معالم في سيرة المهتدي الشيخ
محمد بن عودة الواسطي رحمه الله

اسمه وكنيته .
هو: محمّدُ بن عودة بن ماهود الواسطي البغدادي ، يُكنى: بأبي السجاد، وبأبي عبد الرحمن.

مولده ووفاته .
ولد: في سنة: (1973)، وينحدرُ مِن عائلةٍ مُتديّنةٍ شيعيّة، مُحْترقةٍ في رافضيّتها ، وأصلُ عائلتهِم مِن مدينةِ الكُوت- محافظةِ واسطِ العراقيّة، ذاتِ أغلبيّةٍ شيعيّة، ثم سَكَنَتْ بغداد، في حيٍّ يقال له: الرسالة الثَّالثة، ووفاته: في سنة: (2004م)، وقُتِلَ- وهو- في طريقِه لأداءِ صلاةِ العصر في المسجد: (مسجد حذيفة بن اليمان)، على أيدِ شيعةٍ بُغضاءَ لُدد.

نشأته .
نشأ –رحمه الله- في مدينة بغداد- حي الرسالة الثَّالثة، وكان شيعيًا رافضيًا سبّابًا للصّحابة، شديدَ البُغْضِ لهم! بَعيدًا عنِ الحقِّ والإصابة، ولم يكنْ يُحِبُّ أنْ يَتكلَّمَ عن ماضيه، أو يَذْكَرَ سَوْءةَ تَشيُّعِيه لمـُحبّيه؛ ولكن كانَ يُخْبرُنا- أحيانًا- أنّه كانَ مُتعنتًا شيعيًّا، سبّابًا رافضيًّا، وكانَ كعامّةِ الشَّيعةِ الغُلاه، يتقربونَ إلى الإله، بحفظِ الأشعارِ الشّيعيّة، والكلماتِ الرّافضيّة، ما تُسمّى بالمقتل!!، لأجلِ تردادِها للبكاءِ على الحُسين وإظهارِ الخُشوع والوَجل، فكانَ يحفظُ الكثيرَ منها ويردِّدُها، ويتديّنُ بالترديدِ بها؛ لا سيّما كان صوتُه حَسَنًا جميلًا، بَكّاءًا حَزينًا.

أسرته الشيعية :
هم كلُّهم- أي: الرافضة - عندما تُذكرُ عقيدتُهم بسوءٍ؛ يَنْتفضونَ ويدافعون، وفي الدِّفاعِ عن معتقدِهِم الباطلِ يَستقتلونَ ويُنافحون، هكذا هم في العراق، كفرٌ ونِفاق، ورياءٌ وفجورٌ وشِقاق.
فتجدُ الواحدَ منهم فاجرًا فاسقًا، مُنْحَلًا سَاقطًا؛ لكنّه حريصٌ على اتّهامِ الصّحابةِ- وأُمِّ المـُؤمنين- مع سبِّهِم وبُغْضِهم؛ لأنّه عندهم ذلك مِن الدِّين، مع حرصهم على ذكر الشُّبَهِ التي تُسْقطُ- بزعْمِهم- عدالتَهُم، فهُم يُلَقّنونَ تلكَ الشُّبَه ويحفظونها-كلُّهُم فاسقُهُم ومتدينُهُم- ويحرصونَ على نشرِها وإشاعتِها، كلُّما سَنَحَتْ لهم الفُرْصَة، أو هاجَتْ لهم تلكَ النّزْعَة، هذا ما عرفناه عنهم، لا كثّرَ اللهُ سوادَهم.

دراسته وعمله :
درس في جامعة بغداد- كلية الزراعة، التي تقع بالقرب من أبي غريب- العاصمة بغداد، وتخرج في سنة: (1994- 1995)
وعمل في عدّة محلات للأدوات الصحية، ثم مكتب للتجارة وعقود المناقصات التي فيها تعاقد مع جهات حكومية.

حالته الاجتماعية :
لم يتزوج رحمه الله ، و كان فقيرا، بل زاهدا في دنياه، همه العلم ومناجاة الإله ، ولم يحج .

صفاته :

كان ذا أخلاق حسنة، وصفات حميدة مستحسنة، سهلٌ هينٌ لينٌ مع محبيه وأصحابِه، قريبٌ رحيمٌ مع خلانه وأصدقائه، يتحمّل منهم، ويعفو عنهم، ويتوددُ إليهم، ويحسنُ الظنّ بهم، ويسعى في قضاءِ حوائجهم، وينصحُ لهم، ويفرحُ لفرحهم، ويحزنُ لحزنهم، ويدافعُ عنهم، ويتواصلُ معهم، ويهتمُ لشؤونِهم، ويسألُ عن تفاصيل حياتِهم.

قويٌّ في الجهرِ بالحق، شجاعٌ في بيانِ القولِ الصدق، لا يهابُ ممن يخالفُه، ولا يبالي بالذي يعارضُه، وعنده حدّة وعناد، صلبٌ يقطع حجج خصمه بسيف الحق كأنه في قتال وجهاد.

وكان واصلا لرحمه، رفيقا بأهلِه، حريصًا على هدايتهم، واستقامة طريقتهم، وكان يتودد إليهم بالكلمة الطيبة، والمقولة الحسنة؛ لعل الله يهديهم به، وينقذهم مما هم فيه، وفعلا بحُسْنِ خُلُقِه، وتلطفُه بعائلتِه، استطاع أنْ يُؤثّر بأخيه الأصغر، هيثم فصار سنياً موحداً الذي سمّى ولدَه بعُمر.
أمّا أمُه المرأةُ الطَّيبة، صاحبةُ الأخلاقِ العَطِرَة، فكان- رحمه الله- باراً بها، جداً جدًا، وكانت تُحبه كثيرًا كثيرًا؛ فلما رأت مِن برّه بها، ومِن شدةِ حبِّه لها؛ تأثرت به كثيرًا حتى اقتربت جدًا مِن أهل السُّنَّة، ولله الحمد والمنّة.
وكانت علاقتُه بالناس طيبة، يتودد إليهم بكلماتِه المحببة، فيحسنُ إليهم، ويصبرُ عليهم، ويحرصُ على هدايتهم، ويسعى في قضاءِ حوائجهم، لذا كان علاقتُه بالناس واسعة، ومساحةُ تعاملِه معهم مُتسعة.
كريمُ النفس معطاء، كثيرُ الخيرِ والعطاء، يجودُ لهم بكل ما عنده، وكأن ماله ليس له، ومِن مواقفه الكريمة، وعطاياه العظيمة، جاءه مالٌ مِن أحد إخوانِه، ففرّقَ المال كُلّه على خلانِه، ولم يأخذ منه شيئا، ولم يدخر منه قطميرا، مع حاجتِه للمال، بل قال لإخوانِه: خذوه أنتم عندكم الزوجة والعيال.

وأما حفظه للوقت فشيء لا يصدق؛ لأنه حريص أن يستغله بالحفظ والقراءة والقول المحقق، فوقتُه كلُّه للدراسة والعلم، والكتابة والفهم، إلا ما لا بدّ له، فينام والكتابُ بيده، ويأكل وذهنُه مشغولٌ بكتبه، ومهتمٌ بقراءته وحفظه، فحياتُه كلها للعلم والكُتُب، أو ما سطر قلمُه فيما كَتَب، لا تجدُ في حديثِه الدُّنيا، وليس له فيها تعلّقٌ ومُنى.

وأما عبادته وتلاوته للقرآن، وبكائه من خشية الله ، فكان-رحمه الله- يعملُ بعلمِه، وحريصٌ على تطبيقِ سُنَّة نبيِّه-صلى الله عليه وسلم-، ويُكثرُ مِن تلاوةِ القرآن، وإذا سَمِعَه فعيناهُ مِن الخشية تذرفان، بل كانَ يتدبّرُ كلامَ اللهِ ويتأثرُ بِه كثيرا، وطالما صليتُ بجنبه مرارا فكان إذا قرأ الإمامُ يبكي بكاءً شديدا، حتى أكاد أُشْفقُ عليه مِن شدّةِ بُكائِه، وعلوِ صوتِه، وأعطاهُ اللهُ صوتًا جميلًا حزينًا في قراءة القرآن، تتطربُ لسماعِه الآذان.

وكان زاهدًا في الدُّنيا، بعيدًا عن الملذّاتِ والهوى، ثيابُه رثّة، ليس همُه الدُّنيا البتّة، مُتورعًا عن المال الحرام، بعيدًا عن أماكنِ اللهو والآثام، فقد تَخَلَّ عن الدنيا وزينتِها، وانصرفَ للعبادةِ وللعلومِ الشّريعةِ يَعْشقُها، زاهدًا في المناصب، ويتحمّل في سبيلِ دينِه المصاعب.

علاقته بالتشيع قبل تحوله :
أما عن تفاصيلِ نشاطِه لمــَّا كانَ شيعيًّا، وقبلَ تحولِه مُستقيمًا سُنيًّا، فلم نَحْرصْ على معرفتِه، فضلًا أنْ نهتمَّ بِه؛ لكن بصورةٍ عامَّة، هم كلُّهم- أي: الرافضة الخاصّة- عندما تُذكرُ عقيدتُهم بسوءٍ؛ يَنْتفضونَ ويدافعون، وفي الدِّفاعِ عن معتقدِهِم الباطلِ يَستقتلونَ ويُنافحون، هكذا هم في العراق.

تحوله إلى عقيدة أهل السنة :
وذاتَ يومٍ أعْطى جارٌ لمحمّد عودة-رحمه الله- كتابَ: "مُنْهَاج السُّنَّة النبويّة في نقضِ كلامِ الشَّيعة القدريّة" لشيخ الإسلام ابنِ تيميّة، فقرأهُ بتدبُّرٍ وتأمُّل، وعلاه الخشوعُ والوجل، فتأثر بالحقِّ الذي اطلع عليه، ونبذَ الباطل وراءَ ظهره، فهداه اللهُ تعالى، وأنار بصيرته بالهدى، ولمــَّا أصبحَ سُنيًّا، مُتبعًا للنّبي- صلّى الله عليه وسلّم- مُتدينًا، بدأ يَعْقَدُ الجلساتِ الطويلةِ لمناظرتِهم، ومناظرةِ سادتِهم، وطُلّابِ حوزاتهم، ويجتمعُ في تلكم المناظراتِ الأعدادُ الغفيرة، والجموعُ الكثيرة، فكانَ الظَّفرُ مِن نصيبِه في تلكم الجولاتِ والصّولات، فتحولّ الكثيرُ ممّن حضرَ تلكم المناظراتِ إلى عقيدةِ أهلِ السُّنّة والجماعة، أهل الاستقامة والطاعة.
وبالنسبة لعائلتِه قِسْمٌ تبعَه، وقِسْمٌ عاندَه، فأخوه هيثمُ أصغرَ مِنه سِنًّا، صارَ سُنيًّا، وسمّى ولدَه الكبيرَ عُمر، ولذا كانَ يُكنّى بأبي عُمر، وكذلك هو قُتِلَ بعْدَ أخيه بمُدّة، وأما أخوه الكبير: فهو شيعيٌّ مُتعصّبٌ رافضي، وكان يحمل الحقدَ على أخيه، بل ربما فَرِحَ بقتلِه، وأمّا أُمُّه فكانت مُحايدة، وتُحِبُّ محمدًا حبًّا كثيراً، وتميلُ إليه ميلًا كبيرًا، حتى لما قُتِلَ محمّدٌ- رحمه الله- أصابَها مِثْلُ الجنون، وبكتْ عليه وذرفت الدُّموعَ الغزيرةَ مِن العيون، وأمَّا أبوه فكان رجلًا كبيرًا، لا أذكرُ أنّه عارَضَه، أو مَنَعَه؛ ولكن الذي كان يُعارضُه ويهددُه أخوه الكبير، الذي يحمل عليه الحقدَ الكَثير؛ لأنَّ أخاه الكبير كان مُحترقًا في الرفضِ بشدّة، يوالي ويعادي ويسعى ضدّه، وكان قد هجر الشّيخ محمد لسنوات، لا يكلِّمُه ولا يطيقُ النَّظر إليه حتى في المناسبات، مِن شدّةِ حِقْدِهِ عليه، وحِنْقِه مما يعتقدُ محمّدٌ ويمليه.
فلما أحسَّ الرافضةُ الأنجاسُ بخطرِه عليهم، بتفريقِ جمعِهم، وشو به عند أجهزة النظام السابق- أعني نظام البعث- فسُجِنَ لأشهرٍ مع التعذيب، بأيد شيعية لا يرحمون القريب، إلى أن شفَعَ له بعْضُ الضباطِ من اقربائِه، فتمكنوا من إخراجِه؛ ولكن بشرط: أنْ لا يعودَ لعقدِ المناظراتِ مع الشَّيعة! أو يُسَفِّهُ عقائدَهُم الشَّنِيعة، فالتزمَ- رحمه الله- بذلك فكان لا يتكلّم؛ ولكنّه استمر في التأليف لعقائدِهِم يُحطِم، فبيّنَ عُوارَ عقيدتِهم، وتناقضَ منهجِهِم.

طلبه للعلم :

يحفظ القرآن الكريم كاملا، ويستظهره جيدا، فكثيرا ما يستشهد بكلام الله، وله فيه التفات تجذب له الانتباه، مما يؤكد على تعايشه معه، وتعلقه به.
أما حفظه للسنة من كتبها الأمات المسندة، فهي كثيرة متعددة، تشمل أغلب المطبوعات، حتى وصل إلى جرد كتب التراجم والتواريخ والمصنفات.
وكان يتمتع بحافظة قوية، وذاكرة حديدية، واستظهار عجيب للأحاديث والآثار، والتراجم والأخبار، يحدثنا الساعات الطوال من حفظه، وحديثه جميل لا يمل منه.
واما قراءته ، فوقته كله للقراءة والحفظ والمطالعة، والكتابة والمذاكرة، يعني أكثر من خمسة عشر ساعة.
من جلده وصبره على القراءة والحفظ، أني زرتُه ذاتَ يوم إلى محلِّ عملِه، ومكانِ قراءتِه، فرأيتُه يجلسُ في مكانٍ ضيّقٍ صَغير، مساحتُه مترًا تقريبًا، ويلبسُ فانيلةً علّاقة، يتصببُ مِنه العَرَقُ لا يبالي بالحر، ولا بالعَرَقِ الذي منه يَتَقَطّر.

دور المسجد في حياته .
كان –رحمه الله- محافظا على صلواته في المسجد، لا يتخلف عن الصلاة إلا بعذر؛ لأنه يعتقد بوجوب الصلاة في المسجد، وأحيانا يقدمونه إماما لحسن قراءته، وجمال صوته، وإتقان حفظه.

رحلاته .
لم يرحل لخارج العراق؛ لأن العراقيين كانوا ممنوعين من السفر لخارجه في زمان نظام صدام-رحمه الله-، ولكن كان يذهب لبعض المدن والمحافظات العراقية من أجل الدعوة إلى دين الله وقد رافقته في بعضها، وكانت له شعبية كبيرة، ومعروف على مستوى طلاب العلم العراقيين.

موقفه من التصوف والفرق الإسلامية الأخرى.
هو بفضل الله تعالى على منهج أهل السنة والجماعة، أهل السمع والطاعة، وضد الطرق الصوفية، والأحزاب البدعية، والجماعات المتطرفة، والتحالفات المزيفة، فهو يتبع الكتاب والسنة، بفهم سلف صالح هذه الأمة.

مناظراته :
صاحب حجة قوية، واستدلاله بالكتاب والسنة والأثار كثيرة سوية، لا أحد يستطع أن يغلبه، فكل من يناظره يسكت وينقطع معه.
أسلوبه في المناظرة.
تعتريه الحدة كثيرا في مناظراته، ولا يرفق بخصمه عندما يناظره، فأحيانًا يوقع خصمه بالإحراج، ويعلوه بقوة الإقناع والحِجَاج.

مقتله رحمه الله :

كبارُ الشّيعة كانوا يَهابونَه ويخافونَه؛ لأنّه كانَ أُمَّةً وحدَه في فَضْحِ عقائدِهِم، وبيانِ فسادِ مذاهبهِم، وكانَ-رحمه الله- صاحبَ جدلٍ وحُجَّة، قوي الإلزام بالمحجة، بحيثُ مَن استمعَ إليه- منهم- اقتنعَ بحُجّتِه؛ وأذعنَ لمقولتِه؛ لأجلِ هذا كُلِّه، حرص الشّيعة على مَنْعِه، من عقد المناظرات، وسعوا لتفريقِ الاجتماعات، وقد نجحوا في أواخر عهدِ النظام السَّابق، بَعْدَ الاحتلال الأمريكي للعراق، من قتله، وتصفيته، لا سيما بعد تمكن الشيعة من السيطرة على البلاد؛ وأحدثوا فيها الفساد والإفساد، فكان اسمُ محمّد عودة الواسطي في أول قائمةٍ يجبُ تصفيتُهُم وقتلُهُم، فقُتِلَ عام 2004م - وهو- في طريقِه لأداءِ صلاةِ العصر في المسجد، على أيدِ شيعةٍ بُغضاءَ لُدد.
وهذه القائمة السوداء، جلبوها معهم من دولة إيران الخرقاء، فكانَ محمد عودة الواسطي أوّلَ مَن قتلوه في بغداد، بُعيد الاحتلال على البلاد- بأشهر قليلة-، في وقتٍ لم نكن نسمعُ بالاغتيالاتِ، وبعد قتلِه بدأنا نسمعُ باغتيالات بعض كبار علماء الطاقة، وكبار القادة، وهكذا توالت الاغتيالات على كبار رجال العراق، ولا حول ولا قوة إلا بالله الواحد الخلاق.
وكان مقتله في منطقته الرسالة الثالثة، وكان ذاهبا لأداء صلاة العصر فقتلوه بطلاقات مسدس ثلاث رصاصات اخترقت جسده ومات في السيارة عند حمله للمستشفى.
وقد صلينا عليه في مسجده: مسجد حذيفة بن اليمان، وشيعناه في منطقته، وبالقرب من بيته، ثم دفناه في مقبرة في بغداد، لا أذكر اسمها الآن ، تأثرنا جدا بموته؛ لأننا لم نعهد القتل والاغتيالات بعدُ، وخشينا كذلك على أنفسنا فتركنا بغداد وهاجرنا لشمال العراق؛ فرارا من القتل، والله المستعان، وعليه التكلان.

وكتب الدكتور أبو عبد المهيمن العراقي ...