بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين.
أمَّا بعدُ؛ فإنَّ حَدِيْثَ «الصُّوُرَةِ» من الأحاديث الَّتِي دار حولها خلافٌ بين أهل العلم، مَا بين مُثبتٍ ونافٍ وبين مُتأوِّلٍ وساكتٍ، وبين مُحِقٍّ ومُبْطِلٍ؛ لذا فقد أحببت أن أقف معه بشيءٍ من الاختصار، كما يلي:
قُلْتُ: لَقَدْ وَرَدَ حَدِيْثُ «الصُّوُرَةِ» بألْفَاظٍ، مِنْهَا:
مَا أخْرَجَهُ البُخَارِي (6227)، ومُسْلِمُ (115) (2612)، (2841)، بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ:
جَاءَ مُخْتَصَرًا: عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا قَاتَلَ أحَدُكُمْ أخَاهُ؛ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ، فَإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُورَتِهِ».
وجَاءَ مُطَوَّلًا: أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ على صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ على أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلَائِكَةِ، جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: ورَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ على صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ»، وللحَدِيْثِ ألْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ، ولَهُ أيْضًا تَخْرِيْجَاتٌ كَثِيْرَةٌ في الصِّحَاحِ والسُّنَنِ والمَسَانِيْدِ وغَيْرِهَا.
وكانت ألفاظ الصحيح وغيره تدور حول قوله ﷺ: «على صُورَتِهِ»، وهَذَا الحرف لا خلاف بين أهل العلم في أصل صحته؛ لكنهم اختلفوا في تأويله، كما سيأتي.
أمَّا حَدِيْثُ: «إنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُوْرَةِ الرَّحْمَنِ»: فَهَذَا الحرف مِمَّا وقع الخلاف في تصحيحه، كما يلي باختصار:
أمَّا إثبات حديث: «صُوْرَةِ الرَّحْمَنِ»: فَقَدْ أخْرَجَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أحْمَدَ في «السُّنَّةِ» (498)، (1076)، وابنُ خُزَيْمَةَ في «التَّوْحِيْدِ» (٤٤)، والآجُرِي في «الشَّرِيعَةِ» (725)، وابنُ أبي عَاصِمٍ في «السُّنَّةِ» (517)، والحَارِثُ في «مُسْنَدِهِ» (٢٤)، وابنُ بَطَّةَ في «الإبَانَةِ» (185)، (190)، والطَّبَرَانِي في «المُعْجَمِ الكَبِيرِ» (13580)، والدَّارَقُطْنِ ي في «الصِّفَاتِ» (٥٠), والحَاكِمُ في «المُسْتَدْرَكِ » (٣٢٩٦)، والبَيْهَقِي في «الأسْمَاءِ والصِّفَاتِ» (640)، كُلُّهُم مِنْ طَرِيْقِ جَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ حَبِيْبِ بنِ أبي ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ: عَنْ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقَبِّحُوا الوَجْهَ فَإنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ على صُورَةِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وتَعَالَى».
وأخْرَجَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ أحْمَدَ في «السُّنَّةِ» (١٢٤٣)، وابنُ أبي عَاصِمٍ في «السُّنَّةِ» (٥٣٣)، وابنُ بَطَّةَ في «الإبَانَةِ» (٢٥٧٥)، مِنْ طَرِيْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ لَهِيْعَةَ عَنْ أبي يُونُسَ سُلَيْمِ بنِ جُبَيْرٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ قَاتَلَ فَلْيَجْتَنِبَ الوَجْهَ؛ فَإنَّ صُوْرَةَ وَجْهِ الإنْسَانِ على صُوْرَةِ وَجْهِ الرَّحْمَنِ». وأخْرَجَهُ والدَّارَقُطْنِ ي في «الصِّفَاتِ» (٥١)، مِنْ طَرِيْقِ ابنِ لَهِيْعَةَ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ .
قُلْتُ: لَقَدْ أعَلَّ الحَدِيْثَ جَمَاعَةٌ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، أمْثَالُ: الإمام مالك بن أنس رحمه الله: قَالَ القاضي عياض في «تَرْتِيْبِ المَدَارِكِ» (2/44)، «قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، سَألْتُ مَالِكًا عَنْ هَذِهِ الأحَادِيْثِ؟ فَقَالَ: أقْرَأهَا كَمَا جَاءَتْ.
فَقِيْلَ لَهُ: إنَّ ابنَ عَجْلَانَ يُحَدِّثُ بِهَا! فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الفُقَهَاءِ.
قَالَ في رِوَايَةِ ابنِ القَاسِمِ وابنِ وَهْبٍ: إنَّهُ كَانَ لَا يَعْرِفُ هَذِهِ الأشْيَاءَ». وانْظُرْ: «السِّيَرَ» (6/320)، و«مِيْزَانَ الاعْتِدَالِ» (3/644).
وكَذَا ابنُ خُزَيْمَةَ في «التَّوحِيْدِ» (1/87)، وكَذَا الدَّارَقُطْني؛ حَيْثُ قَالَ عَنْهُ: «حَدِيْثُ «لَا تُقَبِّحُوا الوَجْهَ»: تَفَرَّدَ به جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت, عن عطاء». انظر: «أطراف الغرائب والأفراد» لابن طاهر (١/٥٤٦)، وغيرهما.
فالحديث عِنْدَهم: معلل بتفرد ابن عجلان والإرسال وعنعنة حبيب بن أبي ثابت، وحديثه أيضا عن عطاء ليس بمحفوظ، وعطاء لم يسمع من ابن عمر نَصَّ على ذلك أحمد وابن المديني رحمهما الله تعالى.
هَذَا وقَد صَحَّحَ الحَدِيْثَ جَمَاعَةٌ، أمْثَالُ: الإمام أحمد بن حنبل. انْظُرْ: «ميزان الاعتدال» (2/420)، و«فَتْحِ البَاري» (5/226)، و«طبقات الحنابلة» (٣/٢٣٥).
وإسحاقُ ابن راهويه. انْظُرْ: «المنتخب من العلل للخلال» (١٦٥) لابن قدامة.
والحاكم في «المستدرك» (٢/٤٨)، قال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».
وشيخ الإسلام ابن تيمية في «بَيَانِ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (2/1145)، وغيره.
والحافظ الذهبي في «السير» (٥/٤٥٠)، قال: «صح من حديث ابن عمر». والحديث صححه جمع من أهل العلم المعاصرين.
قال الحافظ الذهبي في «ميزان الاعتدال» (٢/٤١٩): «الحديث في «إنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُوْرَتِهِ»: لم ينفرد به ابن عجلان، فقد رواه همام، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن أبي هريرة.
ورواه شعيب، وابن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. ورواه معمر، عن همام، عن أبي هريرة. ورواه جماعة كالليث بن سعد وغيره، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة. ورواه شعيب أيضا وغيره، عن أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبي هريرة. ورواه جماعة عن ابن لهيعة، عن الأعرج، وأبي يونس، عن أبي هريرة. ورواه جرير، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وله طرق أخر، قال حرب: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنَّ آدَمَ خُلِقَ على صُوْرَةِ الرَّحْمَنِ».
وقال الكوسج: سمعت أحمد ابن حنبل يقول: هذا الحديث صحيح.
قلت: وهو مخرج في الصحاح.
وأبو الزناد: فعمدة في الدين، وابن عجلان: صدوق من علماء المدينة وأجلائهم ومفتيهم، وغيره أحفظ منه.
أما معنى حديث الصورة: فنرد علمه إلى الله ورسوله، ونسكت كما سكت السلف، مع الجزم بأنَّ الله ليس كمثله شيء» انتهى. وانظر أيْضًا: «السِّيَرَ» (5/450).
وقد اعتذر الحافظ الذهبي للإمامِ مَالِكٍ رحمه الله في ذلك فقال في «السِّيَرِ» (8/104): «أنكر الإمام مالك ذَلِكَ؛ لأنه لم يثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور...».
