تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: وهو يعاقب الخلق على مخالفة أمره وإرادته الشرعية، وإن كان ذلك بإرادته القدرية، فالقدر كما جرى بالمعصية جرى أيضًا بالعقاب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي وهو يعاقب الخلق على مخالفة أمره وإرادته الشرعية، وإن كان ذلك بإرادته القدرية، فالقدر كما جرى بالمعصية جرى أيضًا بالعقاب

    سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن الأقضية، هل هي مقتضية للحكمة أم لا‏؟‏
    فإذا كانت مقتضية للحكمة، فهل أراد من الناس ما هم فاعلوه‏؟‏ وإذا كانت الإرادة قد تقدمت‏.‏ فما معنى وجود العذر والحالة هذه‏؟‏ أفتونا مأجورين‏.‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله رب العالمين، قد أحاط ربنا بكل شىء علمًا، وقدرة وحكما، ووسع كل شىء رحمة وعلمًا، فما من ذرة في السموات والأرض، ولا معنى من المعاني إلا وهو شاهد لله تعالى بتمام العلم والرحمة، وكمال القدرة والحكمة، وما خلق الخلق باطلاً، ولا فعل شيئًا عبثًا، بل هو الحكيم في أفعاله وأقواله ثم من حكمته ما أطلع بعض خلقه عليه، ومنه ما استأثر سبحانه بعلمه‏.‏
    وإرادته قسمان‏:‏ إرادة أمر وتشريع، وإرادة قضاء وتقدير‏.‏
    فالقسم الأول‏:‏ إنما يتعلق بالطاعات دون المعاصي، سواء وقعت أو لم تقع كما في قوله‏:‏ ‏يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ‏‏ ‏[‏النساء‏:‏26‏]‏، وقوله‏:‏ ‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏185‏]‏
    وأما القسم الثاني‏:‏ وهو إرادة التقدير، فهي شاملة لجميع الكائنات، محيطة بجميع الحادثات،
    وقد أراد من العالم ما هم فاعلوه بهذا المعنى لا بالمعنى الأول
    ،
    كما في قوله تعالى‏:‏ ‏يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏125‏]‏،
    وفي قوله‏:‏وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ‏‏ ‏[‏هود ‏:‏34‏]‏،
    وفي قول المسلمين‏:‏ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
    ، ونظائره كثيرة‏.‏
    وهذه الإرادة تتناول ما حدث من الطاعات والمعاصي، دون ما لم يحدث، كما أن الأولى تتناول الطاعات حدثت أو لم تحدث، والسعيد من أراد منه تقديرًا ما أراد به تشريعًا،
    والعبد الشقي من أراد به تقديرا ما لم يرد به تشريعًا،
    والحكم يجري على وفق هاتين الإرادتين، فمن نظر إلى الأعمال بهاتين العينين كان بصيرًا،
    ومن نظر إلى القدر دون الشرع أو الشرع دون القدر كان أعور،
    مثل قريش الذين قالوا‏:‏ ‏لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ‏
    قال الله تعالى‏:‏ ‏كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏148‏]‏‏.‏
    فإن هؤلاء اعتقدوا أن كل ما شاء الله وجوده وكونه وهي الإرادة القدرية فقد أمر به ورضيه دون الإرادة الشرعية، ثم رأوا أن شركهم بغير شرع مما قد شاء الله وجوده قالوا‏:‏ فيكون قد رضيه وأمر به، قال الله ‏:‏‏كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏148‏]‏ بالشرائع من الأمر والنهي‏:‏‏حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا‏‏
    بأن الله شرع الشرك وتحريم ما حرمتموه ‏إِنْ تَتَّبِعُونَ‏‏ في هذا ‏إِلَّا الظَّنَّ‏‏ وهو توهمكم أن كل ما قدره فقد شرعه ‏وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ‏‏أي‏:‏ تكذبون وتفترون بإبطال شريعته،
    قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ‏
    ‏ ‏[‏الأنعام‏:‏149‏]
    على خلقه حين أرسل الرسل إليهم
    فدعوهم إلى توحيده وشريعته،
    ومع هذا فلو شاء هدى الخلق أجمعين إلى متابعة شريعته،
    لكنه يمن على من يشاء فيهديه فضلاً منه وإحسانًا، ويحرم من يشاء؛ لأن المتفضل له أن يتفضل، وله ألا يتفضل،
    فترك تفضله على من حرمه عدل منه وقسط، وله في ذلك حكمة بالغة‏.‏

    وهو يعاقب الخلق على مخالفة أمره وإرادته الشرعية، وإن كان ذلك بإرادته القدرية،
    فإن القدر كما جرى بالمعصية جرى أيضًا بعقابها
    ،
    كما أنه سبحانه قد يقدر على العبد أمراضًا تعقبة آلامًا، فالمرض بقدره والألم بقدره، فإذا قال العبد‏:‏ قد تقدمت الإرادة بالذنب فلا أعاقب، كان بمنزلة قول المريض‏:‏ قد تقدمت الإرادة بالمرض فلا أتألم، وقد تقدمت الإرادة بأكل الحار فلا يحم مزاجي، أو قد تقدمت بالضرب فلا يتألم المضروب، وهذا مع أنه جهل فإنه لا ينفع صاحبه؛ بل اعتلاله بالقدر ذنب ثان يعاقب عليه أيضًا، وإنما اعتل بالقدر إبليس حيث قال‏:‏ ‏بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ‏‏ ‏[‏الحجر‏:‏39‏]‏،
    وأما آدم فقال‏:‏ ‏رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الخاسرين
    فمن أراد الله سعادته، ألهمه أن يقول كما قال آدم أو نحوه
    ومن أراد شقاوته، اعتل بعلة إبليس أو نحوها، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، ومثله مثل رجل طار إلى داره شرارة نار، فقال له العقلاء‏:‏ أطفئها لئلا تحرق المنزل، فأخذ يقول‏:‏ من أين كانت ‏؟‏ هذه ريح ألقتها، وأنا لا ذنب لي في هذه النار فما زال يتعلل بهذه العلل حتى استعرت وانتشرت وأحرقت الدار وما فيها، هذه حال من شرع يحيل الذنوب على المقادير، ولا يردها بالاستغفار والمعاذير، بل حاله أسوأ من ذلك بالذنب الذي فعله، بخلاف الشرارة فإنه لا فعل له فيها، والله سبحانه يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا لما يحبه ويرضاه فإنها لا تنال طاعته إلا بمعونته، ولا تترك معصيته إلا بعصمته، والله أعلم‏.‏

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: وهو يعاقب الخلق على مخالفة أمره وإرادته الشرعية، وإن كان ذلك بإرادته القدرية، فالقدر كما جرى بالمعصية جرى أيضًا بالع

    وسئل قدس الله روحه عن الأقضية، هل هي مقتضية للحكمة أم لا‏؟‏ وإذا كانت مقتضية للحكمة، فهل أراد من الناس ما هم فاعلوه أم لا‏؟‏ وإذا كانت الإرادة قد تقدمت، فما معنى وجود العذر والحالة هذه‏؟‏
    فأجاب‏:‏
    الحمد لله رب العالمين‏.‏ نعم، لله حكمة بالغة في أقضيته وأقداره، وإن لم يعلمه العباد، فإن الله علم علمًا وعلمه لعباده، أو لمن يشاء منهم، وعلم علما لم يعلِّمه لعباده
    وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا‏

    وهو سبحانه أراد من العباد ما هم فاعلوه إرادة تكوين، كما اتفق المسلمون على أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن،
    وكما قال‏:‏ ‏فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا‏‏
    وكما قال‏:‏ ‏وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ‏. ‏ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ‏‏
    وكما قال‏:‏ ‏وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ‏‏
    ، وكما قال‏:‏ ‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ‏‏ ‏[‏إبراهيم ‏:‏27‏]‏‏.‏
    ولكن لم يرد المعاصي من أصحابها إرادة أمر وشرع ومحبة ورضى ودين،
    بل ذلك كما قال تعالى‏:‏ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 185‏]‏،
    وكما قال تعالى‏:‏ ‏يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ‏‏ ‏وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا‏.‏ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا‏‏
    ‏، وقال تعالى‏:‏‏مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ‏‏
    وكما قال تعالى‏:‏‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
    .‏ وبالتقسيم والتفصيل في المقال، يزول الاشتباه، ويندفع الضلال،
    مجموع الفتاوى

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: وهو يعاقب الخلق على مخالفة أمره وإرادته الشرعية، وإن كان ذلك بإرادته القدرية، فالقدر كما جرى بالمعصية جرى أيضًا بالع

    وسئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
    عن الخير والشر؛ والقدر الكوني؛ والأمر والنهي الشرعي ‏.‏
    فأجاب‏:
    ‏ الحمد لله‏.‏ اعلم أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه لا رب غيره ولا خالق سواه؛ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن؛ وهو على كل شيء قدير؛ وبكل شيء عليم؛ والعبد مأمور بطاعة الله؛ وطاعة رسوله؛ونهي عن معصية الله؛ ومعصية رسوله؛
    فإن أطاع كان ذلك نعمة من الله أنعم بها عليه؛ وكان له الأجر والثواب بفضل الله ورحمته،
    وإن عصى كان مستحقا للذم والعقاب؛
    وكان لله عليه الحجة البالغة؛ ولا حجة لأحد على الله؛
    وكل ذلك كائن بقضاء الله وقدره ومشيئته وقدرته؛ لكنه يحب الطاعة ويأمر بها؛ ويثيب أهلها عليها ويكرمهم؛
    ويبغض المعصية وينهى عنها؛ ويعاقب أهلها عليها ويهينهم
    ‏.‏
    وما يصيب العبد من النعم فإن الله أنعم بها عليه؛ وما يصيبه من الشر فبذنوبه ومعاصيه‏.
    ‏ كما قال تعالى‏:‏‏وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ‏‏
    ‏ وقال تعالى‏:‏‏مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ‏‏‏‏:‏ أي ما أصابك من خصب ونصر وهدى فالله أنعم بها عليك؛ وما أصابك من جدب وذل وشر فبذنوبك وخطاياك؛ وكل الأشياء كائنة بمشيئته وقدرته وخلقه
    فلا بد أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره؛ وأن يؤمن بشرع الله وأمره‏.‏
    فمن نظر إلى الحقيقة القدرية وأعرض عن الأمر والنهي والوعد والوعيد كان مشابها - للمشركين؛
    ومن نظر إلى الأمر والنهي وكذب بالقضاء والقدر كان مشابها - للمجوسيين،
    ومن آمن بهذا وهذا، وإذا أحسن حمد الله؛ وإذا أساء استغفر الله؛
    وعلم أن ذلك كله بقضاء الله وقدره - فهو من المؤمنين‏.‏
    فإن آدم - - لما أذنب تاب فاجتباه ربه وهداه،
    وإبليس أصر واستكبر واحتج بالقدر؛ فلعنه وأقصاه،
    فمن تاب كان - آدميا،
    ومن أصر واحتج بالقدر كان - إبليسيا،
    فالسعداء يتبعون أباهم آدم،
    والأشقياء يتبعون عدوهم إبليس‏.
    فنسأل الله العظيم أن يهدينا الصراط المستقيم‏.‏ صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين‏.‏ والشهداء والصالحين‏.‏

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •