من فقه المسح على الخفين أو الجوربين


إن من محاسن الإسلام وقواعد الشريعة أنه ما جعل الله على المسلمين في الدين من حرج، فمن قواعد الشريعة التيسير في كل أمر نابه تعسير،{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وما زيَّن الله به النبي صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة بالمؤمنين لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].

ومن ذلك ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم من المسح على الخُفَّيْنِ أو الجوربين من السُّنَّة المتواترة عنه عليه الصلاة والسلام، قال الإمام أحمد: "ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".

فالخفان عباد الله هو ما يلبس في الرجل من جلد، أما الجرابان فهو ما يلبس في الرجل من غير الجلد، فالمسح عليهما في الوضوء رخصة، وهو أفضل من غسلهما، إن الله سبحانه يحبُّ أنْ تُؤتَى رُخَصه كما يحبُّ أن تُؤتى عزائمه.

يمسح عليهما المسلم بعد أن يُدخلهما بعد تمام طهارته، عن المغيرة رضي الله عنه قال: كُنتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سفرٍ فأهوَيتُ لأنزِعَ خُفَّيهِ فقال: «دَعهُما فإنِّي أدْخَلتُهُما طاهِرَتينِ»، فمسَح عليهِما[1].

يمسح عليهما في الحدث الأصغر.

عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمرُنا ألَّا نَنْزِع خِفَافَنا ثلاثةَ أيامٍ، إلَّا مِن جنابةٍ؛ لكن مِن غائطٍ وبولٍ ونومٍ"[2].

يمسح المسلم على جوربَيه أو على خُفَّيه يومًا وليلة إذا كان مقيمًا، ويمسح ثلاثة أيام بلياليهن إذا كان مسافرًا.

أما مدة المسح عباد الله فتبدأ من أول مسحة مسحها بعد حدث، فلو توضَّأ المسلم لصلاة الفجر ثم لبس خُفَّيه أو جوربَيه، ثم أحدث في الساعة السابعة، ثم توضَّأ وضوءًا كاملًا يمسح على خُفَّيه أو جوربَيه عند صلاة الظهر، فمدة المسح تبدأ من صلاة الظهر إلى غد.

وإذا أردت المسح فإنك تبلُّ يديك بالماء، ثم تمرُّ اليد اليمنى على ظاهر قدمِك اليُمْنى ثم اليُسْرى على ظاهر قدمِك اليُسْرى مسحةً واحدةً.

قال علي رضي الله عنه: "لو كان الدِّينُ بالرأيِ لكان أسفلُ الخفِّ أوْلَى بالمسحِ من أعلاه، وقد رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يمسحُ على ظاهرِ خُفَّيْه".


عباد الله، إن ثمة مسائلَ في المسح على الخُفَّين أو الجوربَين ذكرها الفقهاء رحمهم الله، منها:
أنه يُشترَط لصحة المسح عليهما أن يكون الجورب أو الخُفُّ طاهرًا، فإن كان الخُفُّ أو الجورب نجسًا أو متنجسًا، فإنه لا يصحُّ المسحُ عليه.

وكذلك أن يكون الجورب صفيقًا ساترًا، أما إذا كان خفيفًا شفَّافًا فلا يجوز المسح عليه ولا يُجزئه، ويُبطِل المسحَ على الخُفَّين أو الجوربَين نزعُهما بعد المسح عليهما، ويبطل المسح إذا انتهت مدة المسح، وكذلك لا يجوز للمسلم أن يمسح على خُفٍّ مخرق أو جورب مخرق إذا كانت الخروق كثيرةً.

وإذا لبس جوربًا على جورب بعد الحَدَث فالحكم للجورب الأسفل، فلا يمسح على الجورب الأعلى، وإذا لبس جوربًا على جورب قبل الحَدَث فيجوز له المسح على الأعلى.

عباد الله، إذا أشكل على المسلم شيء من مسائل المسح على الخُفَّين أو الجوربين أو غيرها من مسائل الدين، فليسأل أهل العلم والذكر:{فَاسْأَل ُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، ولا يجوز للمسلم أن يتساهَلَ في عبادة الله، ولا أن يسأل من ليس عالمًا، نسأل الله عز وجل أن يسلك بنا طريق مرضاته.



[1] البخاري، 5799.
[2] أخرجه الترمذي (96)، والنسائي في ((المجتبى)) (1/ 126)، وابن ماجه (478) باختلاف يسيرٍ في اللفظ.
______________________________ _________________
الكاتب: سعد محسن الشمري