* * *
أمَّا تأويل الحديث: فقد اختلف أهل العلم في تحقيق ضمير قوله ﷺ: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ على صُورَتِهِ»: هل يعود الضمير إلى الخالق أم إلى غيره؟ على أقْوَالٍ كَثِيْرَةٍ، فَكَانَ مِنْ أشْهَرِهَا أرْبَعَةُ أقْوالٍ، كما يلي:
القَوْلُ الأوَّلُ: أنَّ الضَّمِيْرَ يَعُودُ إلى آدَمَ عليه السلام.
بمَعْنَى: أنَّ الله تعالى خَلَقَ صُوْرَةَ آدَمَ أوَّلًا ثُمَّ خَلَقَ آدَمَ على تِلْكَ الصُّوْرَةِ!
وقَالَ بِهَذَا القَوْلِ: أبو ثور الكلبي البغدادي، وابنُ حِبَّانَ البُسْتِي، واختاره فخر الدين الرازي، وغيرهم من أهل الكلام.
وعزاه ابنُ قُتَيْبَةَ إلى قوم من أصحاب الكلام. انْظُرْ: «طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ» (2/90)، (2/336)، و«صَحِيْحَ ابنِ حِبَّانَ» (14/34)، و«بَيَانَ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (2/1128)، (2/1156)، و«تَأوِيْلَ مُخْتَلَفِ الحَدِيْثِ» (318).
وقَدْ نَسَبَ بَعْضُ مُحَدِّثِي البَصْرَةَ هَذَا القَوْلَ إلى الإمَامِ أحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ. انْظُرْ: «بَيَانَ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (2/1145).
لكِنَّ هَذَا القولَ لَا يَصِحُّ عَنِ الإمَامِ أحْمَدَ لأمْرَيْنِ:
الأمْرُ الأوَّلُ: أنَّ الرواية المنسوبة إلى الإمام أحمد هِيَ مِمَّا انفرد بها حمدان بن الهيثم عنه، لذا فقد أنكرها أهل العلم وردوها لأنها تخالف مَا ثبت عن أحمد في معنى هَذَا الحديث وغيره، وكذا لمخالفتها مَا رواه الأصحاب الثقات عن أحمد في هَذَا الحرف.
قَالَ الحافظ الذهبي في «مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ» (1/602) - في ترجمة حمدان بن الهيثم -: «لكِنَّهُ أتَى بشيءٍ منكرٍ عن أحمد بن حنبل في معنى قوله عليه السلام: «إنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُوْرَتِهِ».
زعم أنه قَالَ: صَوَّرَ اللهُ صُوْرَةَ آدَمَ قَبْلَ خَلْقِهِ، ثم خلقه على تلك الصورة، فأما أن يكون خَلَقَ اللهُ آدَمَ على صُورَتِهِ: فلا، فقد قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11].
قال يحيى بن مندة في «مناقب أحمد»: قال المظفر بن أحمد الخياط في كتاب «السنة»: وحمدان بن الهيثم يزعم أن أحمد قال: صَوَّرَ اللهُ صُوْرَةَ آدَمَ قَبْلَ خَلْقِهِ، وأبو الشيخ فوثقه في كتاب «الطبقات» انتهى.
الأمر الثاني: أنَّ الإمَامَ أحْمَدَ صح عنه خلاف هَذَا القَوْلِ.
فقد قال الحافظ الذهبي في «مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ» (1/602): «ويدل على بطلان روايته: ما رواه حمدان بن علي الوَرَّاقُ - الذي هو أشهر من حمدان بن الهيثم، وأقدم : أنه سمع أحمد بن حنبل، وسأله رجل عن حديث: «خَلَقَ آدَمَ على صُوْرَتِهِ» على صورة آدم؟ فقال أحمد: فأين الذي يروي عن النبي ﷺ: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن»!
ثم قال أحمد: وأيُّ صورةٍ لآدَمَ قَبْلَ أنْ يُخْلَقَ!».
وقد أنكر الإمَامُ أحْمَدُ نَفْسُهُ هَذَا القَوْلَ في رواية أبي طالبٍ؛ حَيْثُ قال: «من قال إن الله خلق آدَمَ على صورة آدَمَ: فهو جَهْمِيٌّ، وأيُّ صورةٍ لآدَمَ قَبْلَ أنْ يُخْلَقَ». انْظُرْ: «إبْطَالَ التَّأوِيْلَاتِ » لأبي يعلى (1/75)، و«طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ» لابن أبي يعلى (2/336)، و«مِيْزَانَ الاعْتِدَالِ» للذَّهَبِي (1/60 2).
قَالَ ابنُ قُتَيْبَةَ في «تَأوِيْلِ مُخْتَلَفِ الحَدِيْثِ» (318): «ولو كان المراد هَذَا: ما كان في الكلام فائدة، ومن يشك في أنَّ الله تعالى خلق الإنسان على صورته، والسباع على صورها، والأنعام على صورها!».
قَالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ في «بَيَانِ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (6/434): «إنَّهُ إذَا قِيلَ: إذَا قَاتَلَ أحَدُكُم فَلْيَتَجَنَّبِ الوَجْهَ؛ فَإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُورَةِ آدَمَ، أوْ لَا تُقَبِّحُوا الوَجْهَ، ولَا يَقُلْ أحَدُكُم قَبَّحَ اللهُ وَجْهَكَ، ووَجْهَ مَنْ أْشَبَه َوْجَهَك؛ فَإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُورَةِ آدَمَ: كَانَ هَذَا مِنْ أفْسَدِ الكَلَامِ، فَإنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ العِلَّةِ والحُكْمِ مُنَاسَبَةٌ أصْلًا، فَإنَّ كَوْنَ آدَمَ مَخْلُوقًا على صُورَةِ آدَمَ، فَأيُّ تَفْسِيرٍ فَسَّرَ؟! لَيْسَ في ذَلِكَ مُنَاسَبَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ وُجُوهِ بَنِيهِ، ولَا عَنْ تَقْبِيحِهَا، وتَقْبِيحِ مَا يُشْبِهُهَا.
وإنَّمَا دَخَلَ التَّلْبِيسَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ حَيْثُ فُرِّقَ الحَدِيثُ، فَرُوِيَ قَوْلُهُ: «إذَا قَاتَلَ أحَدُكُم فَلْيَتَّقِ الوَجْهَ» مُفْردًا، ورُوِيَ قَوْلُهُ: «اللهُ خَلَقَ آدَمَ على صُوْرَتِهِ» مُفْرَدًا.
أمَّا مَعَ أدَاءِ الحَدِيثِ على وَجْهِهِ فَإنَّ عَوْدَ الضَّمِيرِ إلى آدَمَ يَمْتَنِعُ فِيهِ، وذَلِكَ أنَّ خَلْقَ آدَمَ على صُورَةِ آدَمَ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ تَشْرِيفٌ لِآدَمَ أوْ كَانَ فِيهِ إخْبَارٌ مُجَرَّدٌ بِالوَاقِعِ فَلَا يُنَاسِبُ هَذَا الحُكْمَ».
وقَدْ رَدَّ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا القَوْلَ مِنْ ثَلاثَةٍ وعِشْرينَ وَجْهًا. انْظُرْهَا في «بَيَانِ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (2/1138).
القَوْلُ الثَّاني: أنَّ الضَّمِيْرَ يَعُودُ إلى المَضْرُوبِ.
وقَالَ بِهَذَا القَوْلِ: الإمَامُ مُحَمَّدُ بنُ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللهُ؛ حَيْثُ قَالَ في «التَّوحِيْدِ» (1/84)، (1/95): «تَوَهَّمَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَبَحَّرِ العِلْمَ أنَّ قَوْلَهُ: «عَلَى صُورَتِهِ»: يُرِيدُ صُورَةَ الرَّحْمَنِ عَزَّ وجَلَّ عَنْ أنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى الخَبَرِ، بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ: «خَلَقَ آدَمَ على صُورَتِهِ»: الهَاءُ في هَذَا المَوْضِعِ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ المَضْرُوبِ والمَشْتُومِ، أرَادَ أنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُورَةِ هَذَا المَضْرُوبِ الَّذِي أمَرَ الضَّارِبَ بِاجْتِنَابِ وَجْهِهِ بِالضَّرْبِ، والَّذِي قَبَّحَ وَجْهَهُ فَزَجَرَ ﷺ أنْ يَقُولَ ووَجْهَ مَنْ أشْبَهَ وَجْهَكَ؛ لِأنَّ وَجْهَ آدَم شَبِيهُ وُجُوهِ بَنِيهِ، فَإذَا قَالَ الشَّاتِمُ لِبَعْضِ بَنِي آدَمَ: قَبَّحَ اللهُ وَجْهَكَ ووَجْهَ مَنْ أشْبَهَ وَجْهِكَ، كَانَ مُقَبِّحًا وَجْهَ آدَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ الَّذِي وُجُوهُ بَنِيهِ شَبِيهَةٌ بِوَجْهِ أبِيهِم، فَتَفَهَّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ مَعْنَى الخَبَرِ، لَا تَغْلِطُوا ولَا تَغَالَطُوا فَتَضِلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وتَحْمِلُوا على القَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ الَّذِي هُوَ ضَلَالٌ».
وكذا ابنُ حِبَّانَ البُسْتِي رَحِمَهُ اللهُ؛ حَيْثُ قَالَ في «صحيحه» (12/420(: «يريد به صورة المضروب؛ لأن الضارب إذا ضرب وجه أخيه المسلم ضرب وجهًا خَلَقَ اللهُ آدَمَ على صُورَتِهِ».
وأبو الشيخ الأصفهاني رَحِمَهُ اللهُ. انْظُرْ: «بَيَانَ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (2/1132).
وعزاه أيْضًا الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (5/183): «واختلف في الضمير على من يعود؟: فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها».
قلت: ظاهر قول ابن حجر رحمه الله: «الأكثر»: أنَّهُ يريد أكثر أهل التأويل: كابن حبان والبيهقي والقاضي عياض والمازري والقرطبي وغيرهم. انْظُرْ: «الأسْمَاءَ والصِّفَاتِ» للبَيْهَقِي (٢/٦٣)، و«المُفْهِمَ» للقرطبي (٦/٥٩٧)، و«إكمال المعلم» للقاضي عياض (8/90).
وقد رَدَّ الإمَامُ أحْمَدُ هَذَا القول، كما جاء في كتاب «السنة» للطبراني قَوْلُهُ: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي: إنَّ رجلا قال: خَلَقَ آدَمَ على صُوْرَتِهِ، أي صورة الرجل! فَقَالَ: كذب، هو قول الجهمية، وأيُّ فَائِدَةٍ في هَذَا!». انْظُرْ: «فَتْحَ البَاري» لابنِ حَجَرٍ (5/226).
وأيْضًا فَقَدْ رَدَّ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا القَوْلَ مِنْ ثَلاثَة عَشْرَةَ وَجْهًا. انْظُرْهَا في «بَيَانِ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (2/1142).
القَوْلُ الثَّالِثُ: أنَّ إضَافَةَ هَذِهِ الصورةِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الخَلْقِ إلى الخَالِقِ تَعَالى.
وقَالَ بِهَذَا القَوْلِ: الإمَامُ مُحَمَّدُ بنُ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللهُ؛ حَيْثُ قَالَ في «التَّوحِيْدِ» (1/100): «فَمَعْنَى هَذَا الخَبَرِ عِنْدَنَا: أنَّ إضَافَةَ الصُّورَةِ إلى الرَّحْمَنِ في هَذَا الخَبَرِ إنَّمَا هُوَ مِنْ إضَافَةِ الخَلْقِ إلَيْهِ؛ لِأنَّ الخَلْقَ يُضَافُ إلى الرَّحْمَنِ؛ إذِ اللهُ خَلَقَهُ، وكَذَلِكَ الصُّورَةُ تُضَافُ إلِى الرَّحْمَنِ؛ لِأنَّ اللهَ صَوَّرَهَا، ألَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان:11]، فَأضَافَ اللهُ الخَلْقَ إلى نَفْسِهِ؛ إذِ اللهُ تَوَلَّى خَلْقَهُ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً﴾ [الأعراف:73]، فَأضَافَ اللهُ النَّاقَةَ إلى نَفْسِهِ...».
قلت: ليس الأمر كما ذكره ابن خزيمة رحمه الله؛ بل هُوَ من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، فالصورة هنا مضافة إلى الرحمن، ومضافة أيضا إلى الله تعالى، كما هُوَ ظاهر الحديثِ.
وقَدْ رَدَّ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا القَوْلَ مِنْ عَشَرَةِ وُجُوهٍ. انْظُرْهَا في «بَيَانِ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (2/1175).
القَوْلُ الرَّابِعُ: أنَّ الضَّمِيْرَ يَعُودُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
وهَذَا مذهب أهل السنة والجماعة، وبه قَالَ: أحمد وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسفيان بن عيينة، وغيرهم من أئمة السلف، كَمَا سيأتي.
وقولهم هَذَا: لا يقتضي تماثلا بين الخالق والمخلوق، ولا يلزم من كون الشيء على صورة شيء آخر أن يكون مماثلا له، كما قَالَ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ﴾ [الشورى:11]، بل يثبتون الحديث على ظاهره من غير تأويل ولا تمثيل.
قَالَ يَعْقُوبُ بنُ بُخْتَانَ: سُئِلَ أبو عَبْدِ اللهِ أحْمَدُ بنِ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ على صُورَتِهِ»، فَقَالَ: لَا تُفَسِّرْهُ، مَا لَنَا أنْ نُفَسِّرْهُ، كَمَا جَاءَ الحَدِيثُ». انْظُرْ: «إبْطَالَ التَّأْوِيلَاتِ » لأبي يَعْلَى (1/79).
وقال أيْضًا: «لَقَدْ سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَحْضُرُهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، فَذَكَرَ هَذَا الحَدِيثَ: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ على صُورَتِهِ» فَقَالَ: مَنْ لَا يَقُولُ بِهَذَا: فَهُوَ كَذَا وكَذَا، يَعْنِي مِنَ الشَّتْمِ، وسُفْيَانُ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْئًا.
قَالَ المَرْوَزِيُّ: أظُنُّ أنِّي ذَكَرْتُ لِأبِي عَبْدِ اللهِ عَنْ بَعْضِ المُحَدِّثِينَ بِالبَصْرَةِ أنَّهُ قَالَ: قَوْلُ النَّبِيُّ ﷺ: «خَلَقَ اللهُ آدَمَ على صُورَتِهِ»، قَالَ: صُورَةُ الطِّينِ، قَالَ: هَذَا جَهْمِيٌّ! وقَالَ: نُسَلِّمُ الخَبَرَ كَمَا جَاءَ». انْظُرْ: «السُّنَّةَ» لعَبْدِ اللهِ (1/268)، و«إبْطَالَ التَّأْوِيلَاتِ » لأبي يعلى (1/89)، و«طَبَقَاتِ الحَنَابِلَةِ» لابنِ أبي يَعْلَى (2/233، 336)، (3/235)، و«المُنْتَخَبَ مِنَ العِلَلِ للخَلَّالِ» لابنِ قُدَامَةَ (265)، و«مِيْزَانَ الاعْتِدَالِ» للذَّهَبِي (2/420)، و«فَتْحَ الباري» لابنِ حَجَرٍ (5/226).
قَالَ ابنُ قُتَيْبَةَ رَحِمَهُ اللهُ في «تَأوِيْلِ مُخْتَلَفِ الحَدِيْثِ» (322): «والَّذِي عِنْدِي - واللهُ أعَلْمُ -: أنَّ الصُّوْرَةَ لَيْسَتْ بأعْجَبَ مِنَ اليَدَيْنِ والأصَابِعِ والعَيْنِ، وإنِّمَا وَقَعَ الإلْفُ لتِلْكَ لمَجِيْئِهَا في القُرآنِ، ووَقَعَتِ الوَحْشَةُ مِنْ هَذِهِ لأنَّهَا لَمْ تَأتِ في القُرآنِ، ونَحْنُ نُؤمِنُ بالجَمِيْعِ، ولَا نَقُولُ في شَيْءٍ مِنْهُ بكَيْفِيَّةٍ ولَا حَدٍّ».
وقَالَ الإمَامُ الآجُرِّي رَحِمَهُ اللهُ في «الشَّرِيْعَةِ» (3/1153): «هَذِهِ مِنَ السُّنَنِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ الإيمَانُ بِهَا, ولَا يُقَالُ فِيهَا: كَيْفَ؟ وَلِمَ؟ بَلْ تُسْتَقْبَلُ بِالتَّسْلِيمِ والتَّصْدِيقِ, وتَرْكِ النَّظَرِ, كَمَا قَالَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أئِمَّةِ المُسْلِمِينَ».
وقَالَ القاضي أبو يعلى رَحِمَهُ اللهُ في «إبْطَالِ التَّأوِيْلَاتِ » (1/75): «ليس في حمله على ظاهره مَا يزيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأننا نطلق تسمية الصورة عليه لا كالصور كما أطلقنا تسمية ذات ونفس لا كالذوات والأنفس».
وقَالَ أيْضًا في «الاعْتِقَادِ» (27): «ونقر بأنَّ الرحمن خَلَقَ آدَمَ على صُوْرَتِهِ، رواه أحمد بن حنبل وابن خزيمة وغيرهما».
وقَالَ أبو القاسم إسماعيل بن مُحَّمَدٍ الأصبهاني - الملقب بقِوَامِ السُّنَّةِ -: «أخطأ ابنُ خزيمة في حديث الصورة، ولا يُطْعَنُ عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه فحسب!». انْظُرْ: «بَيَانَ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (2/1139)، و«السِّيَرَ» للذَّهَبِي (20/88).
وقَالَ النووي رَحِمَهُ اللهُ في «شرح مسلم» (16/381): «من العلماء من يمسك عن تأويلها ويقول: بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد، ولها معنًى يليق بها، وهذا مذهب جمهور السلف، وهو أحوط وأسلم.
والثاني: أنها تتأول على حسب مَا يليق بتنزيه الله تعالى، وأنه ليس كمثله شيء».
وقَالَ ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ في «بَيَانِ تَلْبِيْسِ الجَهْمِيَّةِ» (2/1131): «والكَلَامُ على ذَلِكَ أنْ يُقَالَ: هَذَا الحَدِيثُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ القُرُونِ الثَّلَاثَةِ نِزَاعٌ في أنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلى اللهِ، فَإنَّهُ مُسْتَفِيضٌ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وسِيَاقُ الأحَادِيثِ كُلِّهَا يَدُلُّ على ذَلِكَ».
وقَالَ أيْضًا (2/1132): «ولَكِنْ ظَهَرَ لَمَا انْتَشَرَتِ الجَهْمِيَّةُ في المِائَةِ الثَّالِثَة، جَعَلَ طَائِفَةٌ الضَّمِيرَ فِيهِ عَائِدًا إلى غَيْرِ اللهِ تَعَالَى حَتَّى نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ المَعْرُوفِينَ بِالعِلْمِ والسُّنَّةِ في عَامَّةِ أُمُورِهِم، كَأبِي ثَوْرٍ، وابْنِ خُزَيْمَةَ، وأبِي الشَّيْخِ الأصْبَهَانِي، وغَيْرِهِم، ولِذَلِكَ أنْكَرَ عَلَيْهِم أئِمَّةُ الدِّينِ وغَيْرُهُم مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ».
وقَالَ الحافظ الذهبي رَحِمَهُ اللهُ في «مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ» (2/419): «أما معنى حديث الصورة: فنرد علمه إلى الله ورسوله، ونسكت كما سكت السلف، مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء».
وقَالَ أيْضًا في «السِّيَرِ» (5/450) - بَعْدَ أنْ ذَكَرَ حَدِيْثَ الصُّورَةِ -: «فَنُؤْمِنُ بِهِ، ونُفَوِّضُ، ونُسِلِّمُ، ولاَ نَخُوضُ فِيْمَا لَا يَعْنِيْنَا، مَعَ عِلْمِنَا بِأنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيْءٌ، وهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ».
وقَالَ الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «فتح الباري» (5/226): «فتعين إجراء مَا في ذلك على مَا تقرر بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أو من تأويله على مَا يليق بالرحمن جل جلاله». والله تعالى أعلم.
* * *
خُلاصَةُ مَا ورد في حَدِيْثِ الصورة، كما يلي:
أنَّ حَدِيْثَ: «إنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُورَتِهِ»: ثابت في الصحيحين وغيرهما.
أنَّ حَدِيْثَ: «إنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ على صُوْرَةِ الرَّحْمَنِ»: قد أعلَّه بعض أهل العلم بما ليس قادحا عِنْدَ أئمة الحديث؛ حيث صححه الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، والحاكم، وابن تيمية، والذهبي، وابن حجر، وغيرهم.
لقد اختلف أهل العلم في عود الضمير في قوله ﷺ: «على صُورَتِهِ»: هل يعود إلى الخالق أم إلى غيره؟ على أقْوَالٍ، أشهرها أربعة:
القَوْلُ الأوَّلُ: أنَّ الضَّمِيْرَ يَعُودُ إلى آدَمَ عليه السلام.
القَوْلُ الثَّاني: أنَّ الضَّمِيْرَ يَعُودُ إلى المَضْرُوبِ.
القَوْلُ الثَّالِثُ: أنَّ إضَافَةَ هَذِهِ الصورةِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الخَلْقِ إلى الخَالِقِ تَعَالى.
القَوْلُ الرَّابِعُ: أنَّ الضَّمِيْرَ يَعُودُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وهُوَ مذهب أهل السنة والجماعة، وبه قَالَ: أحمد وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسفيان بن عيينة، وغيرهم من أئمة السلف، بل لَمْ يَكُنْ بَيْنَ السَّلَفِ مِنَ القُرُونِ الثَّلَاثَةِ نِزَاعٌ في أنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلى اللهِ، ومَا سوى هَذَا القول - من الأقوال - فخلاف ظاهر الحديث.
قول أئمة السلف: «إنَّ الضَّمِيْرَ يَعُودُ إلى اللهِ»: فإنَّه لا يقتضي تماثلا بين الخالق والمخلوق، ولا يلزم من كون الشيء على صورة شيء آخر أن يكون مماثلا له، كما قَالَ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ﴾ [الشورى:11]، بل يثبتون الحديث على ظاهره من غير تأويل ولا تمثيل.
أنَّ المخالف لظاهر الحديث - إذَا كان من أهل السنة -: فلا يُبدع ولا يُفسق ولا يُطْعَنُ عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه فحسب!
أنَّ أحاديث الصفات الَّتِي يُستشكلُ ظاهرُها عِنْدَ بادئ النظر: فإنه يجب على المسلم أن يؤمن بها، ويسلم لها، ويمسك عن تأويلها، ويرد علمها إلى الله ورسوله ومَا فهمه أئمة السلف، ولاَ يخُوضُ فِيْمَا لَا يَعْنِيْنهِ، ويمرها كما جاءت من غير تحريف ولا تأويل ومن غير تكييف ولا تمثيل، والله تعالى أعلم.
والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على عَبْدِهِ ورَسُولِهِ الأمِيْنِ.

وكَتَبَهُ
ذِيَابُ بنُ سَعْدٍ آلُ حَمْدَانَ الغَامِديُّ
في يوم الخميس المُوافِقِ (23/رَبِيْعِ الثَّاني/1444)