نحو فن أدبي جديد للطفل


د. محمد علي



حكاية الأطفال التي هي عبارة عن قصة قصيرة، كانت مناسبةً جدًّا للطفل؛ وذلك لاحتوائها على خصائصَ تشدُّ الطفل إليها، وتُكسِبه الفائدةَ والمتعة.
وعلى غرار القصة الومضة، رأيتُ أنه من اللازم إيجاد ما يمكن أن نسمِّيَه (ومضة الأطفال)، أو (الحكاية الومضة)، وأقصِد بها الحكاية المتضمِّنةَ معنًى واحدًا، مُختزلة في بضع كلمات، بحيث تكون عبارة عن موجِّهات للطفل، ولكن بأسلوب أدبي وقصصي يناسب عُمره، ومن وجهة نظري تكون الشروط على النحو التالي:
تحتوي الومضة على فكرة واحدة.
لا تزيد عن بضع كلمات.
تَجمَع بين سهولة الكلمات والمعاني.
يُقصَد بها التوجيهُ التوعويُّ في أيِّ مجال من مجالاته.
وأرى أنه من الممكن جدًّا ذلك؛ بل أَظُنُّ أنه سيُحقِّق قفزةً نوعية مهمة في أدب الطفل، وسيَكتسب خصائصَه ويَكسب جمهورَه، خاصة أننا نعيش في عصر السرعة، ونجده يُداهمنا بأشكال وألوان مِن التطوُّر الذي يَفرِضُ علينا مواكبته، وهنا أيضًا لا أدعو إلى إلغاء أي فنٍّ آخر، أو العمل في مجالٍ على حساب آخر؛ بل هي دعوة للإبداع والتفكير الجديد، كما هي دعوة للتكامل، وفي سبيل أبنائنا لا بد أن يستمر التفكير، ولا بد أن نَخرُجَ كلَّ يومٍ بجديد، والأهمُّ فيه هو خدمة الرسالة الإنسانية والإسلامية ومعانيهما، والحفاظ على مكتسبات اللغة والثقافة والمنهج، وخدمتها بأي شكلٍ يُؤهِّلها للخوض في شتَّى الميادين بأثوابٍ مناسبة وعناصر قويَّة.
لنَضْرِب بعض الأمثلة مما يمكن أن نُصنِّفَه من هذا المجال ونقصده فيه:
أُصيب سامي بنوبة سعالٍ شديد، فقرَّر ألا يرفعَ صوته على أخته بعدها.
لم يكن حسام يتوقَّع صعوبة الاختبار لهذه الدرجة، فتذكَّر أن أُمَّه كانت غاضبة عليه.
صحيح أن الطفل يستمتع بالحكاية الطويلة أو المتوسطة الحجم، أو حتى القصيرة التي تَكفل له وقتًا أطولَ من الاستمتاع الذي لا يَصِل به إلى الملل، ولا يؤدِّي إلى الرتابة في الموقف، فيُفسِد مِن حيث يريد الإصلاح، وهذا مجالٌ قد أخذ حظًّا جيدًا من الاهتمام والرعاية والتركيز، وإن كنا نعتقد أنه أيضًا لم يَصِل - لا هو ولا أهله، ولا إصداراته ولا اهتماماته - إلى المستوى الذي يَرضى عنه الجميع، أو الذي يؤهِّله لمنافسة ما عند الأمم والمجتمعات الأخرى، ولكن ما أقصِده في مجال ومضة الطفل، هو الإشارات السريعة بغرض التوعية، وهذه لا يُمكن أن تَصْلُحَ قصصًا قبل النوم، ولكنها ستَنفع كثيرًا في مجال التربية والتثقيف لعدة أسباب:
لأنها ستحافظ على بعض خصائص ما يُكتَب للطفل مِن قِصَرِ العبارات وسهولة المعاني، وسهولة الألفاظ ووضوح الفكرة، ويعتمد بالطبع على الكاتب؛ حتى لا تخرج إلى الضد، وتؤدِّي إلى إشكال بالغموض أو الاختزال المُخلِّ، وهذه الأمور التي ينبغي الانتباه إليها جيدًا.
لأن الطفل بطبيعته في أغلب أوقاته بحاجة إلى توجيهات سريعة، وإشارات متعددة من الأوامر والنواهي؛ مما يَجعل هذا المجال أليقَ بكثير فيها - لأنها ستحمل ما يريده المربِّي والأم والأب بلا أمرٍ مباشر - ومصحوبًا بصورة أدبية قصصية رائعة، تَكفل دخولها في حياة الطفل وعقله أكثر من أي أسلوبٍ آخر.
نعلم أن للقصة الومضة مُقوِّمات يَصعُب على الكثير إتقانُها، كما أن للقصة القصيرة جدًّا مقوِّماتها، وهي تَلتقي في بعضها مع القصة الومضة التي يعدُّها بعض الأدباء بنتًا للقصة القصيرة، وأعتقد أن ما أُشير إليه هنا من القصة الومضة للطفل بهدف التوعية - من حقِّها أن تكون وسطًا بينهما، سواء في السرد والحبكة، أو المقومات والعناصر؛ أي: يمكن أن تكون أطولَ من الومضة وأقصر من القصة القصيرة جدًّا، ويكون فيها التكثيف والإيحاء والمفارقة والخاتمة، ولكن بصورة أسهل.
أعتقد أن إشارتي إلى هذا الأمر من الأهمية بمكان، وأَجزِمُ أن لدى الكثير من الأدباء - ممن لهم باعٌ في المجال الأدبي بشكل عام، وفي مجال أدب الطفل بشكل خاص - ما يتفضَّلون به علينا وعلى هذا الموضوع من تعليق مفيدٍ، أو نقد بنَّاء، أو إضافة مميزة، ولا بد من التعاون بين جميع المهتمين لإنضاج الفكرة، سواء كان ذلك على مستوى الشخصيات الأدبية، أو المؤسسات المعنيَّة بالمجال.
أنا موقنٌ أنه سيأتي ممن يَلتفت لهذه الإشارة، ويُجيب هذا الصوت، ويهتمُّ بأمره بشكل إيجابي - الخيرُ الكثير، والإبداع الباهرُ، فإذا كان كذلك فسنرى إبداعًا لا حدود له، كما سيُفتَح بابٌ لأقلامٍ واعدة ومواهبَ جديدة، إلى جانب التجديد والتطوير والنزهة للأقلام المألوفة التي لها فضلٌ وباعٌ.