تعريف الاسم
أ.د. عبد الحميد النوري عبد الواحد







إنَّ التعريف من مشمولات العلم، ودراسة العلم ضروريَّة لأنَّها تبيِّن طبيعته ومضمونه، وتوضِّح منهجه ومفاهيمه ومصطلحاته، وذلك لتجليته ومزيد ضبطه، وتخليصه ممَّا علق به وليس منه، ولإمكانيَّة مقارنته بالعلوم أو الفروع العلميّة الأخرى.

والتعريف هو الإحاطة بالشيء في أوجز عبارةٍ إحاطةً كاملة حتى لا يختلط أو يلتبس بغيره. ووضع التعريف ليس أمراً هيّناً، ولا سيّما في العلوم الإنسانيّة واللسانيّة. ولا يخفى أنّ الصعوبة أو عدم الدقّة متأتّيّة من طبيعة هذه العلوم نفسها، في مقارنتها بالعلوم التطبيقيّة والصحيحة.

ولهذه الأسباب تختلف التعريفات المتعلّقة بالعلم وبمفاهيمه، وليس من السهولة أن يتّفق بشأنها أصحابها. وبالنظر إلى هذا تتجاذبها الآراء، وينظر إليها كلّ طرف من زاوية معيّنة. وهذا شأن الاسم مثلاً. ومن المعلوم أنّ التعريف في النحو وعلوم اللسان عامّة هو أقرب ما يكون إلى الرسم، وهو أبعد ما يكون عن الحدّ الجامع المانع بمفهوم المناطقة.

وتعريف الاسم، وعلى امتداد قرون عديدة، ظلّ بحاجة إلى تعديل وحسن صياغة، لأنّ الاعتراضات ظلّت عليه قائمة. ومن هذه التعريفات ما جاء في عبارة سيبويه، وحسب ما يُحكى عنه "الاسم هو المحدَّث عنه"، أو "الاسم ما صلح أن يكون فاعلاً"، أو "ما صلح له الفعل" أي ما كان قابلاً للإسناد. وكلّ هذه التعاريف يقع عليها الاعتراض بالأسماء المبنيّة من نحو "كيف" و"أين" و"بعد" وما شابهها.

وأمام هذه الاعتراضات ذهب بعض النحاة الآخرين إلى أن "الاسم ما يوصف" بعبارة الكسائيّ، أو "الاسم ما احتمل التنوين أو الإضافة أو الألف واللام" على حدّ عبارة الفرّاء، أو "ما دخل عليه حرف من حروف الخفض" حسب قول هشام الضرير. بَيد أنّ هذه الأقوال ليست بأفضل من السابقة. لأنّها ليست جامعة لكلّ الأسماء، والاعتراض عليها قائم أيضاً. وهي أقرب إلى ذكر خصائص الاسم لا إلى تحديده أو تعريفه.

ولعلّ أوضح ما وصلت إليه هذه التعريفات، ما جاء عند بعض النحاة المتأخّرين، من نحو ما نجده عند الزمخشريّ في قوله: "الاسم ما دلّ على معنى في نفسه دلالة مجرّدة من الاقتران"، أو ما جاء على لسان ابن الحاجب في قوله: "الاسم ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة".

وواضح أنّ ما يُضيفه هذا النوع من التعريف هو الدلالة الذاتيّة، أي أنّ الاسم يدلّ على معنى في ذاته، ولا يدلّ على زمان. غير أنّ الاعتراض، وفي هذه الحالات يظلّ قائماً، بالإحالة على أسماء كثيرة، مثل أسماء الاستفهام والظروف وغيرها.

وأمام هذه الصعوبة في إيجاد التعريف المناسب للاسم، والتي تلحق الفعل والحرف أيضاً. وأمام الاعتراضات التي تقوم على كلّ تعريف من التعريفات الشائعة، وهي اعتراضات وجيهة ولا شكّ، ألا يحقّ للباحث اللسانيّ اليوم أن يغيّر وجهة مسار بحثه؟ وعوض أن يجتهد في إيجاد التعريف الملائم، يعيد النظر في أقسام الكلم في حدّ ذاتها، وما يندرج تحت كلّ قسم من أقسامها، أي أن يعيد النظر في التقسيم الثلاثيّ وما يترتّب عنه.