الإنتاج الغزير بركة في العمر ونظام في الحياة !!


يحيى حاج يحيى


عندما نقلب صفحات الماضي ، ولا سيما كتب التراجم ، نعجب للإنتاج الغزير الذي قدمه أولئك الأفذاذ خلال أعمارهم القصيرة ووسائلهم الأولية ؟! ونتساءل : أي درجة علمية تليق بهم . بحسب تقويمات عصرنا ....

وماذا يمكن – على سبيل المثال – أن نقول عن ابن كثير ، الذي قدم التاريخ تحت عنوان ( البداية والنهاية ) في أربعة عشر مجلدا ومثله فعل الخطيب البغدادي في كتابه ( تاريخ بغداد ) في أربعة عشر مجلدا ، و ابن الأثير في ( الكامل ) في اثني عشر مجلدا وسبط ابن الجوزي ( في مرآة الزمان ) البالغ أربعين مجلدا؟!

وأما ( شرح النبات)لأبي حنيفة الدينوري فقد بلغ ستين مجلدا وقبل أن ننتهي من تعجبنا ، وتتركنا الدهشة ، يفاجئنا الإمام ابن الجوزي بأن هناك من زاد على الستين ؛ وهو صاحب كتاب ( الفنون) أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي المتوفى 513هـ .. وكتاب الفنون كما يقول ابن الجوزي كبير جدا ، فيه فوائد كثيرة جليلة في الوعظ والتفسير والفقه وأصول الفقه ، وأصول الدين والنحو واللغة والشعر والتاريخ والحكايات،وفيه مناظراته ومجالسته التي وقعت له ، وخواطره ونتائج فكره قيدها فيه ؟!

وقد قال الحافظ الذهبي عنه : لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب ، و السؤال : كيف استطاع هؤلاء العلماء توفير الوقت اللازم لمثل هذه التآليف ؟

يجيبنا أبو الوفاء البغدادي قائلا: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري ، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة ، وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي ، وأنا منطرح ، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره ، وإني لأجد من حرص على العلم ، وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده ، وأنا ابن عشرين سنة ؟!

ويضيف : وأنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي ، حتى إنني أختار ( سف الكعك ) وتحسيه الماء على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ ، توفرا على المطالعة ، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه ، وإن أجل تحصيل عند العقلاء بإجماع العلماء ، هو الوقت ، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص ، فالتكاليف كثيرة ، والأوقات خاطفة ...

ولو أن هؤلاء احتاجوا إلى بصلة ما تعلموا مسألة ... كما قال بعض الأقدمين . فتخففوا من أعباء الدنيا ، وقللوا من حاجاتهم ، ولم يستشرفوا ما عند الآخرين إلا من سبقهم بالعلم وفاقهم بالتقوى !!