تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تغريب التعليم.. خط الهجوم الأول ضد الإسلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي تغريب التعليم.. خط الهجوم الأول ضد الإسلام

    تغريب التعليم.. خط الهجوم الأول ضد الإسلام (1/3)



    مقدمة
    يعرف المتضلعون بالسياسة العالمية والمتخصصون من أن كل المؤامرات السابقة التي هي ضد الإسلام كانت تتسم بالسرية التامة، وأنها حيكت على المسلمين وراء الكواليس وفي جنح الليل البهيم، وأما اليوم وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على العالم، ظهر علينا هذه المخطط السيئ، وهذا النظام العدائي البغيض، هو (النظام العالمي الجديد) والمسمى (العولمة)، الذي لا يزال سائر المفعول على العالم بأسره، وبخاصة العالم الإسلامي، فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق وأفغانستان عسكرياً، وجعلت لها قواعد عسكرية جوية وبرية في أنحاء مختلفة من عالمنا الإسلامي، وأما سياسياً فإنها تسيطر سيطرة كبرى على أغلب الدول الإسلامية وتخضع لهيمنتها بحجة القضاء على الإرهاب العالمي المزعوم الذي هو أيضاً من صناعة اليهود ومن حالفها من الصليبيين والمنافقين.

    أقول: لما رأت الدول الكافرة صحوة المسلمين وعودتهم إلى شرع الله عز وجل في جميع البلاد الإسلامية غاضها ذلك وامتعضت أشد الامتعاض، بل اشتد خوفها وفزعها، فابتدعت النظام العالمي الجديد ذا القطب الأوحد للقضاء على هذه الصحوة العارمة التي أصبحت تقض مضاجعهم، ولينتهي صراع القطبين العالميين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، لتتفرد الأخيرة بمقدرات العالم، خصوصاً العالم الإسلامي.

    يقول الشيخ إبراهيم النعمة: (فإن (النظام العالمي الجديد) اليوم يفصح عما بيته ويبيته للعالم الإسلامي جهاراً نهاراً، فهذه هيئة الإذاعة البريطانية تذيع في برنامج (عالم الظهيرة) فتقول: (إن الجهد الرئيس للمخابرات الأمريكية الذي كان منصباً لمراقبة إمبراطورية الشر - يعني الإتحاد السوفيتي - سيتجه أساساً لمراقبة الجماعات الأصولية في العالم الإسلامي ووضع العقبات والعراقيل أمامها)[1].

    فأمريكا لها أهداف ثلاثة رئيسة للسيطرة على العالم الإسلامي تتلخص بما يأتي[2]:
    1. السيطرة على الثروات الإسلامية.
    2. الاعتراف بالكيان الصهيوني والمحافظة على سلامة أمنه.
    3. السيطرة على صنع القرار، أي ضمان استمرار النفوذ الأمريكي في دول العالم الإسلامي، بحيث لا تستطيع تلك الدول من اتخاذ قرار ما إلاَّ بمباركة أمريكية وبموافقتهم.

    لقد صرح مسؤولون غربيون بأن عدوهم الأول الآن بعد أفول نجم الشيوعية في العالم هو الدين الإسلامي، فهم يحاولون مقاومة انتشار هذا الدين ويشددون الوطأة والمضايقات على أبنائه، والذي يرفع لواء هذا العداء السافر والحقد الدفين هي الولايات المتحدة الأمريكية لتستمر في فرض سيطرتها على دول حلف شمال الأطلسي من جانب ولتمتد وصايتها على دول العالم الإسلامي جميعاً الأهداف والأطماع الكثيرة [3].

    تعريف العولمة (GLOBLIZATION):
    (هي نظام عالمي يقوم على العقل الالكتروني والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود، دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيم والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم) [4].

    وعرفها ويبسترز (Websters): (هي اكتساب الشيء طابع العالمية، وبخاصة جعل نطاق الشيء عالمياً) [5].

    ويعرفها صندوق النقد الدولي: (إنها التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم، والذي يحتمه ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات، وتنوعها عبر الحدود، إضافة لتدفق رؤوس الأموال الدولية، والانتشار المتسارع للتكنولوجيا في أرجاء العالم كله) [6].

    وعرفها الدكتور مصطفى محمود: (بأنها مصطلح بدأ لينتهي بتفريغ الوطن من وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي، بحيث لا يبقى منه إلاَّ خادم للقوى الكبرى) [7].

    وهذا التعريف الذي أورده الدكتور مصطفى محمود ينطبق تماماً على ما ندور عليه في بحثنا هذا.

    وذهب الدكتور سيَّار الجميل في أن العولمة تعني: (إنها عملية اختراق كبرى للإنسان وتفكيره وللذهنيات وتراكيبها، وللمجتمعات وأنساقها، وللدول وكياناتها، وللجغرافية ومجالاتها، وللاقتصاديات وحركتها، وللثقافات وهوياتها وللإعلاميات ومدياتها) [8].

    وأشار أحد الباحثين إلى أن العولمة تعني التنميط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي من أجل إخضاع العالم وجعله يستجيب لما تريده الشركات العالمية متعددة الجنسيات[9].

