التغريبيون ومتاع الغرور


طلعت مرزوق

المقدمات الخطأ تؤدي إلى نتائج خطأ، ومن هذا الباب ما يزعمه دعاة صبغ حياة العرب والمسلمين بالصبغة الغربية، مِن أن تغيير هوية المجتمع وقِيَمه هو السبيل الوحيد للحضارة والتقدُّم والرقي.

وبدلًا من السعي لأسباب التقدم المادي، واكتساب الخبرات التقنية، كما فعلت اليابان والصين، وغيرهما، دعوا إلى تقليد الغرب في انحداره الأخلاقي.

وقد شاء الله -تعالى- أن يبدأ عصر النهضة الغربية في الوقت ذاته الذي بدأ فيه العالم الإسلامي يسرع الخطا نحو الانحدار؛ بسبب الانحرافات العقدية والسلوكية.

ولكي نصحح المقدمات والنتائج لا بد مِن استحضار ما يأتي:

- أولًا: أن الله -سبحانه وتعالى- يبتلي الناس بالخير والشر: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}، {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً}.

- ثانيًا: أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ومِن سنن الله -تعالى- قوله: {مَن كانَ يُريدُ العاجِلَةَ عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ}، {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}، {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ}.

ومِن كمال عدله -سبحانه- قوله: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا}، فمَن عمل للدنيا أعطاه الله ما عمله فيها، {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا}، {عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ}، إنها مشيئته الكونية {ما نَشاءُ}، وليست لكل أحد {لِمَن نُريدُ} إرادته الكونية.

ثالثًا: أن الأيام دول {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، يومٌ لك، ويومٌ عليك، {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

فأين اليوم قوم عاد وثمود، وفرعون؟! {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ِ}.

والمنهزمون نفسيًّا لا يرون عوامل انهيار الغرب المتمثلة في عِدَّة مظاهر، ومنها:

- حالات الانتحار.

- الإدمان.

- الإلحاد.

- الشذوذ.

- التفكك الأسري.

- انتشار العنف والقتل.


- العنصرية.

فالتغريبيون يجحدون العلوم التي نبغ فيها المسلمون، ويتجاهلون دورهم في الحضارة، ويدعون لاتباع الغرب حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلوه، ولكن «لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ كَذلكَ».