاثة أقسام غالبًا، وهذا يظهر في مثال ذكر في القرآن، وهو قصة أصحاب السبت -يراعى الإجمال والاختصار عند عرضها-: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ..) إلى قوله: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (الأعراف:163-166).

القسم الأول: عصاة معتدون، وهم الذين اصطادوا السمك في يوم النهي بالحيلة الباطلة.

القسم الثاني: كارهون للمنكر مثبطون للدعاة: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) (الأعراف:164).

القسم الثالث: دعاة إلى الله مخلصون: (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأعراف:164).

فعلى الداعي إلى الله ألا يتوقف عن دعوة العصاة والمخالفين، وكذلك لا يتوقف عن تحريك الساكتين الكارهين للمنكر ألا يسكتوا، بل عليهم العمل بالدعوة لتحقيق أهدافها وإلا تعرضوا لمصير الساكتين في القصة، والله أعلم بمصيرهم.

4- أهداف الدعوة التي نحملها إلى الناس:

أولاً: الإعذار إلى الله: (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ) (الأعراف:164).

- النجاة من نزول العذاب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ لاَ يُغَيِّرُونَهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

- وإذا نزل نجاهم الله بعملهم: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ). قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: (يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) (رواه البخاري).

- وأما الترك بالكلية ففيه الهلاك: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (المائدة:78).

ثانيًا: رجاء الاستجابة: (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ):

- جزموا بالمعذرة ورجوا الاستجابة: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:21-22).

- عدم اليأس من الاستجابة: قال -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه-: (انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) (متفق عليه).

- والناس في الاستجابة على حالين:

استجابة سريعة: كاستجابة أبي بكر وخديجة -رضي الله عنهما-.

واستجابة بطيئة: كالذين آمنوا بعد الفتح، قال الله -تعالى-: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) (الحديد:10).

ثالثًا: إحداث النكاية في القلوب الفاجرة لتقليل الشر:

الناس إذا ذكروا بالله قل الشر بينهم، وإن لم يرتدعوا فعلى الأقل يستحيون من فعلها علنيًا، أو على الفور؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا) (رواه البخاري).

خاتمة: عود على بدء:


التذكير بما سبق من أن قضية الدعوة إلى الله -تعالى- دليل على الانتماء إلى الإسلام، وأن حمل قضايا الإسلام وأمور المسلمين إلى الناس وتوضيح كل قضية تعرض دليل على الإخلاص والاتباع الصحيح.

نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يوفقنا أن نكون من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- العاملين (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).

والحمد لله رب العالمين.