    وعالمنا اليوم يتعامل مع مفردات جذابة أخذت تنشر في الدراسات والكتب والمقالات والتصريحات والبيانات مثل: (القرية الكونية) و(المواطن العالمي) و(العولمة)، ويختار لها أمهر الفنانين والرسامين لتصميم معلقات وبوسترات توضح ذلك، وكل هذه التسميات يبتغي في مفهومها غير ما أريد لها، إنها عولمة النهب أو عولمة الفهم الغربي الأمريكي للأشياء بهدف خلق وفرض أنموذج واحد وطابع واحد على كل مفردات الحياة وعناصرها في الاقتصاد والسياسة والعلم وحتى الأخلاق والفن.

    نشأت العولمة:
    ذهب البعض إلى أن العولمة ليست ظاهرة جديدة، بل بداياتها الأولى ترجع إلى القرن التاسع عشر، مع بدء الاستعمار الغربي لآسيا وأفريقيا والأمريكيتين، ثم اقترنت بتطور النظام التجاري الحديث في أوربا، الأمر الذي أدى إلى ولادة نظام عالمي متشابك ومعقد عُرف بالعالمية، ثم العولمة.

    وذهب آخرون إلى أن مصطلح النظام العالمي كان مستخدماً منذ مؤتمر فيينا عام 1815م، الذي أنشأه مترنيخ رئيس وزراء النمسا، وجدده (بسمارك) الألماني في سبعينات القرن التاسع عشر، ثم تجدد على يد (كلمنصو) الفرنسي في مؤتمر فرساي عام 1919م، ثم تجدد في يالطة على يد الخلفاء في الحرب العالمية الثانية.

    الثورة الصناعية وأثرها في ظهور العولمة:
    إن ظهور الثورة الصناعية بشكلها التقليدي في منتصف القرن الثامن عشر في انكلترا، ثم أوربا وحيث سمح بترويض البخار والحديد، ثم الكهرباء، لزيادة الإنتاج وقهر المحيطات، ومن ثم خرجت أوربا من قوقعتها الاقتصادية الزراعية المنغلقة إلى ربوع الأسواق العالمية والاستعمار، فاشتد عود الدولة المعاصر وهي بعد حديثة لم تظهر معالمها إلاَّ منذ القرن السادس عشر، ولم تتأكد أركانها الأساسية في أوربا إلاَّ بعد حرب نابليون، بل وحتى هزيمة ابن أخيه نابليون الثالث وظهور الدولة الألمانية على يد (بسمارك) كقوة اقتصادية وسياسية في أوربا، ثم بدأت الثورة الصناعية تدخل مرحلة جديدة من نوع التطورات التقنية، بدءً من الستينات، ثم جاء بعد ذلك عصر الاليكترونيات والاتصالات والانتقال من اقتصاد الأشياء إلى اقتصاد المعلومات وهكذا كانت جذور العولمة [10].

    الولايات المتحدة الأمريكية والعولمة:
    إن الأمريكيين يعدون أنفسهم بأنهم أول من تبنى شعار العولمة، ومنذ تأسيس دولتهم، فهم يؤمنون بنظرية (العقد المتجلي)، فرؤساء الإدارات الأمريكية كافة صرحوا بأن بلادهم وجدت من أجل قيادة العالم عبر نظام عالمي يتلائم مع ثقافتها وبالتالي الرؤية المنهجية للحياة، فأول رئيس أمريكي (جورج واشنطن) قال في خطابه الرئاسي عام 1789م: (إنه مُوكَل بمهمة عَهَدَهَا الله إلى الشعب الأمريكي)، ويسمي رئيس أمريكي آخر هو (توماس جفرسون) في خطابه الرئيس هذه المهمة بمهمة (شعب الله المختار)، وفي عام 1945 قال الرئيس الأمريكي ترومان: (إن النصر الذي حقتته الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية وضع على عاتق الشعب الأمريكي عبء مسؤولية قيادة العالم)، وقال الرئيس الأمريكي آيزنهاور في خطابه عام 1953: (لمواجهة تحديات عصرنا حمَّل القدرُ بلدنا مسؤولية قيادة العالم الحر).

    وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية، قال الرئيس الأمريكي روزفلت: (الآن يجب أمركة العالم)[11].

    وفي عام 1961 رأى الرئيس كيندي أن الهدف من وجود الولايات المتحدة الأمريكية هو قيادة العالم كله.

    وفي العام 1963 قال نيكسون: (إن قيمنا للتصدير وليست بنا حاجة للاعتذار من أحد).

    وأكد جونسون في عام 1965 على أن التاريخ وانجازاتنا تحملنا مسؤولية الدفاع عن الحرية في العالم.

    وقال جيمي كارتر عام 1976: (إن مسؤوليتنا تكمن في تأمين نظام دولي مستقر).

    قال رونالد ريكان: (على أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الحارس للحرية في العالم).

    وفي يومنا المعاصر نرى أن جورج بوش الأب قد صرح بمقولة له قال فيها: (إن القرن القادم ينبغي أن يكون أمريكياً)، والغاية واضحة هي أن تبقى أمريكا الدولة بمثابة قطب واحد أو قطب القوة الأول المطلق في العالم، وتعميم نمط الحياة الأمريكية كطريقة حياة معروضة على الجميع كخيار واحد مفروض[12].

    وأما بوش الابن فقد جاء بالحرب والدمار ليحتل العراق وأفغانستان بحجة القضاء على الإرهاب العالمي وتحقيق الحرية والحراسة للعالم، وهذا الشعار قديم جداً حيث نادى به فرعون في قومه: ﴿ {وَقَالَ فِرْعَونْ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُوا رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ} ﴾[13].

    ويرى كثير من الباحثين أن العولمة الاقتصادية بقيادة أمريكا بدأت منذ عام 1944م والتي انبثق منها الصندوق الدولي، ليقوم حارساً على النظام النقدي الدولي والبنك الدولي ليعمل على تخطيط التدفقات المالية طويلة الأمد وإنشاء منظمة التجارة العالمية التي أدت إلى اتفاقية (الجات) والتي حولت السياسة التجارية للدول المستقلة إلى شأن دولي، وليس عملاً من أعمال السيادة الوطنية [14].

    فأمريكا تبث دعايتها إلى العولمة على أساس فكري مفاده: أن الرأسمالية الليبرالية بشقيها السياسي والاقتصادي قد أثبتت أنها أقرب إلى التعبير عن حقيقة الإنسان وأقدرها على تأمين سعادته ورضائه وتتخذ من انهيار الاتحاد السوفيتي برهاناً زائفاً ومضللاً على صدق ما تدعيه.

    إن العولمة كما يروج لها دعاتها لا تعدو أن تكون تعبيراً معاصراً عن نزعة تسلطية استعمارية قديمة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب الأليم صاحبت كل قوة غاشمة على مدار التاريخ، كما حدث في مصطلح (الاستعمار)، ولعل من أبرز مظاهر هذه العولمة انهيار السدود بين الحضارات والثقافات وفرض الهيمنة الغربية في مختلف المجالات سياسة واقتصادية وإعلامية وفكرية.

    يقول الدكتور صلاح الصاوي: (إن عُمَد الحضارة الغربية تمثلت في الطباعة والتنصير والبارود، فهي ظلُّ ذو ثلاث شعب) [15].

    التفرقة بين عالمية الإسلام وعولمة الغرب:
    إن عالمية الإسلام تختلف اختلافاً جذرياً عن العولمة التي جاء بها الغرب، فعالمية الإسلام قائمة على المحبة والرحمة، قال تعالى: ﴿ {وَما أَرْسَلنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ} ﴾، وقد عرفنا وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يرسل جنوده إلى الأمصار فيدعوهم إلى الرحمة بالكبير والصغير وينهاهم عن قطع شجرة أو هدم بيت إلى غير ذلك، بينما نجد أن العولمة تدعو إلى الهيمنة، واستلاب حريات الآخرين، وتبديد الأموال وانتهاك حرمتها وصب ذلك لصالح الرأسمالية العاتية بل لحساب حفنة من النخب الرأسمالية.

    فالعولمة وسيلة الغازي، والعالمية من خصائص الإسلام ولا بأس أن يأخذ المسلمون من الوسائل ما يكون مفيداً لهم ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم.

    فالبلاد الإسلامية والعربية بحاجة إلى خبرات الغرب وآلياته التقنية، فطبيعة العلاقات الدولية بين الشعوب والبلدان تقوم على أساس التبادل التجاري والمعرفي والعلمي لا على أساس الاستعمار والحرب والدمار وسلب الحريات واضطهادها.

    أشكال العولمة:
    أولاً – العولمة السياسية:
    تتمثل بالسيطرة على دول العالمي لاسيما الإسلامية، وذلك من خلال السيطرة على قراراتها، وعدم تمكينها بالقيام بأي عمل سياسي إلاَّ بعد موافقتها وأن تكون طرفاً رئيسياً فيه، وهذا ما تفعله أمريكا اليوم، فهي تتدخل في أمور الدول الداخلية والخارجية ظاهراً وباطناً، ولمصلحة الكيان الصهيوني.

    ثانياً – العولمة العسكرية:
    فالهيمنة العسكرية لأمريكا لا تكون إلاَّ من خلال الاحتلال العسكري وفرض الوصاية على كل دولة تكون معادية للكيان الصهيوني، أو السيطرة عليها من خلال التبعية العسكرية بإرسال الخبراء العسكريين، أو ببيع أسلحتها لأي دولة تكون تحت أمرتها السياسية والعسكرية، وتحت غطاء مكافحة الإرهاب العالمي، وهي بهذا التصرف تستطيع السيطرة على الدول الإسلامية، وتمنعها من أن يكون لها دور فاعل في المجتمع الدولي، وكما نرى اليوم من قيام الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق وأفغانستان، ولها قواعد عسكرية في كثير من البلدان الإسلامية لضرب أي قوة إسلامية كدول الخليج والباكستان ومصر.. الخ.

