قال -تعالى-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما في قُلُوبِهِمْ فَأعْرِضْ عَنْهم}
10 فوائد دعوي


قال -تعالى- في منهج التعامل مع المنافقين ودعوتهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما في قُلُوبِهِمْ فَأعْرِضْ عَنْهم وعِظْهم وقُلْ لَهم في أنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}، وقد اشتملت هذه الآية على جملة من الفوائد الدعوية والتربوية والتفسيرية:


- الأولى: أن الله هو الذي يعلم حالهم، ويعلم مقاصدهم ونواياهم وأغراضهم، وهو الذي يعلم مرضهم والسبيل إلى علاجهم، فأمرهم جميعه معلوم عند ربهم.

- الثانية: سبب خللهم وعلة انحرافهم ومحل مرضهم القلب؛ فالتشخيص والعلاج والبدء يكون من القلب لا من الجوارح.

- الثالثة: إذا ذكر القرآن مرضا قلبياً؛ فلبيان خطره من جهة، وللتحذير منه من جهة أخرى، ولبيان أنه يستدعي العلاج من الدعاة ويتطلب الدواء من الأطباء؛ فالمريض ليس كالمعدوم، وهذه إشارة بليغة إلى الدعاة أن يجتهدوا في الإصلاح والعلاج.

- الرابعة: وفي الآية إشارة بليغة ولفتة دقيقة، وهي أن المدعو قد يكون منافقاً لا غافلا ولا جاهلاً، والآية أصل في دعوة المنافقين.

- الخامسة: إذا كان مرض المدعو النفاق ومحله في القلب والفؤاد، فهو يحتاج إلى خطاب وأسلوب خاص، وليس مجرد التحذير والابتعاد؛ لأن الداعية الربانيّ لا ينغلق في الخطاب ولا يبخل في النصح والبيان؛ لأنه مكلف بالبلاغ حتى مع أهل الشقاق والنفاق.

- السادسة: الداعية في حال دعوته للمنافقين يكون في مقام الطبيب والواعظ والمربي والقاضي والهادي؛ لهذا يقدم لأهل النفاق الدواء المركب من الشدة والشفقة والمصلحة، وهي عناصر ومركبات قد امتزجت بإحكام وانتظام لا تُصنّع إلا في مصانع الأدوية الشرعية ومدارس التجارب الدعوية ومراكز البحوث العلمية.

- السابعة: انظر -يا رعاك الله-، إلى طريقة القرآن في الجمع بين الإعراض والإقبال، والهجر من غير إيذاء، والابتعاد المقترن بالنصح والبيان، فأمر الله -تعالى- نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالإعراض والابتعاد عنهم وهجرهم وتركهم، وفي الخطاب نفسه أمره بوعظهم ونصحهم بقول بليغ وخطاب مؤثر شديد حتى لو اقتضى الأمر إلى مناصحتهم سرا.

- الثامنة: وفي الآية إشارة إلى أن التعامل مع المنافقين ومن كان في قلوبهم مرض ودعوتهم يكون بالتدرّج في ثلاث مراحل:

- الأولى: الابتعاد عنهم والتحذير منهم ودفع شرهم عن الناس والدين.

- الثانية: دعوتهم وترغيبهم وترهيبهم وتذكيرهم.

- الثالثة: مناصحتهم سرا والاجتهاد في إصلاح بواطنهم ومعالجة نفوسهم.

فهذا هو المنهج القرآني في التعامل مع هذا النوع من المدعوين.

- التاسعة: وقل لهم: فيه إشارة إلى أنه يتعين على الداعية أن يختار لهم من الأقوال والنصائح والأساليب ما فيه مصلحتهم ومنفعتهم وما يناسبهم ويرغبهم بالتوبة، ويعينهم على إصلاح بواطنهم، أي: إرادة الخير لهم، والحرص على هدايتهم برغم كفرهم ومرضهم ونفاقهم.


- العاشرة: وإذا كان المنافق له حق على الدعاة بوعظه ونصحه وتقريبه إلى الإيمان والسعي لإصلاح باطنه بالقرآن، فكيف بغيره من أهل الإيمان ممن صاروا في غفلة أو فتنة، فهؤلاء أولى بالاعتناء.

وهاهنا حقيقتان:


- الأولى: عندما لا يقدر الداعية إلا على الإعراض والابتعاد، أو المخالطة والانصهار، والملاينة والاندماج، فإن ذلك يدل على خلل في واقع الإصلاح، وأن الداعية هو أحاديّ الجهة والمنهاج، لا يقدر أن يجمع في العلاج بين الأشياء.


- والحقيقة الثانية: أن الموفق من الدعاة هو الذي يجمع في منهجه الدعوي بين الابتعاد والاقتراب، وبين الهجر واللقاء، وبين المنع والعطاء بانتظام واعتدال، لهذا فالنهوض بواقع الدعوة بحاجة إلى إعداد وبناء.

الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