في «باب في صدق النَّقَلة وثقة الرواة الحملة» يقول ابن جني في «الخصائص»: « … لم يُوفَّق لاختراعه، وابتداء قوانينه وأوضاعه، إلا البر عند الله سبحانه، الحفيظ بما نوَّه به وأعلى شأنه، أوَلَا يعلم أن أمير المؤمنين عليًّا هو البادئه والمنبِّه عليه … ثم تحقق ابن عباس به، واكتفال أبي الأسود رحمه الله إياه … ثم تتالى السلف عليه … ويكفي من بعد ما تعرف حاله ويُتَشاهَد به من عفة أبي عمرو بن العلاء ومن كان معه … وهذا الأصمعي وهو صنَّاجة الرواة والنقلة … ومعلومٌ كم قدر ما حذف من اللغة فلم يثبته؛ لأنه لم يقْوَ عنده إذ لم يسمعه … هذا إلى ما يعرف عن عقل الكسائي وعفته وظلفه ونزاهته حتى إن الرشيد كان يجلسه ومحمد بن الحسن على كرسيين بحضرته ويأمرهما ألا ينزعجا لنهضته … وحسبنا من هذا حديث سيبويه وقد حطب بكتابه وهو ألف ورقة علمًا مبتكرًا ووضعًا متجاوزًا لما يسمع ويرى، قلما تسند إليه حكايةٌ أو توصل به رواية … وهذا أبو علي (الفارسي) رحمه الله كأنه بعدُ معنا ولم تبِنْ به الحال عنا، كان من تحوُّبه وتأنِّيه وتحرُّجه كثيرَ التوقف فيما يحيكه، دائم الاستظهار لإيراد ما يرويه، فكان يقول أنشدت لجرير فيما أحسب، وأخرى: قال لي أبو بكر فيما أظن، وأخرى: في غالب ظني كذا، وأرى أني قد سمعت كذا» (ابن جني: الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الرابعة ١٩٩٩، الجزء الثالث، ص ٣١٢ - ٣١٦)