    وتبلغ التبعية العسكرية ذروتها في حقل استيراد السلاح، وتحكُّم أصحاب السلاح المعتمدين في إنتاجه على ثروات البلاد الإسلامية النفطية والمعدنية وعلى أسواق التصريف داخل تلك الدول على حساب المنتجات الوطنية... تحكمهم بمستورديه من أتباعهم أنفسهم [16].

    ثالثاً – العولمة الاقتصادية:
    للعولمة الاقتصادية أشكال مختلفة من خلالها تنفذ الدوائر الاستعمارية إلى قلب البلدان الضعيفة لتحقق ما تصبو وتتوق إليه، فمن هذه الأشكال:
    1- اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة: حيث ترغب كثير من الدول الكبرى بقيام أسواق عالمية لتبادل السلع والمنتجات بين البلدان وبالأخص القوية والضعيفة، لتنشأ بينهما بادئ ذي بدء علاقة مصالح مشتركة ثم تتحول بعد ذلك إلى هيمنة ونفوذ وقد حدث هذا في كثير من البلدان وخاصة دول الخليج العربي والدول الأوربية، والولايات المتحدة الأمريكية[17].

    2- انتقال الأموال والقوى العاملة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق: يرى كثير من المتخصصين والباحثين أن العولمة تقوم على أساس المعايير الاقتصادية وأنها تعني ازدياد العلاقات المتبادلة المتمثلة بانتقال رؤوس الأموال والقوى العاملة وتبادل السلع والخدمات بين البلدان المختلفة [18].

    3- خضوع العالم القوي للسوق العالمية الاحتكارية: مما يؤدي إلى اختراق الحدود، وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة، ولا يتم ذلك إلاَّ بدخول الشركات الرأسمالية الكبرى الضخمة ذات رؤوس الأموال العالية المستوى، وإذا تحقق لها ذلك استطاعت تلك الدول من التأثير على سيادة البلدان وبالتالي السيطرة على مقدراتها واقتصادها وثرواتها.

    4- هيمنة الشركات العالمية متعددة الجنسيات على رأسمال الدول الضعيفة: ويتم لها ذلك من خلال استثمار مواردها المختلفة في تلك البلدان، وقد حدث ذلك في العراق ولعقود من الزمن، مما دعا العراق إلى تأميم جميع شركات النفط العالمية العاملة في العراق.

    النتائج والمعطيات:
    1- إن العولمة غزو استعماري تسلطي، تبغي من خلاله الدوائر الاستعمارية تحطيم البنى التحتية لبعض الدول التي تراها تهدد وضعها، لكي لا تقوم بعدها أبداً، ولعل ما حدث في العراق وأفغانستان شاهد عصر على هذه العولمة، والعولمة الاقتصادية جزء منها.

    2- على الدول الضعيفة ولاسيما دول العالم الثالث أن تحمي نفسها بإصدار القوانين الصارمة الملزمة في الحفاظ على ثرواتها واقتصادها منعاً من وصول يد العولمة إليها، وهذا هو السد المنيع الذي يمكن أن يتخذ لمنع وصولها إليه.

    3- العولمة أو النظام العالمي الجديد أو عالم الحرية شعارات ظاهرها حلو وعذب وباطنها الاستعمار والإذلال والتركيع، فقد استبدل أهل الخبث والرذيلة أسلوبهم القديم بأسلوب براق مبهرج، فقد استخدموا لذلك أسلوب التطور التقني في مجال الحاسوب والانترنت والبرامج المعلوماتية في البغي على العالم الضعيف.

    4- العولمة تاريخها قديم ولكن صيغها هي التي تتبدل بين فترة وأخرى، وقد وزعوها بين العسكري والفكري والاقتصادي، فالحصار الاقتصادي الذي فرضوه على العراق لدليل واضح على شعار العولمة الاستعماري.

    وبناءً على المعطيات التاريخية فإن العولمة مصيرها كمصير من سبقتها من الشعارات، وقد أرى أن بوادر انتهائها قد لاح في الأفق بإذن الله.


    [1] العالم الإسلامي والنظام الدولي الجديد - مقدمة الشيخ إبراهيم النعمة، ص 2، وعد كيسنجر والأهداف الأمريكية في الخليج ، ص 69-70، مؤسسة الكتاب الإسلامي، دلس، الولايات المتحدة - 1412هـ - 1991م.
    [2] ماذا تريد أمريكا والصهيونية ص 5.
    [3] المصدر نفسه.
    [4] العولمة، ا د. عبدالكريم بكَّار، ص 11، دار الإعلام. والعولمة هي: واحدة من ثلاث كلمات عربية طرحها ترجمة للكلمة الانكليزية (GLOBLIZATION) والكلمتان الأخريان هما (الكوكبة) و(الكونية) والغلبة في الاستعمال أصبح للعولمة شيوع واستخدامها في وسائل الإعلام، ويعتبر فرنسيس فوكوياما - المستشار في وزارة الخارجية الأمريكية من أوائل الذين استخدموا هذا المفهوم.
    [5] الفقه السياسي الإسلامي، د. خالد سليمان، ص336، الأوائل للنشر، دمشق.
    [6] المصدر نفسه.
    [7] العولمة في المنظور الإسلامي، د. محسن عبدالحميد، ص 9، ط 1، 2002م.
    [8] المصدر نفسه ص 8.
    [9] صحيفة الجمهورية العراقية، العدد 10096 في 18 /8 /1999، د. لؤي مجيد حسن.
    [10] العولمة ومستقبل البشرية، أيمن نور الدين عمر، ص 12، دار لبنان للطباعة والنشر، ط 1.
    [11] العولمة، د. محسن عبدالحميد، ص 15.
    [12] النظام الدولي الجديد وحقوق الإنسان، باسيل يوسف، بحث منشور في كتاب النظام الدولي الجديدة، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، ط 1، 1992، ص 47.
    [13] غافر:
    [14] العولمة، د. محسن عبدالحميد ص 18.
    [15] وحدة العمل الإسلامي في مواجهة أعاصير العولمة، د. صلاح الصاوي، ص 1، شبكة الانترنيت.
    [16] بلادنا الإسلامية وصراع النفوذ ص 15 مؤسسة الرسالة - بيروت، 1979م.
    [17] النظام العالمي الجديد وموقع العرب منه، د. محمد صالح المسفر، مجلة مركز الدراسات الإنسانية، العدد 8 لسنة 1996، الإمارات، ص 89.
    [18] الايدولوجيا والنظام العالمي الجديد، د. عبد الرضا الطعان، بحث منشور في كتاب النظام الدولي الجديد، ص 184.
    ______________________________ ___________________________
    الكاتب: محمد الغباشي









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,518

    افتراضي رد: تغريب التعليم.. خط الهجوم الأول ضد الإسلام

    تغريب التعليم.. خط الهجوم الأول ضد الإسلام (2/3)



    اللغة العربية.. والهجمة على القرآن:
    اللغة العربية لغة الوحي والتشريع الإسلامي، ويعد استهدافها استهدافًا للإسلام في حد ذاته، ولقد عمد الاستعمار ـ أثناء محاولاته لتقويض دور الأزهر وهدم أركانه ـ إلى عدة محاولات تستهدف اللغة العربية؛ لقتلها والقضاء عليها، ومن ثم يسهل القضاء على الهوية الإسلامية والعربية في نفوس المسلمين.

    ففي عهد دنلوب كان الراتب الذي يتقاضاه مدرسو جميع المواد من أرباب المؤهلات العليا: اثني عشر جنيهاً، في حين أن مدرس اللغة العربية كانت لا يتحصل سوى على أربعة جنيهات شهرياً، فكانت حياته بين العوز والفاقة والتردد على الأبواب.

    وهكذا كانت تتشكل نظرة مدرس اللغة العربية إلى نفسه في المجتمع، فهو أقل الناس شأناً فيه، إلى الحد الذي يصل إلى أن فرّاش المدرسة التي يعمل بها المدرس قد يكون أعلى راتباً منه إذا كان ذا أقدميه في العمل بعض الشيء.

    ونظراً لذلك لم تعد لمدرس اللغة العربية كلمة مسموعة في مدرسته، فلا يستشار في شؤونها، ولا يشارك في أي قرار من القرارات التي تصدرها الإدارة، بالإضافة إلى ما كان يفرضه ذلك الراتب عليه من سوء المنظر وكآبة الهيئةّ! وما كان يلبسه من الثياب الرثة البالية التي لم تكن تكفل له أي احترام بين الطلاب، في الوقت الذي يتمتع فيه مدرس اللغة الإنجليزية ـ والذي يكون في الغالب إنجليزياً ـ برائحة عطرة و زي منمق، وربطة عنق أنيقة تفرض عليه احترام الناس، فضلاً عن حياته المعيشية المرفهة التي لا يتكفف فيها الناس، بل يفيض من راتبه شهرياً؛ ليكون فيما بعد من أرباب الأملاك.

    وهكذا ينحدر وضع مدرس اللغة العربية في المجتمع، بقدر ما ينحدر راتبه، ويصبح مادة دائمة للسخرية والتندر، يتحدث الناس عن جهله، وتخلفه، وضيق أفقه، وفقره، وانحطاط مستواه الاجتماعي والفكري. وأشد ما يعاب عليه، ويُزدرى من أجله، أنه لا يعرف لغة أجنبية.


    وقد ساعدت الأفلام السينمائية التي أنتجت في هذه الفترة في ترسيخ هذه الصورة في أذهان الناس إلى حد بعيد، حتى صارت السخرية من هيئته وشكله وطريقة نطقه لحروف اللغة العربية أو الأجنبية نمطًا من أنماط شخصيته، لم تكتف أفلام تلك الفترة بالسخرية من المدرس فقط؛ بل ومن مفردات اللغة نفسها، حتى صار التحدث باللغة الفصحى: من أساليب الضحك والفكاهة داخل المجتمع، تزامن ذلك مع موجة الدعوة إلى العامية التي دعا إليها بعض المتغربين الذين تم تلميعهم من أمثال \"سلامة موسى\" و\"لويس عوض\".


    وحين يصبح مدرس اللغة العربية في هذا الوضع المهين الذي لا يبعث على الاحترام، فإن وضعه يؤثر حتماً على المادة التي يدرسها.. وقد كان هذا هو الهدف المقصود من وراء ذلك التدبير الخبيث؛ حيث صارت اللغة العربية موضع الازدراء والتحقير والنفور؛ فالطلاب يشكون من صعوبتها وقد ظلوا يعايشونها ثلاثة عشر قرناً قبل ذلك بلا شكوى.

    وبدأت اللغة الإنجليزية في الانتشار في المجتمع نطقًا وكتابة، فكُتبت واجهات المحال التجارية الكبرى والمؤسسات الاقتصادية باللغة الإنجليزية، واستُخدمت الإنجليزية في تعلم الآداب والفنون، فصارت أسماءٌ كـ\"امرئ القيس والبحتري وأبي تمام\" أسماءً ممجوجة ينفر منها القارئ والمثقف، ويعدها مثالاً على الرجعية والتخلف، بينما أمثال شكسبير ودانتى و ودزورث وبايرون وأندريه جيد وفيكتور هوجو من الأدباء الإنجليز والغربيين: هي التي تتردد على ألسنة المثقفين؛ للتدليل على أنهم مثقفون حتى وإن لم يكن لهم بها علم إلا من خلال ترديد أسمائهم.


    هذا بالإضافة إلى ما أسند إلى درس اللغة العربية من قضايا لا تكاد تلامس الواقع الذي يعيشه أبناؤها، حيث كان درس النصوص مثلاً ـ ولا يزال ـ من أصعب الدروس التي يحتويها كتاب اللغة العربية، فلا الطلاب استفادوا منه بالقدر الكافي لغةً وذوقًا ورفعًا لمستواهم اللغوي، ولا هم أحبوه فارتبطوا باللغة العربية التي يدرسونها من أجله.

    التربية الإسلامية:
    ما قيل عن اللغة العربية يكاد ينطبق انطباقًا كليًّا على درس التربية الدينية الإسلامية، بل إن حاله أسوأ من ذلك بكثير، فبالإضافة إلى كل ما قيل عن مدرس اللغة العربية فإن مدرس التربية الإسلامية يزيد على ذلك بأن تدريس المادة يوكل إلى أكبر المعلمين سنًّا، والذي قد يكون مريضًا في الغالب، حيث هو مصاب بالهزال، منحني الظهر، يكثر سعالُه بين الحين والآخر، بالإضافة إلى هيئته الرثة وثيابه القديمة البالية التي فرضها عليه مستواه الاقتصادي.


    وتسند إليه مهمة تدريس التربية الإسلامية بحجة إراحته من هم التصحيح وحمل دفاتر التلاميذ إلى البيت بسبب كبر سنه. بالإضافة إلى العمد بحصة التربية الإسلامية إلى أن تكون في نهاية اليوم الدراسي؛ بسبب قلة الاهتمام بها، حيث تكون في الغالب السابعة يوم السبت أو الخامسة يوم الخميس أو السادسة في بقية الأيام، فبعد أن تنتهي طاقة التلاميذ طوال اليوم في تعلم بقية العلوم ـ والتي منها الفسحة والألعاب والموسيقى ـ يأتي درس الدين وهم منهكون متعبون وقد خارت قواهم، فيأتي درس التربية الإسلامية تحصيل حاصل، مجرد أداء من المعلم صاحب الهيئة المنفّرة التي لا يطيق التلاميذ النظر إليه، فيستمعون الدرس وأجفانهم نصف مغلقة وعقولهم شبه نائمة.


    وقد وصل حال هذه المادة في الوقت الحاضر إلى أن صارت مجرد نصائح وتعاليم يسقطها المعلم ـ أي معلم ـ في عقول التلاميذ، ولا يشترط في تدريس هذه المادة أن يكون المعلم متخصصاً، بل يقوم معلم اللغة العربية ـ أو غيره ـ بهذا الدور مكتفياً بما درسه في كلية الآداب أو التربية من جرعات قليلة عن هذا المادة، بعيدًا عن سلوكه الشخصي الذي قد يكون مغايراً تماماً لما يقوم بتدريسه.


    ويذكر أحد أولياء الأمور في هذا الشأن أن فصل ولده في الثانوية العامة ظل بلا مدرس لمادة التربية الإسلامية طيلة الفصل الأول إلى أن قربت امتحانات نصف العام، فما كان من إدارة المدرسة إلا أن أوكلت المهمة إلى أحد مدرسي التاريخ ممن لهم ميول صوفية إلى تدريس هذه المادة، وعند شرحه لأحد الدروس التي كانت تتناول قضية التدخين وأثرها السلبي على المجتمع لم تكن السيجارة تفارق يده!!


    هذا فضلاً عن أن هذه المادة لا تعد مادة التربية الإسلامية مادة للرسوب والنجاح في أي مرحلة من مراحل التعليم الثلاثة، بل لا تضاف درجاتها إلى المجموع، في الوقت الذي تعد مادة كالرسم مثلاً مادة معتبرة في الرسوب والنجاح، وتضاف درجاتها إلى مجموع الدرجات الكلي للطالب! من أجل ذلك انتشر في الأيام الأخيرة تلقي الدروس الخصوصية في مادتي الرسم والموسيقى في الوقت الذي لم يُسمع أبدًا بدرس خصوصي في مادة التربية الإسلامية لأنها مادة مهمَلة.

    وفي المرحلة الجامعية فإن الأمر أسوأ من ذلك؛ حيث لا وجود للتربية الإسلامية أو أي من مواضيعها أو أطروحاتها في أي كلية إلا الكليات الدينية المتخصصة، مثل كليات جامعة الأزهر، وجرعات مخفضة في بعض الأقسام من كليات الآداب والتربية، أما بقية الكليات فتنتهي صلة طلابها بدرس الدين في المرحلة الثانوية!
    وهذا لا شك له وقع كبير في انتشار العلاقات المحرمة بين الطلبة والطالبات في الجامعات والتي تشكو منها مصر؛ حيث بلغت مثلاً حالات الزواج العرفي داخل الجامعات مبلغًا خطيراً؛ حيث كشفت إحصائية نشرت في العام 2007 م عن وزارة التضامن الاجتماعي أن عدد حالات الزواج العرفي التي أمكن حصرها بين الطلاب والطالبات في مختلف الجامعات المصرية بلغت نحو 130 ألف حالة.


    وأفادت الإحصائية أن أكثر من 255 ألف طالب وطالبة في مصر متزوجون عرفيًا يشكلون نسبة تصل إلى 17% من إجمالي طلبة الجامعات والبالغ عددهم 5.1 ملايين طالب.


    وقد نتج عن هذه الزيجات ـ وفقًا للإحصائية ـ نحو 14 ألف طفل من \"مجهولي النسب\" يشكلون قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، مسببة مشكلات لا حل لها في غياب الوازع الديني.

    كانت هذه هي صورة درس التربية الإسلامية في مدارس دنلوب والمدارس الحديثة، وعلى العكس من ذلك كان درس الدين في المدارس المسيحية التنصيرية؛ حيث كان مختلفًا تمام الاختلاف عن تلك الصورة المزرية المنفّرة؛ حيث يقام في الصباح الباكر، والتلاميذ قادمون بنشاطهم كله، ويقوم بتدريسه أكثر المدرسين والمدرسات شبابًا وأحبهم إلى قلوب التلاميذ!

    ولا يقام في فصل الدراسة حتى لا تكون له رتابة الدروس اليومية العادية، إنما يقام في كنيسة المدرسة! ويقام في وسط الأناشيد التي تتجاوب بها حناجر التلاميذ وقلوبهم، فيقترن درس الدين في نفوسهم بالفرحة والبهجة والنشاط والحركة والاستبشار بالحياة! والعجيب في الأمر أن هذه المدارس كانت تحظى بانتظام بعض الطلاب المسلمين بها على الرغم من إعلانها أنها مدارس مسيحية تنصيرية!!


    تغريب المعلم.. خطوة لتغريب التعليم:
    كانت مدرسة المعلمين العليا التي يتخرج فيها المعلمون بمدارس دنلوب، تكمل الضلع الناقص في منظومة التغريب التي انتهجها الاحتلال في مصر؛ لتكون أسوة بعد ذلك لبقية العالم الإسلامي، كيف لا وهي بلد الأزهر الشريف؟! وقبلة المتعلمين والدارسين من جميع أنحاء العالم؟! من أجل ذلك كانت هذه المدرسة هي معمل التفريخ الذي أنجب المعلمين الذين يغذون المخطط بأكمله.


    كان طلاب المدرسة يختارون بادئ ذي بدء من بين خريجي المدارس الثانوية الذين حقنوا بالسم الخبيث على جرعتين متواليتين طويلتين، إحداهما في أثناء التعليم الابتدائي، والثانية في أثناء التعليم الثانوي أي خلال تسع سنوات متواليات.


    والثانية: وكانوا يختارون على أسس معينة وضعها وينفذها مدير المدرسة ومعلموها وكلهم من الإنجليز! ولنا أن تتوقع نوع \"العينة\" المطلوبة! ونوع \"المؤهلات\" المطلوبة! وبطبيعة الحال لن تكون الاستقامة على الإسلام، ولا التقوى والصلاح من بين تلك المؤهلات! وأياً كانت نوعية الداخل ووقت دخوله، فالخارج \"مضمون\"! والنتيجة مضمونة.



    كان الأساتذة الإنجليز لا يدخلون على طلابهم في الحقيقة بوصفهم أساتذة فحسب، بل بوصفهم قوة الاحتلال القاهرة التي جاءت لتقهر نفوس هؤلاء الطلاب وتشعرهم بالضآلة والدونية إزار \"الرجل الأبيض\" العظيم الذي وضعته العناية الإلهية على رأس هذه البلاد، وهذا هو المعنى الظاهر الذي كان يتعمد أولئك \"الأساتذة\" إظهاره. أما المعنى الخفي ـ وهو القهر الصليبي للمسلمين ـ فهذا لم يكونوا يصرحون به، ولكنه ينبث واضحاً في كل مناسبة وفي كل توجيه.



    كانت الرسالة الكبرى التي كلف المدرسون الإنجليز ببثها في نفوس الطلبة ـ معلمي المستقبل ـ أن ما بكم من تخلف سببه الإسلام! الدين كله يسبب التخلف، ولكن الإسلام بصفة خاصة يعمل على التخلف أكثر من أي دين!! ستظلون متأخرين ما بقيتم متمسكين بالإسلام! لن تتقدموا إلا إذا تخلصتم من عقلية القرون الوسطى التي كانت تعتبر الدين أساس الحياة!

    لقد عمق هؤلاء المدرسون الإنجليز في عقول الطلبة فكرة أن أوروبا كانت في العصور الوسطى المظلمة خاضعة لسلطان الدين، فكانت جاهلة متأخرة جامدة، وحين نبذت الدين تقدمت وتحضرت وتعلمت وأوتيت كل وسائل القوة والتمكن، كان الدين حاجزاً عن العلم لأنه مجموعة من الخرافات، وحاجزاً عن العمل والنشاط والإنتاج لأنه ينظر إلى الآخرة، ويهمل الدنيا، لذلك كان لابد من تحطيمه للقضاء على الخرافة.

    لقد كانت هذه المحاولات هي أقسى محاولات العلمنة والغزو الفكري في المجتمع المصري آنذاك، فما كان الطلاب يومئذ يملكون الرد على تحدي المعلم الأبيض، وما كانوا يملكون في هزيمتهم الداخلية المبهورة بما عند الغرب، ورهبتهم من الاحتلال العسكري الجاثم على أرضهم، ما كانوا ي يملكون المعرفة التي يردون بها على التحدي، فهم بعدُ لا يزالون تلاميذ قليلي الخبرة، قليلي العلم مخترقين داخلياً وخارجياً، يقفون إزاء هذا العملاق الذي عملقته صورته المبهرة ولسانه الحاد وفكره المتيقظ.

    فإذا انتهت سنوات الدراسة الأربع في مثل هذا الجو وهذا التوجيه، فقد ضمن الخواجات أن \"فراخهم\" التي أنتجوها في \"معمل التفريخ\"، والتي ستخرج لتتولى تربية جيل جديد من النشء، ستقوم بالدور المطلوب تلقائيًا بغير حاجة إلى توجيه جديد، فقد انطبعت نفوسها بما يراد طبعها به، وصارت \"تتقيأ\" تلقائياً ما سكب في كيانها من السم، لتطعمه فراخاً جديدة صغيرة السن، لا تدرك شيئاً مما حولها، بل تلتقط كل ما يوضع أمامها بلا تمييز ولا قدرة على التمييز!

    وإن كان الأمر قد استصعب على الجيل الأول في مثل هذه المدارس، فقد كان أيسر بكثير على المعلمين الإنجليز في مدرسة المعلمين فيما بعد، حيث يصعد لهم الشاب بعد أن تشرب هذه الجرعات المسمومة في مراحله الأولى الابتدائية والإعدادية فيأتي إليهم وقد استعد للتلقي والقيام بدوره في المنظومة المحكمة... وهكذا دواليك، حلقة محكمة الغلق، وتخطيط خبيث، لا يستهدف جيلاً واحداً بالإفساد فحسب، بل يرنو إلى الأجيال المتعاقبة؛ ليضمن سريان السم في جسدها، لكيلا يخرج جيل يفكر في العودة إلى الإسلام.


    ولا تزال حتى وقتنا الحالي تعاني الكليات التي تُعنى بإعداد المعلمين في مصر من المناهج الغربية في التربية، والتي يتلقنها المعلم دون النظر إلى طبيعة المجتمع الذي تطبق فيه مثل هذه المناهج، مع إهمال تراثنا التربوي القرآني والنبوي الغزير في التربية والتعليم، في الوقت الذي يُستبعد فيه الطلاب والمعلمون ذوو التوجهات الإسلامية من التدريس، حيث يحالون إلى الأعمال الإدارية بالإدارات التعليمية، على الرغم من حصول الكثيرين منهم على تقديرات عالية عند التخرج، ولكنهم يقصون عن التعامل المباشر بالتلاميذ بحجة تجفيف منابع \"التطرف\"داخل المجتمع.

    ------------------------------
    المراجع:
    خريطة الحركات الإسلامية في مصر. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
    القس دانلوب وتغريب التعليم في مصر. سيد العفاني.
    جريدة المؤيد.
    معركة الحجاب والسفور. الدكتور محمد إسماعيل المقدم.
    الموسوعة الحرة ويكيبيديا.


    ______________________________ ______________________________ _____
    الكاتب: محمد الغباشي




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •