تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الرجوع إلى الحق فضيلة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي الرجوع إلى الحق فضيلة

    الرجوع إلى الحق فضيلة (1)






    كتبه/ نصر رمضان


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فليس المطلـوب من العبد أن يكـون متصفًا بالعصمة من الوقوع في الخطأ، فهـو في النهاية بشـر، والخطـأ والنسيـان من طبـائعه، لكن المطلوب أن يكون قريب العودة إلى الحق، قال الله -تعالى-: (*وَالَّذِينَ *إِذَا *فَعَلُوا *فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران : 135).

    قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: "أي: تابوا من ذنوبهم، ورجعوا إلى الله عن قريب، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها، ولو تكرر منهم الذنب تابوا عنه" (تفسير ابن كثير).

    وقال السعدي -رحمه الله-: "أي: إذا صدرت منهم أعمال سيئة كبيرة أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة والاستغفار، وذكروا ربهم، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين، فسألوه المغفرة لذنوبهم، والستر لعيوبهم، مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها، (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)" (تفسير السعدي).

    وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ *أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) (رواه البخاري).

    أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه عنك فإن جحود الذنب ذنبان!

    والمطالع لسِيَر السَّلَف الصالح لن يجدهم متصفين بالعصمة، لكنهم إذا وقع الخطأ منهم، كانوا أحق الناس بقول الله -تعالى- فيهم: (*إِنَّ *الَّذِينَ *اتَّقَوْا *إِذَا *مَسَّهُمْ *طَائِفٌ *مِنَ *الشَّيْطَانِ *تَذَكَّرُوا *فَإِذَا *هُمْ *مُبْصِرُونَ) (الأعراف: 201)، فكان الواحد منهم إذا أسـاء أحسن، وإذا أذنب استغفر، ولسان حاله ومقاله: "لأن أكون ذَنَبًا في الحق، خير من أن أكون رأسًا في الباطل".

    إن الكبر داءٌ خطير، يورد صاحبه الموارد، ويمنعه من قبول الحق، وهو السبب الذي طُرد إبليس لأجله من رحمة الله، وهو أحد أسباب كفر وعناد مشركي أهل مكة؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: (إِنَّ اللهَ *جَمِيلٌ *يُحِبُّ *الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ) (رواه مسلم)، أي: التكبر عن قبول الحق والانقياد له، واحتقار الناس وازدراؤهم؛ فهذا هو الكبر.

    قـال ابن رجب -رحمه الله-: "فالمتكبر ينظـر إلى نفسه بعيـن الكمـال، وإلى غيره بعين النقص، فيحتقرهم ويزدريهم، ولا يراهم أهلًا لأن يقوم بحقوقهم، ولا أن يقبل مِن أحدٍ منهم الحق إذا أورده عليه" (جامع العلوم والحكم)، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن من أكبر الذنب أن يقول الرجل لأخيه: اتقِ الله، فيقول: عليك نفسك، أنت تأمرني؟!" (شعب الإيمان).

    ولذلك كان من علامات التواضع: قبول الحق من أي أحد، فحقيقة التواضع: خضوع العبد لصولة الحق، وانقياده لها، فلا يقابلها بصولته عليها، سُئِل الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال: "يخضع للحق، وينقاد له، ويقبله ممَّن قاله" (شعب الإيمان)، وقال ذو النون المصري: "ثلاثة من أعلام التواضع: تصغير النفس معرفة بالعيب، وتعظيم الناس حرمة للتوحيد، وقبول الحق والنصيحة من كل أحد" (شعب الإيمان).

    فالمتواضع لا يبرح مراجعًا رأيه واجتهاده وعمله، فإن ظهر له الحق في خلافه؛ رجع عنه، وإن كان ما رجع إليه قولًا لمخالفه، أو رأيًا لمن هو دونه؛ فلا يليق بعاقل أن يرد الحق حتى وإن كان قائله مبطل، فالعبرة بالقول لا بالقائل.

    قال ابن القيم -رحمه الله-: "فعلى المسلم أن يتبع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبول الحق ممَّن جاء به من ولي وعدو، وحبيب وبغيض، وبر وفاجر، ويرد الباطل على من قاله كائنًا مَن كان" (إعلام الموقعين).

    وقال ابن حجر -رحمه الله-: "الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها وتؤخذ عنه فينتفع بها، وإن الشخص قد يعلم الشيء ولا يعمل به، وإن الكافر قد يصدق ببعض ما يصدق به المؤمن ولا يكون بذلك مؤمنًا" (فتح الباري).
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الرجوع إلى الحق فضيلة

    الرجوع إلى الحق فضيلة (2)



    كتبه/ نصر رمضان

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "والأسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جدًّا، فمنها: الجهل به، وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس، فإن مَن جهل شيئًا عاداه وعادى أهله؛ فإن انضاف إلى هذا السبب: بغضُ مَن أمره بالحق، ومعاداته له، وحسده؛ كان المانع من القبول أقوى، فإن انضاف إلى ذلك: إلفه وعادته ومرباه على ما كان عليه آباؤه ومَن يحبه ويعظمه؛ قوي المانع، فإن انضاف إلى ذلك: توهمه أن الحق الذي دُعِي إليه يحول بينه وبين جاهه، وعزه وشهواته وأغراضه؛ قوي المانع من القبول جدًّا.

    فإن انضاف إلى ذلك: خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه، كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ازداد المانع من قبول الحق قوة؛ فإن هرقل عرف الحق، وهم بالدخول في الإسلام، فلم يطاوعه قومه، وخافهم على نفسه، فاختار الكفر على الإسلام بعد ما تبيَّن له الهدى... ومن أعظم هذه الأسباب: الحسد، فإنه داء كامن في النفس، ويرى الحاسد المحسود قد فضل عليه، وأوتي ما لم يؤتَ نظيره، فلا يدعه الحسد أن ينقاد له ويكون من أتباعه، وهل منع إبليس من السجود لآدم إلا الحسد؟! فإنه لما رآه قد فُضِل عليه، ورفع فوقه، غص بريقه، واختار الكفر على الإيمان، بعد أن كان بين الملائكة" (هداية الحيارى).

    ويعدد الإمام أبو بكر الآجري صفات العلماء، فيذكر منها: "إن أفتى بمسألة فعلم أنه أخطأ لم يستنكف أن يرجع عنها، وإن قال قولًا فرد عليه غيره ممَّن هو أعلم منه أو مثله أو دونه؛ فعلم أن القول كذلك؛ رجع عن قوله، وحمده على ذلك، وجزاه خيرًا" (أخلاق العلماء).

    قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني -فضلًا عن الرافضي- قولًا فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل، دون ما فيه من الحق" (منهاج السنة).

    ولقد ضرب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثلًا رفيعًا في سرعة الفيئة حين عَلِم أن مسطح بن أثاثة الذي يأكل من نفقته كان قد شارك في اتهام ابنته السيدة عائشة بحديث الإفك، فأقسم أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق عليه، ونزل قوله تعالى: (وَلَا *يَأْتَلِ *أُولُو *الْفَضْلِ *مِنْكُمْ *وَالسَّعَةِ *أَنْ *يُؤْتُوا *أُولِي *الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِي نَ *فِي *سَبِيلِ *اللَّهِ *وَلْيَعْفُوا *وَلْيَصْفَحُوا *أَلَا *تُحِبُّونَ *أَنْ *يَغْفِرَ *اللَّهُ *لَكُمْ *وَاللَّهُ *غَفُورٌ *رَحِيمٌ) (النور: 22)، فما أن سمع أبو بكر خاتمة الآية حتى قال: "بَلَى وَاللهِ إِنِّي *لَأُحِبُّ *أَنْ *يَغْفِرَ *اللهُ *لِي، *فَرَجَعَ *إِلَى *مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْزِعُهَا عَنْهُ أَبَدًا" (متفق عليه).

    وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى رضي الله عنهما: " أمّا بَعدُ لا يَمنَعْكَ قَضاءٌ قَضَيتَه بالأمسِ راجَعتَ الحَقَّ؛ فإِنَّ الحَقَّ قَديمٌ *لا *يُبطِلُ *الحَقَّ *شَيءٌ، *ومُراجَعَةُ *الحَقِّ *خَيرٌ *مِنَ *التَّمادِي *في *الباطِلِ. ورَواه أحمدُ بن حَنبَلٍ وغَيرُه عن سُفيانَ، وقالوا في الحديثِ: لا يَمْنَعَنَّك قَضاءٌ قَضَيتَه بالأمسِ راجَعَتَ فيه نَفسَكَ، وهُديتَ فيه لِرُشدِكَ، أن تُراجِعَ الحَقَّ؛ فإِنَّ الحَقَّ قَديمٌ، وإِنَّ الحَقَّ لا يُبطِلُه شَيءٌ، ومُراجَعَةُ الحَقِّ خَيرٌ مِنَ التَّمادِي في الباطِلِ" (أخرجه البيهقي السنن الكبرى).

    وقال ابن كثير رحمه الله: "سُئِل عبد الله بن الحسن رحمه الله عن مسألة فأخطأ في الجواب، فقال له قائل: الحكم فيها كذا وكذا فأطرق ساعة، ثم قال: إذًا أرجع وأنا صاغر، لأن أكون ذَنبًا في الحق أحب إليَّ من أن أكون رأسًا في الباطل" (البداية والنهاية).

    وقـال رحمه الله: "صَنَّف الحافظ عبد الغني كتابًا فيه أوهام الحاكم، فلما وقف عليه الحاكمُ جعل يقرؤه على الناس، ويعترف لعبد الغني بالفضل، ويشكره على ذلك، ويرجع إلى ما أصاب فيه من الرد عليه، رحمهما الله" (البداية والنهاية).

    فقبول النصيحة من صفات الكمال، ودليل التواضع، فالمؤمن يستفيد من نصح إخوانه له، والمتكبر يرفض النصيحة؛ ظنًّا أن ذلك منقصة له! كان عمر رضي الله عنه يقول: "*رَحِمَ *اللَّهُ *امْرَأً *أَهْدَى *إلَيْنَا *مَسَاوِئَنَا" (أدب الدنيا والدين)، فمن يقبل النصيحة يصلح أخطاءه، ويتغير للأحسن، بخلاف المتكبر الذي يزداد بكبره فسادًا وانحرافًا!


    وقال عمر بن عبد العزيز لمولاه مزاحم: "يا مزاحم، إن الولاة جعلوا العيون على العوام، وإني جاعلك عيني على نفسي، فإن سمعت مني كلمة تربأ بها عني، أو فعلًا لا تحبه؛ فعظني عنده، وانهني عنه" (المجالسة وجواهر العلم).

    وقال رحمه الله لعمرو بن مهاجر: "إذا رأيتني قد ملت عن الحق؛ فضع يدك في تلبابي، ثم هزني، ثم قل: يا عمر، ما تصنع؟!) (تاريخ بغداد).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •