آيات في الخوف






كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فبعد أن وقفنا على بعض الآيات في الخوف نقف هذه الوقفات مع جملة من الآيات في شأن هذه العبادة العظيمة.
قوله -تعالى-: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا):
قال -تعالى-: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا) (الأعراف:56)، من أدلة وجوب الخوف أن الله أمرنا بالدعاء ونحن متلبسون بحال الخوف وحال الطمع، (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا)، أي: وادعوه وأنتم خائفون، وادعوه وأنتم طامعون في فضله، فأوجب الأمرين، فقبَّح الله من يقول: "لا أعبدك خوفًا من نارك، ولا طمعًا في جنتك"، يأمرك الله أنت وإخوانك المؤمنين أن تدعوه خوفًا وطمعًا، وذلك الزنديق يقول: "لا أطمع ولا أخاف"، ومن قال ذلك لا يكون مؤمنًا، ولا يكون صادقًا في حبه:
لو كان حبُّك صادقًا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
فكيف يقول: "لا أخاف الله" والله -عز وجل- يقول له: (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا)؟ كيف تقول: "لا أطمع"؟ كيف يرغبك الله -عز وجل- في الجنة ثم تقول: "لا أرغب فيها"؟ لو أن ابنك فعل معك ذلك بعد أن رغَّبته في شيء جميل فيه مصلحته وفيه ما يحبه، فقال لك: "هذا شيء تافه لا أريده"؛ أيكون في ذلك رضاك أم أنك ستسخط عليه أعظم السخط؛ لأنك ترغِّبه في شيء فيقول: "هذا الشيء لا أريده"، أو تخوفه بشيء تعاقبه به فيقول لك: "لا أخافك لأني أحبك"؟ فهذا كذب في ادعاء المحبة.
فالله -عز وجل- له المثل الأعلى، فهو لا يرضى عمن يخوِّفه فلا يخاف، فالله -عز وجل- أمرنا أن نخافه، وهو -سبحانه وتعالى- يغضب على من لا يخافه، ويغضب على من لا يرجوه ولا يطمع في ما عنده، وإن زعم حبه فهو كاذب في محبته.
قوله -تعالى-: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ):
قال -تعالى-: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة:40)، أي: ارهبوني وحدي، وتقديم المفعول (وَإِيَّايَ) للاهتمام والاختصاص؛ لأن الله -عز وجل- وحده الذي يرهب منه، والرهبة خوف مع هرب وفرار، كما يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وأما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه، وهي ضد الرغبة، التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه، وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى، يجمعهما الاشتقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع""مدارج السالكين 1/512-513".
ومعنى الرهبة يتضمن خوفًا مع تعظيم وفرار، والفرار من الله -عز وجل- لا يكون إلا إليه؛ لأن غيره تفر منه إلى من هو أقوى منه وإلى من يُؤَمِّنك عنده، والله -عز وجل- يجير ولا يُجار عليه، فلا تفر إلا إلى الله -سبحانه وتعالى-، كما قال -تعالى-: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذاريات:50).
قوله -تعالى-: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ):
قال -تعالى-: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (الذاريات:50)، ومعنى الفرار من الله: الفرار من عقوبته وسخطه ومما يغضبه إلى مرضاته وطاعته، ففروا من الله إليه، فتَعوَّذ من عقوبته التي يقدِّرها إلى معافاته التي هي من عنده -عز وجل-، فلا فرار ولا هرب من الله إلا إليه، أما من فرَّ من الله -عز وجل- إلى غيره فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار، ونعوذ بالله من ذلك، كمن يترك أمرًا من طاعته -عز وجل- إلى معصيته، فهذا يفر من الله -عز وجل- إلى غيره، فيطيع غيره ويُرضي غيره بإسخاطه -عز وجل-، فهذا لابد أن يناله من الخوف والفزع في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.
قوله -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ):
وقال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر:28)، والخشية من أنواع الخوف، و"هي خوف مقرون بمعرفة" كما قال ابن القيم -رحمه الله- "مدارج السالكين 1/512"، وهذه توجب الخشوع والخضوع والانكسار، والله مدح الذين يخشون ربهم في مواضع عديدة من القرآن، فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) (الرعد:21)، وقال: (الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (المؤمنون:57).

قوله -تعالى-: (أَتَخْشَوْنَهُ ْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ):
وقال -تعالى-: (أَتَخْشَوْنَهُم ْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (التوبة:13)، يحذِّر الله -عز وجل- عباده المؤمنين من أن يخشوا الكفار والظالمين، وأن يتركوا الجهاد لأجل الخوف منهم وخشيتهم، فأمر الله -عز وجل- بخشيته، وبيَّن أنه أحق أن يخشى، (فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، فهذا يتضمن نفس المعنى المذكور في قوله: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).