تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم

    1623 - " أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بـ (نعمان) - يعني عرفة - فأخرج
    من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال: * (ألست
    بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو
    تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون
    ) قال الالباني في السلسلة الصحيحة :
    قلت: هو كما قال رحمه الله تعالى، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعا

    وذلك لأن الموقوف في حكم المرفوع، لسببين:
    الأول: أنه في تفسير القرآن، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع، ولذلك
    اشترط الحاكم في كتابه " المستدرك " أن يخرج فيه التفاسير عن الصحابة كما ذكر
    ذلك فيه (1 / 55) .
    الآخر: أن له شواهد مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جمع من الصحابة،
    وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أمامة وهشام بن حكيم
    أو عبد الرحمن بن قتادة السلمي على خلاف عنهما - ومعاوية بن أبي سفيان وأبو
    الدرداء وأبو موسى، وهي إن كان غالبها لا تخلوا أسانيدها من مقال، فإن
    بعضها يقوي بعضا، بل قال الشيخ صالح المقبلي في " الأبحاث المسددة ": " ولا
    يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات في ذلك " (1) ، ولاسيما
    وقد تلقاها أو تلقى ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على
    أنفسهم، السلف الصالح من الصحابة والتابعين دون اختلاف بينهم، منهم عبد الله
    ابن عمرو وعبد الله بن مسعود، وناس من الصحابة، وأبي بن كعب وسلمان
    الفارسي ومحمد بن كعب والضحاك بن مزاحم والحسن البصري وقتادة وفاطمة بنت
    الحسين وأبو جعفر الباقر وغيرهم، وقد أخرج هذه الآثار الموقوفة وتلك
    الأحاديث المرفوعة الحافظ السيوطي في " الدر المنثور " (3 / 141 - 145) ،
    وأخرج بعضها الشوكاني في " فتح القدير " (2 / 215 - 252) ومن قبله الحافظ
    ابن كثير في " تفسيره (2 / 261 - 164) وخرجت أنا حديث عمر في " الضعيفة " (
    3070) وصححته لغيره في " تخريج شرح الطحاوية " (266) وحديث أبي هريرة في
    تخريج السنة لابن أبي عاصم (204 و 205 - بتحقيقي) وصححته أيضا هناك (ص 267
    ) وفي الباب عن أبي الدرداء مرفوعا، وقد سبق برقم (49) وعن أنس، وسبق
    برقم (172) وهو متفق عليه، فهو أصحها وفيه: " إن الله تعالى يقول للرجل
    من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا؟
    فيقول: نعم. فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم
    أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي ". إذا عرف هذا فمن العجيب قول
    الحافظ ابن كثير عقب الأحاديث والآثار التي سبقت الإشارة إلى أنه أخرجها:
    " فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين
    أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في
    حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو،
    وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم ".
    قلت: وليس الأمر كما نفى، بل الإشهاد وارد في كثير من تلك الأحاديث:
    الأول: حديث أنس هذا، ففيه كما رأيت قول الله تعالى: " قد أخذت عليك في ظهر
    آدم أن لا تشرك بي شيئا ". قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (6 / 284)
    : " فيه إشارة إلى قوله تعالى: * (وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم
    وأشهدهم على أنفسهم) * الآية.
    قلت: ولفظ حديث ابن عمرو الذي أعله ابن كثير بالوقف إنما هو: أخذ من ظهره.
    .. "، فأي فرق بينه وبين لفظ حديث أنس الصحيح؟ !
    الثاني: حديث عمر بلفظ: (ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ... "
    الثالث: حديث أبي هريرة الصحيح: " ... مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو
    خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ... ".
    الرابع: حديث هشام بن حكيم: " إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم
    على أنفسهم ... "الخامس: حديث أبي أمامة: " لما خلق الله الخلق وقضى القضية، أخذ أهل اليمين
    بيمينه، وأهل الشمال بشماله، فقال: ... ألست بربكم، قالوا: بلى ... ".
    ففي ذلك رد على قول ابن القيم أيضا في كتاب " الروح " (ص 161) بعد أن سرد
    طائفة من الأحاديث المتقدمة: " وأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم له
    بالربوبية وشهادتهم على أنفسهم بالعبودية - فمن قال من السلف فإنما هو بناء
    منه على فهم الآية، والآية لم تدل على هذا بل دلت على خلافه ". وقد أفاض
    جدا في تفسير الآية وتأويلها تأويلا ينافي ظاهرها بل ويعطل دلالتها أشبه ما
    يكون بصنيع المعطلة لآيات وأحاديث الصفات حين يتأولونها، وهذا خلاف مذهب ابن
    القيم رحمه الله الذي تعلمناه منه ومن شيخه ابن تيمية، فلا أدري لماذا خرج
    عنه هنا لاسيما وقد نقل (ص 163) عن ابن الأنباري أنه قال: " مذهب أهل
    الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وصلب
    أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون،
    فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم
    كما جعل للجبل عقلا حين خوطب، وكما فعل ذلك للبعير لما سجد، والنخلة حتى
    سمعت وانقادت حين دعيت ". كما نقل أيضا عن إسحاق بن راهويه: " وأجمع أهل
    العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، وأنه استنطقهم وأشهدهم ".
    قلت: وفي كلام ابن الأنباري إشارة لطيفة إلى طريقة الجمع بين الآية والحديث
    وهو قوله: " إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده ". وإليه ذهب
    الفخر الرازي في " تفسيره " (4 / 323) وأيده العلامة ملا على القاري في "
    مرقاة المفاتيح " (1 / 140 - 141) وقال عقب كلام الفخر: " قال بعض المحققين
    : إن بني آدم من ظهره، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لا يزال إلى يوم القيامة هم
    الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منهم الميثاق الأزلي
    ليعرف منه أن النسل المخرج فيما لا يزال من أصلاب بنيه هو المخرج في الأزل من
    صلبه، وأخذ منهم الميثاق الأول، وهو المقالي الأزلي، كما أخذ منهم فيما لا
    يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الثاني، وهو الحالي الإنزالي. والحاصل أن
    الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب
    الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي، وثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه
    العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد،
    كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم الأمة
    ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقا آخر أزليا فقال (ما
    ) قال من مسح ظهر آدم في الأزل وإخراج ذريته وأخذه الميثاق عليهم وبهذا يزول
    كثير من الإشكالات، فتأمل فيها حق التأمل ".
    وجملة القول أن الحديث صحيح، بل هو متواتر المعنى كما سبق، وأنه لا تعارض
    بينه وبين آية أخذ الميثاق، فالواجب ضمه إليها، وأخذ الحقيقة من مجموعها
    وقد تجلت لك إن شاء الله مما نقلته لك من كلام العلماء، وبذلك ننجو من
    مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين:
    الأولى: رد الحديث بزعم معارضته للآية.
    والأخرى: تأويلها تأويلا يبطل معناها، أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة
    والمعتزلة. كيف لا وهم أنفسهم الذين أنكروا حقيقة الأخذ والإشهاد والقول
    المذكور فيها بدعوى أنها خرجت مخرج التمثيل! وقد عز علي كثيرا أن يتبعهم في
    ذلك مثل ابن القيم وابن كثير، خلافا للمعهود منهم من الرد على المبتدعة ما هو
    هو دون ذلك من التأويل. والعصمة لله وحده.ثم إنه ليلوح لي أننا وإن كنا لا
    نتذكر جميعا ذلك الميثاق الرباني وقد بين العلماء سبب ذلك - فإن الفطرة التي
    فطر الله الناس عليها، والتي تشهد فعلا بأن الله هو الرب وحده لا شريك له،
    إنما هي أثر ذلك الميثاق، وكأن الحسن البصري رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى
    عن الأسود بن سريع مرفوعا: " ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ...
    " الحديث، قال الحسن عقبه: " ولقد قال الله ذلك في كتابه: * (وإذ أخذ ربك
    ... ) * الآية ". أخرجه ابن جرير (15353) ، ويؤيده أن الحسن من القائلين
    بأخذ الميثاق الوارد في الأحاديث، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعليه فلا يصح
    أن يقال: إن الحسن البصري مع الخلف القائلين بأن المراد بالإشهاد المذكور في
    الآية إنما هو فطرهم على التوحيد، كما صنع ابن كثير. والله أعلم.
    _________
    (1) نقلته من " فتح البيان " لصديق حسن خان " (3 / 406) . اهـ.


    أخرجه أحمد (1 / 272) وابن جرير في " التفسير " (15338) وابن أبي عاصم في
    " السنة " (17 / 1) والحاكم (2 / 544) والبيهقي في " الأسماء والصفات "
    (ص 326 - 327) كلهم من طريق الحسين بن محمد المروذي حدثنا جرير بن حازم عن
    كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
    : فذكره. قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
    قلت: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله
    وسائرهم من رجال الشيخين. وتابعه وهب بن جرير حدثنا أبي به دون ذكر " نعمان
    " وقال أيضا: " صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر ". ووافقه
    الذهبي أيضا. وأما ابن كثير فتعقبه بقوله في " التفسير " (2 / 262) :
    " هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن
    عباس فوقفه. وكذا رواه إسماعيل بن علية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم بن جبر عن
    أبيه به، وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعلي بن بذيمة عن
    سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس،
    فهذا أكثر وأثبت. والله أعلم ".

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم

    0 - إنَّ اللهَ أخذ الميثاقَ من ظهر آدمَ عليه السلامُ بنعمانَ يومِ عرفةَ فأخرج من صلبِه كلَّ ذرِّيَّةٍ ذراها فنثرها بين يدَيه ثم كلَّمهم قُبُلًا قال أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إلى قولِه الْمُبْطِلُونَ

    الراوي : عبدالله بن عباس
    | المحدث : ابن كثير المصدر : البداية والنهايةالصفحة أو الرقم : 1/83 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد قوي على شرط مسلم | التخريج : أخرجه أحمد (2455)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11191)، والحاكم (75) باختلاف يسير


    إنَّ اللهَ أخذَ الميثاقَ مِن ظهرِ آدمَ بِ ( نعمانَ ) يومَ عرفةَ ، و أخرجَ من صُلبِه كلَّ ذريةٍ ذراها فنثرَهمْ بينَ يديهِ كالذَّرِّ ، ثمَّ كلَّمَهُم قَبَلًا قال : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى
    الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
    الصفحة أو الرقم: 1701 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
    التخريج : أخرجه أحمد (2455)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11191)، والحاكم (75) باختلاف يسير



    في هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ اللهَ أخَذَ الـمِيثاقَ"، أي: العهْدَ "مِن ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ" وهو وادٍ في مكَّةَ في جَبلِ التَّنْعِيمِ بيْن جَبَلَيْ نُعَيْمٍ، وناعِمٍ، وقيل: وادٍ في طَريقِ الطائفِ يَخرُجُ إلى عَرَفاتٍ، وقيل: وادٍ وراءَ عَرَفَةَ، يُقال له: نَعْمَانُ الأَرَاكِ، أو نَعْمَانُ السَّحَابِ، "يومَ عَرَفةَ"، أي: مُوافِقًا يومَ عَرَفةَ، وهو يومُ التاسعِ مِن ذي الحِجَّةِ، "وأخْرَجَ مِن صُلْبِه"، أي: مِن فَقراتِ ظَهْرِه، "كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَاها"، أي: كُلَّ نَسَمَةٍ هو خَالِقُها إلى يومِ القيامةِ، "فنثَرَهم بيْن يَديهِ كالذَّرِّ" والمعنى أنَّه سُبحانه نشَرَهم وفرَّقَهم وألْقاهم مِثْلَ النملِ الصغيرِ؛ بَيانًا لكثْرَتِهم، "ثم كلَّمَهم قُبُلًا" والمعنى خاطَبَهم اللهُ سُبحانه مُواجَهةً عِيانًا ومُقابلةً، لا مِن وَراءِ حِجابٍ، "قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]" فأجابوا: أنت رَبُّنا، أنت رَبُّنا، والصحيحُ أنَّ جَوابَهم بقولِهم: {بَلَى} كان بالنُّطقِ، وهم أحياءٌ، عُقلاءُ. {شَهِدْنَا} هذا مِن تَتِمَّةِ الـمَقُولِ، أي: شَهِدْنا على أنْفُسِنا بذلك، وأقْرَرْنا بوَحْدانيَّتِك، {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، أي: حتى لا تقولوا يومَ القيامَةِ: فعَلْنا ذلك كَراهةً، أو المعنى: أنْ تَقُولوا احتجاجًا: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا}، أي: الميثاقِ أو الإقرارِ بالرُّبوبيَّةِ، {غَافِلِينَ}، أي: جاهلينَ لا نَعْرِفُه، ولا نُبِّهْنا عليه .


    https://dorar.net/hadith/sharh/118350

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم



    172 - " يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: يا ابن آدم! كيف وجدت
    مضجعك؟ فيقول: شر مضجع، فيقال له: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا
    بها؟ فيقول: نعم، فيقول: كذبت قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب "
    وفي رواية: ظهر " آدم أن لا تشرك بي شيئا ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك
    ، فيؤمر به إلى النار ".
    قال الالباني في السلسلة الصحيحة :
    رواه البخاري (2 / 333 و 4 / 239، 242) ومسلم (8 / 134، 135) وأحمد
    (3 / 127، 129) وكذا أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما كما في " الجامع
    الكبير " (3 / 95 / 1) من طريق أبي عمران الجوني - والسياق له عند مسلم
    وقتادة، كلاهما عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وله طريق ثالث: عن ثابت عن أنس به نحوه.
    عزاه الحافظ في " الفتح " (6 / 349) لمسلم والنسائي، ولم أره عند مسلم،
    وأما النسائي، فالظاهر أنه يعني " السنن الكبرى " له والله أعلم.
    قوله: (فيقول: كذبت) قال النووي:
    " معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك، فأبيت فيكون
    من معنى قوله تعالى: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون) ،
    وبهذا يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله تعالى: (لو أن لهم ما في الأرض جميعا
    ومثله معه لافتدوا به) .
    قوله: (قد أردت منك) أي أحببت منك، والإرادة في الشرع تطلق ويراد بها ما
    يعم الخير والشر والهدى والضلال كما في قوله تعالى (ومن يرد الله أن يهديه
    يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في
    السماء) . وهذه الإرادة لا تتخلف. وتطلق أحيانا ويراد بها ما يرادف الحب
    والرضا، كما في قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر) ،
    وهذا المعنى هو المراد من قوله تعالى في هذا الحديث (أردت منك) أي أحببت
    والإرادة بهذا المعنى قد تتخلف، لأن الله تبارك وتعالى لا يجبر أحدا على
    طاعته وإن كان خلقهم من أجلها (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) ، وعليه
    فقد يريد الله تبارك وتعالى من عبده ما لا يحبه منه. ويحب منه ما لا يريده،
    وهذه الإرادة يسميها ابن القيم رحمه الله تعالى بالإرادة الكونية أخذا من قوله
    تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون) ، ويسمى الإرادة
    الأخرى المرادفة للرضا بالإرادة الشرعية، وهذا التقسيم، من فهمه انحلت له
    كثير من مشكلات مسألة القضاء والقدر، ونجا من فتنة القول بالجبر أو الاعتزال
    وتفصيل ذلك في الكتاب الجليل " شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة
    والتعليل " لابن القيم رحمه الله تعالى.
    قوله (وأنت في صلب آدم) .
    قال القاضي عياض:
    " يشير بذلك إلى قوله تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم)
    الآية، فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في
    الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يوف به فهو كافر، فمراد الحديث: اردت منك حين أخذت
    الميثاق، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك ". ذكره في " الفتح ".

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم

    0 - إنَّ اللهَ جَلَّ وعَزَّ لمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهرَه، فجَرَتْ من ظَهْرِه كلُّ نَسَمَةٍ هو خالِقُها إلى يومِ القيامةِ، ونَزَعَ ضِلَعًا من أضلاعِه، فخَلَقَ منه حَوَّاءَ، ثم أَخَذَ عليهم العَهدَ والميثاقَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} قال ثمَّ أقبَسَ كُلَّ نَسَمةِ رجُلٍ مِن بني آدَمَ بنورِه في وجهِه، وجَعَلَ فيه البلوى الذي كَتَبَ أنَّه يبتليه بها في الدُّنيا من الأسقامِ، ثم عَرَضَهم على آدَمَ، فقال: يا آدَمُ، هؤلاءِ ذُريَّتُك، فإذا فيهم الأجذمُ والأبرصُ والأعمى وأنواعُ الأسقامِ، فقال آدَمُ: لِمَ فَعَلتَ هذا بذُريَّتي؟ قال: كي يَشكُروا نِعْمَتي يا آدَمُ، فقال آدَمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: يا رَبِّ، مَن هؤلاء الذين أراهم أظهَرَ النَّاسِ نورًا؟ قال: هؤلاء الأنبياءُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ يا آدَمُ مِن ذُرِّيَّتِك، قال: فمَن هذا الذي أراه أظهَرَهم نورًا؟ قال: هذا داودُ يكونُ في آخرِ الأُمَمِ، قال: يا رَبِّ، كم جعَلْتَ عُمُرَه؟ قال: ستِّين سنةً، قال: يا رَبِّ كم جعَلْتَ عُمُري؟ قال: كذا وكذا، قال: يا رَبِّ، فزِدْه مِن عُمُري أربعينَ سَنةً حتى يكونَ عُمُرُه مائةَ سَنةٍ، قال: أتفعَلُ يا آدَمُ؟ قال: نعَمْ يا رَبِّ، قال: نكتُبُ ونختِمُ؟ إنَّا إنْ كَتَبْنا وخَتَمْنا لم نُغَيِّرْ، قال: فافعَلْ يا رَبِّ، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فلمَّا جاء مَلَكُ الموتِ إلى آدَمَ لِيَقبِضَ رُوحَه قال: ماذا تريدُ يا مَلَكَ الموتِ؟ قال: أُريدُ قَبْضَ رُوحِك، قال: ماذا تريدُ يا مَلَكَ الموتِ؟ قال: أُريدُ قَبْضَ رُوحِك، قال: ألم يَبْقَ مِن أجَلي أربعون سنةً، قال: ألم تُعْطِها ابنَك داودَ؟ قال: لا، قال: فكان أبو هُرَيرةَ يقولُ: فنَسِيَ آدَمُ؛ فنَسِيَت ذُرِّيَّتُه، وجَحَد آدَمُ؛ فجَحَدت ذُرِّيَّتُه، قال محمَّدُ بنُ شُعَيبٍ: وأخبرني أبو الحَفصِ عُثمانُ بنُ أبي العاتِكةِ أنَّ عُمُرَ آدَمَ كان ألفَ سَنةٍ

    الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن منده | المصدر : الرد على الجهمية | الصفحة أو الرقم : 50 | خلاصة حكم المحدث : صحيح


    خَلَقَ اللهُ تَعالى آدَمَ عليه السَّلامُ بيَدِه، وكَرَّمَه وأسجَدَ له مَلائِكتَه، وخَلَقَ مِنه حوَّاءَ، وجَعَلَ مِنهما الذُّرِّيَّةَ والنَّسلَ، وأجْرَى عليهِم المقاديرَ بحِكمَتِه، وكما فَعَلَ آدمُ عليه السَّلامُ فعَلَتْ ذُرِّيَّتُه مِن بَعدِه؛ مِن النِّسيانِ وغيرِ ذلك، كما يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ: "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لَمَّا خَلَقَ آدمَ مَسَحَ ظَهرَه، فجَرَتْ من ظَهرِه كُلُّ نَسَمةٍ هو خالِقُها إلى يومِ القيامَةِ"، ومَعْناه: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ من تُرابٍ، مَسَحَ على ظَهرِ آدَمَ بيَمينِه سُبحانَه كما في الرِّواياتِ، فخَرَجَ من ظَهرِه كُلُّ نَفْسٍ ورُوحٍ بَشَريَّةٍ خالِقُها اللهُ إلى يومِ القيامَةِ، "ونَزَعَ ضِلَعًا من أضلاعِه، فخَلَقَ منه حواءَ"، أي: ضِلَعًا من آدَمَ عليه السَّلامُ، فخَلَقَ منه حواءَ؛ فحواءُ خُلِقتْ من حَيٍّ وهو آدَمُ، ولعلَّ هذا هو سِرُّ تَسميتِها بحَوَّاءَ، "ثم أَخَذَ عليهم العَهدَ والميثاقَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172]"، والميثاقُ: هو العَهدُ الذي أخَذَه اللهُ تَعالى من آدَمَ وذُريَّتِه، وحقيقةُ هذا العَهدِ اختُلِفَ فيه؛ فقيل: إنَّ اللهَ تَعالى استَخْرَجَ ذُريَّةَ آدَمَ من صُلبِه أو من ظَهرِه، وأشهَدَهم على أنْفُسِهم بلِسانِ المَقالِ بأنَّ اللهَ ربُّهم ثم عاهَدَهم، وأنَّ اللهَ ميَّزهم إلى أصحابِ اليَمينِ، وإلى أصحابِ الشِّمالِ، فيكونُ العهدُ على هذا: أنَّ اللهَ سُبحانَه أخرَجَ الأرواحَ قبلَ خَلْقِ الأجسادِ، وأنَّه جَعَلَ فيها من المَعرِفَةِ ما عَلِمَتْ ما خاطَبَها به ربُّها، فشَهِدَتْ ونَطَقَتْ، وقيل: إنَّ اللهَ استَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ بني آدَمَ بعضَهم من بعضٍ من أصلابِهم بعدَ الولادَةِ، شاهِدينَ على أنْفُسِهم أنَّ اللهَ ربُّهم ومَلِيكُهم، وأنَّه لا إلهَ إلَّا هو.
    ومعنى أشهَدَهم على أنْفُسِهم: أنَّه أشهدَهم بلِسانِ الحالِ لا بلِسانِ المَقالِ، أي: دَلَّهم على تَوحيدِه وفَطَرَهم عليه؛ بأنْ بَسَطَ لهم الأدِلَّةَ على رُبوبيتِه ووَحْدانيَّتِه، وشَهِدَتْ بها عُقولُهم وبصائِرُهم التي رَكَّبَها اللهُ فيهم، فكلُّ بالِغٍ يَعلَمُ ضَرورةَ أنَّ له ربًّا واحِدًا، فشَهِدوا جميعًا على هذا العَهدِ وذاك الميثاقِ. "ثم أقبَسَ كُلَّ نَسَمةِ رَجُلٍ من بني آدَمَ بنورِه في وجهِه"، أقبَسَ مِن القَبَسِ، وهو: العلامَةُ التي تُتَّخَذُ من النُّورِ أو النارِ، والمعنى: جَعَلَ عليهم علامةً من نورٍ، "وجَعَلَ فيه البلوى الذي كَتَبَ أنَّه يَبْتليهِ بها في الدُّنيا من الأسقامِ"، أي: جَعَلَ في وُجوهِهم الأمراضَ والمصيبةَ التي ستُصيبُ كُلَّ واحِدٍ منهم في الدُّنيا، "ثم عَرَضَهم على آدَمَ"، أي: جَعَلَ اللهُ آدَمَ يراهم على تلك الحالِ، "فقال: يا آدَمُ، هؤلاءِ ذُرِّيَّتُك، فإذا فيهم الأجذمُ، والأبرَصُ، والأعمى، وأنواعُ السِّقامِ، فقال آدَمُ: لِمَ فَعَلتَ هذا بذُرِّيَّتي؟"، وهو سؤالُ استِفْهامٍ لا إنكارٍ، "قال: كي يَشْكُروا نِعْمَتي يا آدَمُ"، أي: إنَّهم إذا ابْتُلوا بهذه الأمراضِ عَرَفوا مِقدارَ نِعمَةِ اللهِ عليهم، "فقال آدَمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: يا ربِّ، مَن هؤلاءِ الذين أراهم أظهَرَ الناسِ نورًا؟"، أي: أكثَرَ بني آدَمَ نورًا وضِياءً، "قال: هؤلاءِ الأنبياءُ -عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- يا آدَمُ، من ذُرِّيَّتِك"، والمعنى: أنَّه لَمَّا نَظَرَ آدَمُ إلى ذُريَّتِه رأى فيهم قومًا يظهَرُ فيهم النورُ، وكأنَّه صِفةٌ مُميَّزةٌ لهم، فكان هؤلاءِ الأنبياءُ همُ الذين يَظهَرُ نورُهم على العالَمين، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ بهم تكونُ الهِدايةُ وطَريقُ الحَقِّ.
    "قال: فمَن هذا الذي أراهُ أظهَرَهم نورًا؟ قال: هذا داوُدُ يكونُ في آخِرِ الأُمَمِ، قال: يا ربِّ كم جَعَلتَ عُمُرَه؟ قال: سِتينَ سَنَةً، قال: يا ربِّ كم جَعَلتَ عُمري؟ قال: كذا وكذا، قال: يا ربِّ، فزِدْهُ من عُمري أربعين سَنَةً حتى يكونَ عُمرُه مِئَةَ سَنَةٍ، قال: أتفعَلُ يا آدَمُ؟ قال: نَعَمْ يا ربِّ، قال: نكتُبُ ونَختِمُ؟ إنَّا إنْ كَتَبْنا وخَتَمْنا لم نُغيِّرْ؟ قال: فافعَلْ يا ربِّ"، وكأنَّ آدَمَ عليه السَّلامُ رَأى أنَّ السِّتينَ سَنَةً عُمرٌ قليلٌ على نَبيِّ اللهِ داوُدَ، فطَلَبَ مِن ربِّه أنْ يُعطِيَه مِن عُمرِه، أي: مِن عُمرِ آدَمَ أربعينَ سَنَةً، فيصيرُ بذلك عُمرُ داوُدَ مِئَةَ سَنَةٍ، ويَقِلُّ عُمرُ آدَمَ أربعينَ سَنَةً، وكان عُمُرُ آدَمَ -كما سيأتي في آخِرِ الرِّوايَةِ- ألْفَ سَنَةٍ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فلمَّا جاءَ مَلَكُ الموتِ إلى آدَمَ؛ لِيَقْبِضَ رُوحَه"، أي: انتَهى وجاءَ أجَلُه، بعدَ نَقْصِ ما وهَبَه لداوُدَ، "قال: ماذا تُريدُ يا مَلَكَ الموتِ؟ قال: أُريدُ قَبْضَ رُوحِك، قال: ماذا تُريدُ يا مَلَكَ الموتِ؟ قال: أُريدُ قبْضَ رُوحِك"، ولعلَّ التَّكرارَ وَرَدَ منه على التعجُّبِ، "قال: أَلَمْ يبَق مِن أجَلي أربعون سَنَةً؟! قال: أَلَمْ تُعطِها ابنَك داوُدَ؟ قال: لا"، تأكيدًا على نِسيانِه، وإشارةً إلى أنَّ آدَم عليه السَّلامُ لم يَتذكَّرْ سَريعًا ما نَسِيَه.
    قال التابعيُّ عطاءُ بنُ يَسارٍ راوي الحديثِ عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فكان أبو هُرَيرَةَ يقولُ: فنَسِيَ آدَمُ، فنَسِيَتْ ذُريَّتُه، وجَحَدَ آدَمُ، فجَحَدتْ ذُريَّتُه"، أي: أنَّه قد تخلَّق الأبناءُ بخُلُقِ أبيهم آدَمَ في النِّسيانِ، وجَحدُ الذُّريَّةِ ما حَكاهُ اللهُ عنهم من تَكذيبِ العَهدِ الذي عَهِدَه تَعالى إليهم، والنِّسيانُ من آدَمَ أرادَ به أكْلَه من الشَّجَرةِ، وأمَّا الجُحودُ؛ فلأنَّ ذلِك كان في عالَمِ الذَّرِّ، فلم يَستحضِرْه حالةَ مَجيءِ مَلَكِ الموتِ له، وجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُه؛ لأنَّ الوَلَدَ سِرُّ أبيه.
    وفي الحديثِ: أنَّ اللهَ قدَّر مَقاديرَ الخلائِقِ بما فيها من بَلاءٍ وغيرِه قبلَ خلْقِهم جميعًا.
    وفيه: أنَّ الوُقوعَ في البَلاءِ يُشعِرُ بقِيمَةِ المُعافاةِ.
    وفيه: أنَّ الإنْسانَ من عادَتِه أنْ يَنْسى عُهودَه إلَّا مَن ثبَّته اللهُ؛ ولذلك أقَرَّ الشَّرعُ كِتابةَ الحُقوقِ والإشهادَ عليها( ).


    https://www.dorar.net/hadith/sharh/92742

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم

    [كيفية الجمع بين آية الميثاق وبين الأحاديث الواردة في إخراج الذرية من ظهر آدم وحده]
    قال: [عن مسلم بن يسار الجهني: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:١٧٢].
    قال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال: إن الله خلق آدم عليه السلام فمسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره -أي: ظهر آدم- فاستخرج ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون، فقام رجل فقال: يا رسول الله! ففيم العمل إذاً؟ -يعني: لم نعمل إذا كان أهل النار معروفين وأهل الجنة معروفين أزلاً، وهم باقون على حالهم أبداً حتى يخلدوا في الجنة أو النار؟ -فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة- أي: لابد من العمل؛ لأنه سبب- حتى يموت على عمل الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت وهو على عمل أهل النار، فيدخله الله به النار)].
    وهذا الحديث وقع بين أهل العلم نزاع عظيم في فهمه؛ لأن سياق الآية -وهي في الميثاق- يختلف عن سياق الأحاديث الواردة في تفسيرها، فربط الآية بالأحاديث الواردة هو الذي أحدث الإشكال؛ لأن الأحاديث تقول قولاً يختلف عن ظاهر الآية، فالآية تقول: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف:١٧٢]، أي: وليس من آدم، وتقول: {مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف:١٧٢]، ولم تقل: من ظهره، وتقول: {وَأَشْهَدَهُمْ} [الأعراف:١٧٢]، ولم تقل: وأشهده، وتقول: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا} [الأعراف:١٧٢] ولم يقل: قال.
    إذاً: استخراج الذرية كان من ظهور بني آدم وليس من ظهر آدم، وأما الحديث فيقول: (إن الله خلق آدم عليه السلام فمسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية أخرى)، فأما الأولى فأهل الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون حتى يموتوا على ذلك، وأما المسحة الثانية فهم أهل النار، وبعمل أهل النار يعملون، حتى إذا أدركهم الموت أدركهم وهم يعملون بعمل أهل النار.
    وهذه الآية معروفة في التفسير بآية الميثاق، أي: الميثاق الذي أخذه الله تعالى على ذرية آدم حين استخرجهم من ظهره، أو من ظهورهم، وهل استخرجهم من ظهره أو من ظهورهم؟ هذا محل نزاع، فالنصوص النبوية وآثار الصحابة رضي الله عنهم تدل على أن الله تعالى إنما استخرج الذرية من ظهر آدم، والآية ظاهرها أن الله استخرج الذرية التي تكون إلى يوم القيامة من ظهور بعضهم بعضاً، والجمع بين هذا وذاك أنه لا مانع أن تكون الأحاديث مبينة أن أول استخراج الذرية إنما كان من ظهر آدم، ثم أخرج الله بعد ذلك بنص القرآن ذرية آدم بعضهم من بعض، فيكون هناك إخراجان، الإخراج الأول إخراج الذرية التي تكون إلى يوم القيامة من ظهر آدم، وهذا بنص الأحاديث النبوية كلها، وأما الإخراج الثاني فهو المذكور في الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف:١٧٢]، أي: بعد أن أخرجهم من ظهر آدم كالذر أخرج من هذا الذر نسله، ثم النسل الثاني والثالث والرابع إلى يوم القيامة، فهناك إخراجان إذا صح هذا، وهذا التفسير أراه ضرورياً للجمع بين النصوص التي وردت في السنة التي ظاهرها يخالف ظاهر الآية وبين نص الآية، فالنصوص النبوية أثبتت إخراجاً من ظهر آدم، ولم تثبت إخراجاً من ظهور بني آدم، والآية أثبتت إخراجاً من ظهور بني آدم ولم تثبت إخراجاً من ظهر آدم، فلا بد من القول بالإخراجين معاً.
    والله تعالى أعلم.

    https://shamela.ws/book/37436/926

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •