ما هي أفضل ترجمة؟
أسامة طبش



إن الترجمة هي ذلك الميدان الذي يقوم فيه المترجم بتوظيف كلمة في سياقها المناسب، وهذا بغية تحصيل المعنى العام والكامل للنص، حتى تصل الرسالة المبتغاة من الكاتب، في أحسن الظروف الملائمة لها.


وللحكم على أفضلية ترجمة على أخرى، هناك معايير دقيقة وشروط خاصة يجب توفرها، والتي من دونها، يمكن الحكم على الترجمة بالفشل أو أنها غير قادرة على القيام بالدور المنوط بها، كوسيط وحلقة وصل بين طرفين.


يراعي المترجم في ترجمته المعنى المراد توصيله من خلال النص، وهذا المعنى في غاية الأهمية، بالأخص إن تعلق الأمر بالنصوص الأدبية التي ترتكز عليه، فالمترجم يسعى إلى استشفافه واستخلاصه وتأويله، كل هذا كي لا يقع في الحرفية، ما يجعل ترجمته خالية من طابعها الرئيس، ألا وهو المضمون المراد تبليغه إلى القارئ.


يمثل النص أحد العوامل المؤثرة في نجاح المترجم في عمله، ويتعلق الأمر بالجانب اللغوي فيه، فطبيعة اللغة وتراكيبها والقواعد النحوية التي تحكمها، ضرورية في المسار الترجمي، فعندما تتمّ الترجمة، من الواجب أخذها بعين الاعتبار، وأن يُترجم المترجم بلغة سليمة وفقا لاستعمالاتها الصحيحة حفاظا على شكل النص، لأن اللغة هي الوسيلة والأداة، فإن أصابها العطب، اختلت منظومة الترجمة بكاملها.


نصل إلى لمسة المترجم، وهي التي تعبر عن تميزه عن غيره من المترجمين، وهذه اللمسة تُبيّن أسلوبه في الترجمة وطريقته في اختيار الكلمات وفقا لسياقاتها، فيبدع فيها ويمنح النص جمالا من حيث اللغة وأمانة من حيث المبنى ودقة في أداء رسالة الكاتب تضاهي النص الأصلي، وهذا هو الفرق بين مترجم وآخر، فكل له طابعه الخاص ومنهجيته في ترجمة النصوص، فمن المترجمين من ينجح في الغوص في أعماق النص، واستخلاص ما يجب منه، وهذا ما يمثل ميزة إيجابية تحسب لصالحه.


إن النقاط التي تناولتها آنفا، تعد من جملة الأسباب الكفيلة بإنجاح عملية الترجمة، ولها متعلقات أيضا، فهي مركبة وتحكمها تفاصيل عديدة، وكلما تمكن المترجم منها وتسلح باللغة السليمة وكانت له النظرة الواضحة، من خلال منهجية الترجمة المراد تطبيقها، نجح وهذا النجاح هو الذي يمنحه أفضلية على غيره، فتُحبّب الترجمة إلى قلب القارئ، ولا يحس أن النص مترجما، بل هو مكتوب بلغته، وهنا بالذات يمكن الحكم على الترجمة، والقول بأنها شفافة وعكست فعلا النص المصدر، ولم تُترك فيها مساحات للغرابة، سواء في المعنى أو المبنى، مع اكتسابها للمسة الفنية والإبداع الترجمي.