مشروعية العمل بشرع من قبلنا مادام الشرع ذكره وسكت عنه





د / ربيع أحمد ( طب ).





مشروعية العمل بشرع من قبلنا مادام الشرع ذكره وسكت عنه


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد : فشرع من قبلنا ، وهو ما شرعه الله لأنبيائه السابقين وأممهم من مسائل أصول الفقه ، وشرع من قبلنا الذي ذكرته النصوص من الكتاب والسنة إما أن يقره الشرع فهذا شرع لنا وإما أن يلغي الشرع العمل به أي ينسخ حكمه وهذا ليس بشرع لنا وإما أن يذكره الشرع ويسكت عنه ،وهذا الذي اختلف فيه العلماء على قولين[1] : القول الأول : وهو قول جمهور الحنفية والمالكية وبعض الشافعية وأحمد في الرواية الراجحة عنه إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شرعنا و القول الثاني : وهو قول الشافعية أن شرع من قبلنا ليس شرع لنا ،وكل فريق من العلماء قد أدلى بدلوه من الكتاب والسنة والمعقول .

[1] - كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري 3/212-213 والبرهان للجويني 1/503-504 ( طبعة دار الأنصار القاهرة )
-----------
أدلة القائلين بعدم حجية شرع من قبلنا مطلقا

وأدلة القائلين بعدم حجية شرع من قبلنا مطلقا غاية ما فيها أن الأصل أن شريعتنا ناسخة ما قبلها والنسخ إنما يكون في الأحكام الشرعية العملية ،ولا يدخل النسخ في الأحكام العقدية ولا الأحكام التهذيبية واستدلوا بقوله تعالى : ﴿ ِلكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾[2] أي لكل أمة شريعة خاصة بها فلا يجب علينا العمل بما جاء في شرائع السابقين ،وهذا غاية ما فيه عدم الإلزام بشرع من قبلنا ،ومادام الشرع ذكره فيشرع فعله ؛ لأن سكوت الشرع عنه دليل على مشروعية العمل به فلو كان العمل به غير مشروع لقال الشرع بنسخه ،واستدلوا بقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[3] ومفهوم الآية أن غير شريعة الإسلام لا تتبع ،وغاية ما في الآية أننا لا نطالب بشرائع السابقين على وجه الإلزام ،والأحاديث الدالة على مخالفة أهل الكتاب غاية ما فيها مخالفتهم في الأمور التي تميزوا بها عن غيرهم ،وأصبحت من شعائرهم [4] فعندما تجد شخصا يفعلها تقول هذا كتابي بدليل أننا مطالبون بإعفاء اللحية ونتف الشارب وحلق العانة ، وهي من شرع الأنبياء السابقين .


2] - سورة المائدة من الآية 48

[3] - سورة الجاثية من الآية 18

[4] - شعائرئهم أي معالم دينهم الظاهرة ومتعبداته،انظر القاموس الفقهي للدكتور سعدي أبو حبيب 1/197 دار الفكر 1408هـ


---------------------
أدلة القائلين بحجية شرع من قبلنا مطلقاً

أما أدلة القائلين بحجية شرع من قبلنا مطلقاً فغاية ما فيها التصديق برسالة السابقين وأنها منزلة من قبلالله، وأما أننا ملزمون بالعمل على مضامينها فهذا ما لم يدل عليه الدليل ، فلا يدل ثبوت إلزامنا ببعض شرائعهم من الكتاب والسنة كالقِصاص والصيام والختان أن ذلك شرع لنا مطلقا فالإلزام إنما جاء بتشريع ثان من شرعنا ، ولا يكفي مجرد ورود بعض من شرائعهم في الكتاب والسنة إذا ما كان المقام مقام التشريع فالشرع أتى به على سبيل الحكاية والقصص لا على سبيل التشريع ،وقد قال الله : ﴿ ِلكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾[5] إلا أن شرائع الأمم تتفق في العقيدة قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ﴾[6] ويدخل في أصول الإيمان ما كان من جنس مكارم الأخلاق كالصدق والوفاء وإكرام الضيف ،واستدلالهم بقوله تعالى : ﴿ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾[7] وقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[8] نقول الاتباع المقصود هنا هو الإتباع في أصل شريعتهم من العقائد و أصول الدين بدليل قوله تعالى : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾[9] أي أقيموا الدين بالتوحيد وطاعة الله وعبادته دون مَن سواه، ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتكم به فالتوحيد وطاعة الله مما تشترك فيه جميع الشرائع السماوية ،وقوله r : «نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد » [10] فالشرائع مختلفة لا متباينة ،ولو كنا ملزمين بها لما تكن مختلفة .


[5] - سورة المائدة من الآية 48

[6] - سورة النحل من الآية 36

[7] - سورة الأنعام من الآية 90

[8] - سورة النحل من الآية 123

[9] - سورة الشورى من الآية 13

[10]- متفق عليه
-----------------

الخلاصة

وعليه فما ذكره الشرع من شرائع السابقين ،وسكت عنه فمشروع لنا فعله فلو كان غير مشروع لنبه عليه هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .