تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: إزالة الشبهات، وكشفها من أصول هذا الدين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي إزالة الشبهات، وكشفها من أصول هذا الدين

    الشبهات: جمع شبهة، وهي المسألة التي جُعِلَت شَبَهًا بالحق؛ لأن الحق عليه دليل بيِّن واضح،
    والشبهة سميت شبهة؛ لأنها مسألة من مسائل العلم
    أورد عليها أصحابها بعض الأدلة التي يظنونها علمًا.

    فالشبهة عبارة عن تشبيه الباطل بالحق،
    فإذا شبّه الباطل بالحق من جهة أن الباطل له دليل وله برهان،
    صارت هذه المسألة إذا عورض بها الحق صارت شبهة.

    والشبهة والمشبَّهة:هي المسائل المعضلة أو المشكلة التي تلتبس على الناس؛
    كما جاء في بعض ألفاظ حديث النعمان بن بشير المشهور،
    قال:
    ((الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشبَّهات - أو مشتبهات -))
    سميت: مشبّهة ومشتبهة؛ لأن الأمر فيها يشتبه على الناظر فيه،
    وهكذا الشبهة يلقيها الشيطان،
    أو يلقيها أعوانه، أو تأتي في الذهن، فيشتبه معها الحق، ويشتبه الباطل معها بالحق، فيصبح الأمر غير واضح بها.

    ولا شك أن إزالة الشبهات، وكشف الشبهات، من أصول هذا الدين؛
    لأن الله -جل وعلا- رد على المشركين في القرآن ودحض شبهاتهم وأقوالهم،
    قال جل وعلا:
    {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ}
    وكل من يجادل بالباطل له حجة وله علم لكن حجته داحضة،
    وكون الحجة تُدْحض، هذا أصل في إزالة الشبه في الدين؛
    فإزالة الشبه التي شبّه بها أعداء الملة وأعداء الدين فرض من الفروض في هذه الشريعة،
    وواجب من الواجبات،
    لابد أن يوجد من يقوم به، وإلا لالتبس الباطل بالحق، وصار هذا يشبه هذا، فضلَّ الناس.

    وقد ذكر إمام هذه الدعوة في مسائل (كتاب التوحيد) حينما عرض لحديث إرسال معاذ بن جبل إلى اليمن،
    قال له: ((إنك تأتي قومًا أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادةُ ألا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم..)) الحديث.

    قال في المسائل ما حاصله:
    في هذا رد الشبه عن الدين؛ لأنه مهّد له -عليه الصلاة والسلام-
    بقوله: ((إنك تأتي قومًا أهل كتاب)) وكونهم من أهل الكتاب
    هذا يعني: أن يستعد لمناظرتهم وللحجاج معهم،
    ثم قال: ((فإن هم أطاعوك لذلك))
    فنفهم من قوله: ((أطاعوك لذلك)) أنه سيكون بينه وبينهم حِجاج ونقاش، وأخذ ورد، وإزالة للشبه التي قد تكون عندهم في رد التوحيد، ورد رسالة النبي عليه الصلاة والسلام.

    فقوله: ((فإن هم أطاعوك لذلك)) فيه رد الشُّبَهِ، وأنها من وظائف العلماء الدعاة،
    ثم قال: ((فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك)) وهذا كله دليل على ما ذكر.

    المقصود: أن إزالة الشبه عن الدين فرض من الفرائض، قام به أهل العلم، وصنفت فيه المصنفات في القرون التي شاع فيها التصنيف: في القرن الثاني، والثالث، وما بعده إلى زماننا هذا.
    وكشف الشبه يكون عن طريقين:
    الطريق الأول: طريق عقلي.
    والطريق الثاني:الطريق الشرعي السمعي.
    أما الأول: وهو الطريق العقلي: فهذا قد يكون بإيجاد البراهين العقلية البحتة التي تبطل شبه المشبِّهين، وقد يكون بإيجاد الأمثلة العرفية التي تضعف حجة الخصم، وهذا وهذا موجود في القرآن.
    والقسم الثاني: الأدلة أو الطريق الشرعي السمعي: بأن يُكشف ما شبّه به الخصوم بأن تزال الشبه، وتقام الحجة بالأدلة الشرعية، وفي الكتاب والسنة من إقامة الأدلة في مسائل العلم وخاصة التوحيد ما يغني عن غيرها، لكن طالب العلم قد يحتاج إلى بعض البراهين العقلية، لذلك جاءت في القرآن آيات كثيرة فيها إقامة البرهان العقلي في التوحيد:
    -كقوله جل وعلا: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا}.
    -وكقوله جل وعلا: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً} فهذا من جعل الحجة العقلية.
    - وقوله جل وعلا: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} فيه دلالة بينة أن وجود إله يعبد مع الله جل وعلا - لو كان موجودًا - لفسدت السموات والأرض؛ لأنه لا بد من أن يأتي هذا بما يريد، وأن يأتي الآخر بما يريد، ومعنى ذلك: أنه لن يكون هذا الملكوت على هذا الانتظام، لا بد من المغالبة؛ ولهذا قال في آية الإسراء: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} لا بد أن يكون ثَم مغالبة حتى يستقيم الأمر، فلو كان ثَم معبود مع الله -جل وعلا- بحقٍّ لكان لا بد من المغالبة، وإذا انتفت المغالبة وكان هذا الكون والملكوت يمشي على منوال واحد، وبإرادة واحدة، دلّ ذلك البرهان العقلي، البرهان المحسوس المنظور على أن المعبود بحقٍّ واحدٌ وهو الله جل جلاله.[شرح كشف الشبهات للشيخ صالح ال الشيخ]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إزالة الشبهات، وكشفها من أصول هذا الدين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    وهكذا الشبهة يلقيها الشيطان، أو يلقيها أعوانه، أو تأتي في الذهن، فيشتبه معها الحق، ويشتبه الباطل معها بالحق، فيصبح الأمر غير واضح بها.
    قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه مفتاح دار السعادة 1/140:
    [في شرحه لحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ لكميل بن زياد النخعي ـ رحمه الله ـ ..]
    وقوله "
    ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة"
    هذا لضعف علمه ، وقلة بصيرته إذا وردت على قلبه أدنى شبهة قدحت فيه الشك والريب ؛
    بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكا ؛
    لأنه قد رسخ في العلم ، فلا تستفزه الشبهات ، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة .
    والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له
    فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ، ومعرفة بطلانها
    ، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة ، فإن تداركها و إلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكا مرتابا .
    والقلب يتوارده جيشان من الباطل:
    جيش شهوات الغي .
    وجيش شبهات الباطل .
    فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها تشربها ، وامتلأ بها ، فينضح لسانه ، وجوارحه بموجبها ،
    فإن أشرب شبهات الباطل = تفجرت على لسانه الشكوك ، والشبهات ، والإيرادات =
    فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه
    وإنما ذلك من عدم علمه ، ويقينه ، وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد ـ : لا تجعل قلبك للإيرادات ، والشبهات مثل السفنجة ، فيتشربها فلا ينضح إلا بها ،
    ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ،
    و إلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات. أو كما قال .
    فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
    وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر ،
    فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس ، فيعتقد صحتها
    و أما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظره إلى باطنها ، وما تحت لباسها = فينكشف له حقيقتها .
    ومثال هذا:
    الدرهم الزائف ،
    فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظرا إلى ما عليه من لباس الفضة ،
    والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك ؛ فيطلع على زيفه .
    فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضة على الدرهم الزائف ، والمعنى كالنحاس الذي تحته ،
    وكم قد قتل هذا الاغترار من خلق لا يحصيهم إلا الله .
    وإذا تأمل العاقل الفطن هذا القدر ، وتدبره رأى أكثر الناس يقبل المذهب ، والمقالة بلفظ ،
    ويردها بعينها بلفظ آخر ،
    وقد رأيت أنا من هذا في كتب الناس ما شاء الله ، وكم رد من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح .
    مفتاح دار السعادة

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: إزالة الشبهات، وكشفها من أصول هذا الدين

    قال الامام محمد ابن عبد الوهاب فى كشف الشبهات
    (فَلاَ يَأْتِي صَاحِبُ بَاطِلٍ بِحُجَّةٍ إِلاَّ وَفي القُرْآنِ مَا يَنْقُضُهَا ويُبَيِّنُ بُطْلاَنَهَا)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إزالة الشبهات، وكشفها من أصول هذا الدين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوسفيان مشاهدة المشاركة
    قال الامام محمد ابن عبد الوهاب فى كشف الشبهات
    (فَلاَ يَأْتِي صَاحِبُ بَاطِلٍ بِحُجَّةٍ إِلاَّ وَفي القُرْآنِ مَا يَنْقُضُهَا ويُبَيِّنُ بُطْلاَنَهَا)
    نعم أحسنت
    قال علم الهداة الاعلام الامام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
    وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِكِتَابِهِ الَّذي جَعَلَهُ:
    {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النَّحل: 89].
    فَلا يَأتي صَاحِبُ بَاطِلٍ بِحُجَّةٍ إِلاَّ وَفي القُرْآنِ ما يَنْقُضُها وَيُبَيِّنُ بُطْلانَهَا،
    كَما قالَ تَعالى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان: 33].

    قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرينَ: هَذِهِ الآيَةُ عَامَّةٌ في كُلِّ حُجَّةٍ يَأتي بِها أَهْلُ البَاطِلِ إِلى يَوْمِ القِيَامةِ.

    **********
    قال
    الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ فى شرحه لكشف الشبهات
    (وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِكِتَابِهِ) الذِي هو السِّلاَحُ كُلُّ السِّلاَحِ الأَعْظَمِ
    {الَّذِي جَعَلَهُ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وبُشْرَى للمُسْلِمِينَ}
    .

    (فَلاَ يَأْتِي صَاحِبُ بَاطِلٍ بِحُجَّةٍ) كَائِنَةٍ مَا كَانَتْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (إِلاَّ وَفي القُرْآنِ مَا يَنْقُضُهَا ويُبَيِّنُ بُطْلاَنَهَا)
    يَعْرِفُ ذَلِكَ مَن يَعْرِفُهُ، ويُوَفَّقُ لَهُ مَن يُوَفَّقُ،
    وَيَجْهَلُ ذَلِكَ مَن يَجْهَلُهُ
    كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} أي: بِحُجَّةٍ أو شُبْهَةٍِ،
    وهذه نَكِرَةٌ في سِيَاقِ النَّفْيِ، فَشَمِلَ جَمِيعَ مَا يُؤْتَى بِهِ {إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}
    فالقُرْآنُ كَفِيلٌ بِذَلِكَ
    (قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: هَذِهِ الآيَةُ عَامَّةٌ في كُلِّ حُجَّةٍ يَأْتِي بِهَا أَهْلُ البَاطِلِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)
    ولَكِنْ قَدْ يُؤْتَى الإِنْسَانُ مِن عَدَمِ الفَهْمِ لَهُ أَوْ عَدَمِ الاعْتِنَاءِ بِهِ.

    وَقَدْ الْتَزَمَ بَعْضُ العُلَمَاءِ؛ وهو شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنْ لاَ يَحْتَجَّ مُبْطِلٌ بِآيَةٍ أو حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَلَى بَاطِلِهِ
    إِلاَّوفي ذلك الدَّلِيلِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَقْضِهِ،
    وذَكَرَ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً: مِنْهَا آيَةُ: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}و{لَ يْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين فى شرحه لكشف الشبهات
    مَنَّ اللهُ علينا بِكتابِهِ العزِيزِ الَّذي {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 42]،
    وجَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وتعالى تِبْيانًا، أيْ: مُبَيِّنًا لكلِّ شيءٍ يَحْتاجُهُ النَّاسُ في مَعاشِهم ومَعادِهم،
    ثمَّ إنَّ تِبْيانَ القرآنِ لِلأشياءِ
    يَنْقَسِمُ إلى قِسمَيْنِ:

    الأوَّلُ:أن يُبَيِّنَ الشَّيءَ بِعينِهِ، مثلَ قولِهِ تَبارَكَ وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} [ المَائِدةُ: 3 ]، وقولِهِ تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُم ُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23) وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [ النساءُ: 23، 24 ].
    الثَّاني: أنْ يَكونَ التِّبْيانُ بالإِشارةِ إلى مَوْضِعِ الْبَيَانِ، مثلَ قولِهِ تعالى: {وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [ النساءُ: 113 ]، فَأَشارَ اللهُ تعالى إلى الحِكْمةِ الَّتي هيَ السُّنَّةُ، فإنَّها تُبَيِّنُ القرآنَ، وكذلكَ قولُهُ تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[ النحلُ: 43 ]، وأيضًا [ الأنبياءُ: 7 ].
    فهذا يُبَيِّنُ أنَّنا نَرْجِعُ في كلِّ شيءٍ إلى أهلِهِ الَّذينَ هُمْ أهلُ الذِّكْرِ بهِ، ولِهذا يُذْكَرُ أنَّ بعضَ أهلِ العِلمِ أَتَاهُ رَجلٌ مِن النَّصَارَى يُرِيدُ الطعْنَ في القرآنِ الكريمِ، وكان في مَطْعَمٍ، فَقَال لهُ هذا النَّصْرانيُّ: أينَ بَيانُ كيفَ يُصْنَعُ هذا الطَّعامُ؟ فَدَعا الرَّجلُ صاحِبَ المَطْعَمِ، وقالَ لهُ: صِفْ لنا كيفَ تَصْنَعُ هذا الطَّعامَ؟ فوَصَفَهُ، فَقالَ: هَكذا جاءَ في القرآنِ، فتَعَجَّبَ النَّصْرانيُّ وقالَ: كيفَ ذلكَ؟ فَقالَ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَقولُ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياءُ: 12]، فبَيَّنَ لنا مِفْتاحَ العِلمِ بالأشياءِ بأنْ نَسْأَلَ أهلَ الذِّكْرِ بها، أيْ: أهلَ العِلمِ بهِ، وهذا مِنْ بَيانِ القرآنِ بلا شَكٍّ، فالإِحالةُ على مَنْ يَحْصُلُ بهم العِلمُ هيَ فَتْحٌ لِلعِلمِ.


    لا يَأْتِي مُبْطِلٌ بِحُجَّةٍ على باطِلِهِ إلاَّ وفي القرآنِ ما يُبَيِّنُ هذهِ الحُجَّةَ الباطلةَ، بلْ إنَّ كلَّ صاحِبِ باطِلٍ اسْتَدَلَّ لِباطِلِهِ بِدليلٍ صحيحٍ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ فهذا الدَّليلُ يَكونُ دَليلاً عليهِ، كما ذَكَرَ شيخُ الإِسلامِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في مُقَدِّمةِ كِتابِهِ: (دَرْءُ تَعارُضِ النَّقلِ والعقلِ) أنَّهُ ما مِنْ صاحِبِ بِدْعةٍ وباطلٍ يَحْتَجُّ لِباطِلِهِ بشيءٍ مِن الكتابِ أوْ مِن السُّنَّةِ الصَّحيحةِ إلاَّ كان ذلكَ الدَّليلُ دَليلاً عليهِ، وليسَ دَليلاً لهُ.

    قالَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ مُسْتَدِلاًّ على أنَّ الرَّجلَ المُوَحِّدَ ستَكونُ لهُ حُجَّةٌ أَبْلَغُ وأَبْيَنُ مِنْ حُجَّةِ غيرِ المُوَحِّدِ مهْما بَلَغَ مِن الفَصاحةِ والبَيانِ، كما قالَ تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} أيْ: لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ يُجَادِلونَكَ بهِ ويَلْبِسُونَ الحقَّ بالباطلِ إلاَّ جِئْناكَ بالحقِّ وأَحْسَنَ تفسيرًا؛ ولِهذا تَجِدُ في القرآنِ كثيرًا ما يُجِيبُ اللهُ تعالى عنْ أسئلةِ هؤلاءِ المُشرِكِينَ وغيرِهم لِيُبَيِّنَ عزَّ وجلَّ للنَّاسِ الحقَّ، وسيَكونُ الحقُّ بَيِّنًا لكلِّ أحدٍ.
    ولكنْ ها هُنَا أمْرٌ يَجِبُ التَّفطُّنُ لهُ، وهوَ: أنَّهُ لا يَنْبَغِي للإِنسانِ أن يَدْخُلَ في مُجادَلةِ أحدٍ إلاَّ بعدَ أنْ يَعْرِفَ حُجَّتَهُ، ويَكونَ مُسْتَعِدًّا لِدَحْرِها والجوابِ عنها؛ لأنَّهُ إذا دَخَلَ في غيرِ معرفةٍ صارت العاقبةُ عليهِ، إلاَّ أنْ يَشاءَ اللهُ، كما أنَّ الإِنسانَ لا يَدْخُلُ في مَيْدانِ المعركةِ معَ العَدُوِّ إلاَّ بسلاحٍ وشجاعةٍ.
    ثمَّ ذكَرَ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ أنَّهُ سيَذْكُرُ في كِتابِهِ هذا كلَّ حُجَّةٍ أتَى بِها المشرِكونَ لِيَحْتَجُّوا بها على شيخِ الإِسلامِ -رَحِمَهُ الله- ويَكْشِفُ هذهِ الشُّبُهاتِ؛ لأنَّها في الحقيقةِ لَيْسَتْ حُجَجًا، ولكنَّها تشبيهٌ وتَلْبِيسٌ
    قال
    الشيخ صالح الفوزان فى شرحه لكشف الشبهات
    فَكِتَابُ اللهِ مَا تَرَكَ شَيْئًا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِن أُمُورِ دِينِنَا إلاَّ وبَيَّنَه لَنَا، لَكِنْ يَحْتَاجُ منَّا إلى تَفَقُّهٍ وتَعَلُّمٍ ولو كَانَ عِنْدَك سِلاَحٌ، ولَكِنْ لاَ تَعْرِفُ تَشْغِيلَه فإنَّه لاَ يَدْفَعُ عَنْكَ العَدُوَّ، وكَذَلِكَ القُرْآنُ لاَ يَنْفَعُ إِذَا كَانَ مَهْجُورًا.
    هَذِه قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ؛
    لأَِنَّ اللهَ -جَلَّ وعَلاَ- يَقُولُ عَن القُرْآنِ: {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}
    ويَقُولُ: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}
    فَلاَ تُوجَدُ شُبْهَةٌ في الدُّنيا، أو باطِلٌ في الدُّنيا يُدْلِي به كَافِرٌ أو مُلْحِدٌ إلاَّ وفي القُرْآنِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ،
    لَكِنْ لاَ يَتَبيَّنُ هَذَا إلاَّ بِمَعْرِفَةِ القُرْآنِ والتَّفَقُّهِ فيه ودِرَاسَتِهِ حَقَّ الدِّرَاسَةِ،
    حَتَّى يُعْرَفَ مَا فيه مِن الكُنُوزِ، وَمَا فيه مِن السِّلاَحِ، ومَا فِيهِ مِن الذَّخِيرَةِ الَّتِي نُقَاوِمُ بِهَا أَعْدَاءَنَا،
    فَنُقْبِلُ عَلَى كِتَابِ اللهِ حِفْظًا وتَفَهُّمًا وتِلاَوَةً وتَدَبُّرًا وَعَمَلاً، حَتَّى نَكُونَ مُسَلَّحِينَ بِهَذَا السِّلاَحِ،
    أمَّا مُجَرَّدُ وُجُودِ القُرْآنِ عِنْدَنَا مِن غَيْرِ أَنْ نَعْتَنِيَ بِهِ ونَدْرُسَهُ
    فَلاَ يَكْفِي،
    وأَهْلُ الكِتَابِ ضَلُّوا وكَفَرُوا وعِنْدَهُم التَّورَاةُ والإِنْجِيلُ لَمَّا تَرَكُوا تَعَلُّمَهُمَا والعَمَلَ بِهِمَا.

    فَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بالرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وَأَهْلِ زَمَانِهِ مَعَ القُرْآنِ، بَلْ هَذَا عَامٌّ لِكُلِّ أُمَّتِهِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إِلَى عِنَايَةٍ بالقُرْآنِ، ودِرَاسَةٍ للقُرْآنِ، وتَفَهُّمٍ للقُرْآنِ كَمَا يَنْبَغِي؛ لأَنَّ فِيهِ بَيانَ الحَقِّ والرَدَّ عَلَى أَهْلِ البَاطِلِ.


    قال الشيخ صالح آل الشيخ فى شرحه لكشف الشبهات فقال: (وقد منَّ الله علينا بكتابه الذي جعله الله: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }) هذه الكلمة تأصيل؛
    لأن الردود على المشركين وكشف الشبه الأصل فيها كتاب الله جلّ وعلا،
    كل حجة عندنا فإنما هي في القرآن في هذا الأمر العظيم، أمر التوحيد، ومضادة الشرك وأهله، هي في القرآن، لم؟
    لأن القرآن كما قال جلّ وعلا: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }
    فقوله: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} فما فيه بيانُ كل الأشياء،
    وأعظم الأشياء حاجة إلى تبيانها مسألة التوحيد والشرك، وبيان التوحيد وبيان الشرك، وهذا هو أعظم ما يحتاج إليه العباد،
    فكان هذا داخلاً دخولاً أولياً في قوله: {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ}.
    فإذاً: الرجوع في التبيان والبيان والحجة إلى القرآن،وهذا كما سيأتي في أن كل الحجج إنما هي من القرآن، والسنةُ مبينة للقرآن.
    قال: (فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها)
    وهذا قاعدة عامة في كل شيء،
    في مسائل العقيدة، والتوحيد، وكل مسألة يحتاج فيها إلى حكم الشرع،
    فإنها في القرآن، كما قال جل وعلا: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} على أحد وجهي التفسير.

    قال: (إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها؛
    كما قال تعالى:
    {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً}) المثل: ليس المراد به ما يسير مسير؛ كما يقال: في الأمثال كذا وكذا، وإنما المثل هو: القول الذي يسير في الناس.

    القول إذا كان له حجة، وله مسير في الناس من جهة القناعة به لشبهة فيه قيل له: مثل،
    ولهذا قال -جل وعلا- هنا: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} يعني: بحجة باطلة في تحسين الشرك، أو في إيراد الشبه، وأنهم ليسوا بكفار ولا مشركين {إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} يعني: في رده وبيان بطلانه وبيان الحق في ذلك {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} وأوضح تبياناً، وأحسن تأويلاً وشرحاً لذلك المثل وللحق الذي فيه؛ لأن القرآن غالب.

    (قال بعض المفسرين: هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة).

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •